1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المستفيد والمتضرر من حزمة الإنعاش الاقتصادي الألمانية

٧ يونيو ٢٠٢٠

قلما حظيت حزمة إنعاش بمثل هذا الترحيب الواسع في الأوساط الألمانية. الحزمة التي يبلغ حجمها 130 مليار يورو تطال الجميع ولكل مستهلك في ألمانيا منها نصيب، لكن إلى مدى سيكون التنفيذ ناجحا في ظل البيروقراطية والتلاعب بالأسعار؟

https://p.dw.com/p/3dL6e
أطرف التحالف الحاكم في برلين بزعامة ميركل سعداء بحزمة انعاش الاقتصاد التي لبت القسم الأكبر من مطالبهم
المستشارة ميركل تتألق مجددا من خلال حزمة انعاش اقتصادي ضخمة بحجم 130ة مليار يورو لمواجهة تبعات كوروناصورة من: picture-alliance/dpa/B. von Jutrczenka

يشكل التخفيض المؤقت لضريبة القيمة المضافة على المبيعات لمدة ستة أشهر اعتبارا من يوليو/ أيلول القادم العنصر الأكثر مفاجأة في حزمة الإنعاش أو تحفيز الاقتصاد غير المسبوقة التي أقرتها الحكومة الألمانية أوائل الشهر الجاري (يونيو/ حزيران) بحجم 130 مليار يورو لتجاوز تبعات فيروس كورونا على الاقتصاد.

هذا التخفيض من 19 إلى 16 بالمائة بالنسبة للضريبية العالية ومن 7 إلى 5 بالمائة بالنسبة للضريبة المخفضة التي تُفرض على سلع ضرورية كالأغذية ينبغي أن يوفر للمستهلكين والشركات في ألمانيا 20 مليار دولار إضافية، تأمل الحكومة بضخها في الطلب المحلي على مزيد من السلع والخدمات. غير أن السؤال المطروح هو: هل ستقوم الشركات بتخفيض الأسعار؟ أم  ستزيد سعر البضاعة الأصلي بحيث تحرم المستهلك من هذا التخفيض الضريبي بطريقة ملتوية؟

تحفيض ضريبي لفائدة الجميع

من المنتظر دخول التخفيض الضريبي حيز التنفيذ بعد موافقة البرلمان الألماني ومجلس الولايات على الحزمة. ونظرا إلى أن التنفيذ لا يخضع لإجراءات إلزامية، يتوقع أن تستغل شركات كثيرة التخفيض الضريبي لتحقيق المزيد من الربح بدلا من تخفيض السعر للمستهلك. وسيكون حافزها الأكبر إلى ذلك تعويض خسائر الإغلاق بسبب كورونا بالسرعة الممكنة. ويأتي في مقدمة هذه الشركات على الأرجح تلك التي تتعامل مع سلع وخدمات عرضها محدود في السوق. أما بقية الشركات، لاسيما التي تعمل في قطاعات تسود في السوق منافسة كبيرة على منتجاتها كالمفروشات والأجهزة المنزلية وبعض الأغذية، فإن التزامها بتخفيض السعر للمستهلك سيكون مضمونا أكثر.

وعلى ضوء خبرات سابقة داخل وخارج ألمانيا من المرجح أن يكون التنفيذ بحدود 70 إلى 75 بالمائة. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الحكومة ستقدم أيضا بموجب الحزمة مساعدات للأشخاص الذين لديهم أطفال بحدود 300 يورو لكل طفل، يمكن القول إن جميع المستهلكين سيكون لهم وفر مالي إضافي يتعلق بحجم الشراء والبيع الذي يقومون به على مدى الأشهر الستة القادمة. وسيكون في مقدمة المستفيدين أيضا الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقوم بتدوير رؤوس أموال مبيعاتها بشكل سريع.

تخفيض ضريبة القيمة المضافة في ألمانيا قرار مفاجئ يسعد الكثير من المستهلكين
تخفيض ضريبة القيمة المضافة في ألمانيا، هل سيتم تنفيذه لصالح المستهلك أم لصالح الشركات؟ صورة من: DW/J. Beck

استثمارات تحتاج لكفاءات من الخارج

وإذا كانت المفاجأة في تخفيض ضريبة القيمة المضافة، فإن برامج الاستثمار في حماية البيئة وتقنيات المستقبل بقيمة 50 مليار يورو تشكل العنصر الأهم في حزمة الإنعاش التي ينبغي تطبيق بنودها التي تزيد على الخمسين خلال عامي 2020 و 2021.

ومن بين هذه البرامج تحديث قطاعات الاتصال والرقمنة والإنترنت على مستوى ألمانيا ريفا ومدينة. وهذا ما ينطبق على تشجيع الطاقة الهيدروجينية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة. وسيكون هناك دفع لعمية تحديث البنية التحتية المربتطة بذلك، إضافة إلى مزيد من الاستثمارات في مجالي التعليم والبحث العلمي.

ومن شأن هذه البرامج أن تنعش آلاف الشركات وتأتي بفرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من الكفاءات المتوسطة والعالية وخاصة من خارج ألمانيا. وتكمن الحاجة إلى هؤلاء بشكل خاص في مجال تقينات الاتصال والخدمات على اختلافها. وتفيد الجهات المتخصصة أن هناك حاجة إلى أكثر من مليون قوة عمل شابة في المستقبل المتوسط، كان من المنتظر تسهيل قدومها اعتبارا من مارس/ آذار الماضي. غير أن أزمة كورونا عطلت ذلك إلى أن تعود عجلة الاقتصاد الألماني إلى الدوران من جديد. وتتوقع أكثر من جهة متخصصة تعافي هذا الاقتصاد بحلول نهاية العام القادم 2021. ومع تعافيه وعودة حركة السفر سيتم فتح المجال مجددا لاستقدام الكفاءات الأجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي للعمل في ألمانيا.

استمرار تقديم إعانات بطالة لملايين العاملين

وإلى جانب برامج الاستثمار أقرت الخطة تخصيص 25 مليار إضافية لدعم الشركات المتعثرة بفعل أزمة كورونا. وسيكون للشركات الصغيرة والمتوسطة النصيب الأوفر منها. وتقدم الحكومة الألمانية إعانات بطالة جزئية لأكثر من 7.5 مليون عامل في ألمانيا منذ مارس آذار الماضي من أجل دفع الشركات إلى عدم تسريح موظفيها بسبب الإغلاق الجزئي أو الكلي خلال الأسابيع الماضية.

وبموجب حزمة الانقاذ سيكون هناك دعم بقيمة 8 مليارات يورو للمدن والبلدات والقرى التي تعاني موازناتها من العجز. وسيركز هذا الدعم على الضمانات الاجتماعية والاستثمار في المشاريع المحلية. هذا، وستقوم الحكومة بالحد من ارتفاع أسعار الكهرباء من خلال دعمها لاستهلاكها بمبلغ يصل إلى 11 مليار يورو. ومن شأن  هذا الدعم ودعم البلديات تخفيف بعض العبء على فاتورة الطاقة التي تعاني منها الشركات المتوسطة والصغيرة بالدرجة الأولى، إضافة إلى ضمان تقديم المساعدات الاجتماعية بما فيها تلك التي يتم تقديمها إلى اللاجئين من بلدان كثيرة، وفي مقدمتها سوريا.

 صناعة السيارات من بين الخاسرين

وإذا كان الرابحون من الحزمة كثر، فإن قطاع السيارات الذي يعاني من توقف واسع عن العمل بسبب كورونا يعد أول الخاسرين. فرغم الضغط الكبير الذي مارسه لوبي هذا القطاع، لم تتضمن الحزمة تقديم إعانات لشراء السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل ولا تراعي متطلبات البيئة. وسبق لإعانات مماثلة أن ساعدت صناعة السيارات الألمانية التي توظف أكثر من 800 ألف عامل على تخطي تبعات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008. وبدلا من تقديم إعانات لشراء مختلف أنواع السيارات تم حصر تقديمها بموجب الحزمة الجديدة في  شراء السيارات الكهربائية وبحدود 6000 يورو لكل سيارة. غير أن المشكلة تكمن في أن أسعار هذا النوع من السيارات ما يزال مرتفعا ويفوق قدرة الغالبية الساحقة من المستهلكين على الشراء. ومما يعنيه ذلك بقاء مفعول الإعانة في حدود ضيقة. كما قد يعني إضطرار شركات السيارات إلى تسريح آلاف العمال والموظفين خلال الفترات القادمة في حال عدم عودة الأسواق الخارجية إلى استيراد السيارات الألمانية، التي تعتمد على  الوقود الاحفوري كما كان عليه الحال قبل أزمة كورونا.

 

العبرة أولا وأخيرا في التنفيذ؟

حظيت الحزمة التي وصفت بأنها تاريخية بترحيب واسع وغير مسبوق من قبل الأوساط الاقتصادية والأحزاب السياسية كونها تشمل مختلف القطاعات، إضافة إلى أنها أظهرت مجددا قدرة الائتلاف الحاكم في برلين من الحزبين المسيحيين المحافظين والحزب الاشتراكي على التوصل إلى صيغ توافقية عندما يتعلق الأمر بمواجهة أزمات تهدد ازدهار ألمانيا ورفاهيتها.

وحسب الخبير كليمنس فوست، رئيس معهد الاقتصاد الألماني "إيفو" (ifo institut) فإن الحزمة ستخفف من حدة انكماش الاقتصاد عن طريق إنعاش الاستهلاك والطلب المحلي في هذه المرحلة الحرجة.

غير أن المشكلة الأكبر التي تواجه تنفيذ الحزمة ليست في نقص المال، بل في تعقيدات البيروقراطية الألمانية. وهو أمر غفل الكثيرون عن الإشارة إلى مخاطره، عدا وزير الاقتصاد الألماني بيتر التماير. فقد حذر الوزير، وهو على حق، من هذه المخاطر وطالب بخفض البيروقرطية من خلال تبسيط إجراءاتها، لأن ذلك سيكون "بمثابة حزمة تحفيز اقتصادي إضافية لا تكلف شيئا".

ويبقى أن العبرة ستكون في مدى تنفيذ ما جاء في الحزمة التي ما تزال على الورق. وإذا ما حصل هذا التنفيذ بالفعل، فإن عودة الاقتصاد الألماني إلى التعافي "بقفزة سريعة" يريد وزير المالية أولاف شولتس القيام بها ستكون شبه مضمونة.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات