1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الغوطة الشرقية.. قصف وتجويع "ممنهج" يدفع ثمنه المدنيون!

محي الدين حسين
١٢ فبراير ٢٠١٨

تشهد الغوطة الشرقية المحاصرة في سوريا إحدى الفترات الأكثر دموية في الصراع المستمر منذ سبع سنين، ما يزيد المأساة الإنسانية في المنطقة التي تمر بأسوأ الأزمات الصحية في سوريا على الإطلاق.

https://p.dw.com/p/2sYW7
Syrische Armee setzt Beschuss von Ost-Ghouta fort
صورة من: picture alliance/AA/Syrian Civil Defence

منذ خمس سنوات والغوطة الشرقية المحيطة بالعاصمة السورية دمشق ترزح تحت وطأة الحصار والقصف من قبل قوات النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين. وبالرغم من كونها إحدى مناطق خفض التوتر الأربع في سوريا، والتي توصل إليها حلفاء طرفي الصراع في مايو/أيار الماضي، إلا أن صرخات استغاثة أهالي الغوطة مازالت مستمرة، وسط النداءات الدولية المتكررة بإيقاف القتال فيها، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لسكانها البالغ عددهم 400 ألف شخص، نصفهم أطفال.

وتتعرض مناطق الغوطة الشرقية، المعقل الأخير للفصائل المعارضة قرب دمشق، لغارات كثيفة تنفذها قوات النظام وحلفائها منذ الاثنين (5 شباط/فبراير)، والتي تسببت خلال خمسة أيام بمقتل أكثر من 240 مدنياً، بينهم 60 طفلاً، وإصابة نحو 775 آخرين بجروح، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
"جرائم حرب" وأسلحة كيميائية
ودعا المفوض الأعلى للأمم المتحدة لحقوق الانسان زيد رعد الحسين السبت (10 شباط/فبراير) إلى "تحرك دولي عاجل" في سوريا "لإنهاء حالة الافلات من العقاب" السائدة وحماية المدنيين، مؤكداً أن الأفعال ضد المدنيين في الغوطة الشرقية قد ترقى إلى جرائم حرب، وتابع: "لقد كان الأسبوع الماضي أحد الفترات الأكثر دموية في الصراع بأكمله (...) بعد سبع سنوات من الشلل في مجلس الأمن الدولي، فإن الوضع في سورية يستلزم بشدة الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية".
كما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش من جانبها على أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية بداية هذا العام أيضاً، وقالت في تغريدة على حسابها الرسمي على تويتر: "حكومة سوريا صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لحظر الأسلحة الكيميائية، لكن هذا لم يمنعها من استخدام هذا السلاح على الأقل 30 مرة منذ أول هجوم على الغوطة".
وقالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش في تقرير للمنظمة نشرته في الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر: "يتفرج العالم بصمت على تشديد روسيا وسوريا الخناق على الغوطة الشرقية، التي تعاني تحت وطأة الضربات غير المشروعة والأسلحة التي تخضع لحظر واسع، بالإضافة إلى الحصار المدمر"، وأضافت: "على مجلس الأمن أن يطالب سوريا فوراً بإنهاء تكتيكاتها التي تجوع السكان، وتمنع المدنيين من المغادرة أو تلقي المساعدات الإنسانية".
وقال مسؤول في الأمم المتحدة لـ (هيومن رايتس ووتش) إن "الحكومة ترفض بشكل منهجي (إدخال) الأدوية المنقذة للحياة والمعدات الطبية".
أسوأ الأزمات الصحية وارتفاع جنوني بالأسعار
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن الأطفال في الغوطة الشرقية يعانون واحدة من أسوأ الأزمات الصحية  الناجمة عن الحرب السورية، مضيفة أن 12% من أطفال الضاحية دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، وهي أعلى نسبة مسجلة منذ اندلاع الصراع عام 2011.
وتعاني الغوطة الشرقية من نقص كبير في المواد الغذائية والأدوية، وكانت آخر قافلة مساعدات قد دخلت إلى المنطقة في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، كما تم في نهاية العام الماضي إجلاء 29 شخص من ذوي الحالات الحرجة، بعد ضغوطات دولية على النظام ومقابل تحرير بعض أسراه  بيد فصائل المعارضة.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر عن لائحة من 500 شخص بحاجة ماسة للإجلاء من الغوطة الشرقية، مؤكدة أن 100 شخص على الأقل ماتوا منذ يونيو/حزيران في انتظار موافقة الحكومة السورية على مغادرة الغوطة الشرقية للعلاج في أماكن أخرى.
ووسط هذا الحصار الخانق، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية التي يتم إدخالها من قبل "سماسرة النظام" كما تصفهم المعارضة، بشكل جنوني، ووجد تقييم مشترك بين وكالات الأمم المتحدة أنه وبحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، كان سعر حزمة الخبز في الغوطة الشرقية 855 ضعف السعر في دمشق القريبة؛ وفي أغسطس/آب كان 24 ضعف السعر في دمشق.
واشتد الحصار على الغوطة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بعد أن أغلقت قوات النظام معبر "مخيم الوافدين"، الذي كان الشريان الوحيد لإدخال المواد الغذائية إلى الغوطة، وبعد أن أغلقت القوات الحكومية قد الأنفاق التي كانت تُستخدم لإدخال الأسلحة والمواد الأساسية إلى الغوطة الشرقية في نيسان/أبريل الماضي بعد سيطرتها على حيي برزة والقابون في شرقي دمشق.
تناحر فصائل المعارضة
وما يزيد معاناة الناس في الغوطة الشرقية هو تناحر الفصائل الرئيسية للمعارضة والتي تتقاسم السيطرة عليها، فقد أدى اقتتال بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى منتصف العام الماضي، إلى مقتل نحو 250 مقاتلاً من هذه الفصائل الثلاث التي تسيطر على المنطقة، بالإضافة إلى عشرات الضحايا من المدنيين.
وصعّدت قوات النظام وحلفاؤها منذ شهرين القصف على مدن وبلدات عدة في الغوطة الشرقية، إثر شن هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى هجوماً على مواقع تحت سيطرة قوات النظام على أطراف مدينة حرستا، تبعها اندلاع اشتباكات عنيفة.
وكثفت الفصائل المعارضة منذ مطلع الأسبوع الماضي قصفها بالقذائف على دمشق رداً على التصعيد العسكري على الغوطة الشرقية، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى.
وذكر التلفزيون السوري الرسمي أن قصف مسلحي المعارضة أدى إلى مقتل شخصين وإصابة أربعة في دمشق، كما قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن الجيش يرد بقصف "مواقع المتشددين" في الغوطة. وبسبب سيطرة تلك الفصائل المتناحرة على الغوطة الشرقية تكثف قوات النظام غاراتها على المنطقة، ورغم نفيها استهداف المدنيين، إلا أن غالبية الضحايا هم من المدنيين.
الحصار والتجويع حتى الاستسلام
ومنذ تدخل روسيا  المباشر بضربات جوية مكثفة في 2015 دعماً للنظام السوري، أجبرت القوات الحكومية والفصائل الطائفية المتحالفة معها مقاتلي المعارضة في العديد من معاقلها على الاستسلام، مما قلص عدد المناطق الخاضعة للمعارضة إلى أقل عدد من أي وقت مضى.
ففي نهاية العام الماضي، اضطرت فصائل المعارضة إلى الخروج من آخر معقل لها في الغوطة الغربية، وهي منطقة بيت جن، الواقعة على بعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من دمشق بعدما فقدت السيطرة على مناطق قريبة في معارك عنيفة مع قوات النظام وحلفائه. وسيطرت عليها القوات الحكومية منذ العام الماضي بعد قصف عنيف استمر شهوراً لمناطق مدنية وحصار على مدى سنوات مما أجبر قوات المعارضة على الاستسلام.
#انقذوا_الغوطة
وبدأ ناشطون معارضون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتسليط الضوء على ما يحدث في الغوطة، وكتب أبو الهدى الحمصي على تويتر: "لأجل الاطفال الذين فقدوا عيونهم بقصف الاسد وروسيا #انقذوا_الغوطة"، ونشر صورة للطفل كريم الذي أصبح رمز لمعاناة الطفولة في الغوطة، والذي فقد والدته وإحدى عينيه كما كسرت جمجمته، نتيجة لقصف القوات الحكومة السورية و الروسية. 
مشروع قرار أممي
وفي ضوء التصعيد العسكري في الغوطة الشرقية، يدرس مجلس الامن الدولي الاثنين مشروع قرار يطالب بوقف اطلاق النار لمدة 30 يوما في سوريا للسماح بتسليم مساعدات انسانية.
وبحسب نص مسودة القرار الذي قدمته كل من السويد والكويت "يتعين على جميع اطراف النزاع في سوريا الالتزام فورا بهدنة انسانية ووقف اعمال العنف في انحاء سوريا، لفترة 30 يوما متتالية".

Syrische Armee setzt Beschuss von Ost-Ghouta fort
صعّدت قوات النظام وحلفاؤها منذ شهرين القصف على مدن وبلدات عدة في الغوطة الشرقيةصورة من: picture alliance/AA/A. Al-Bushy
Syrische Armee setzt Beschuss von Ost-Ghouta fort
الأطفال في الغوطة الشرقية يعانون واحدة من أسوأ الأزمات الصحية  الناجمة عن الحرب السوريةصورة من: picture alliance/AA/Q. Nour

 ويُلزم مشروع القرار جميع الأطراف في سوريا بالسماح بعمليات الإجلاء الطبي في غضون 48 ساعة من دخول الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ، والسماح لقوافل المساعدة التابعة للأمم المتحدة بإيصال شحنات أسبوعية للمدنيين المحتاجين، وخصوصا الى مئات الآلاف من السوريين تحت الحصار في مناطق يصعب الوصول اليها.
ويأتي مشروع القرار غداة فشل مجلس الأمن في دعم اقتراح مسؤولي الاغاثة الأمميين الداعي إلى هدنة مدتها شهر للسماح بتوصيل الإغاثة إلى المرضى والمصابين. وقال السفير الروسي فاسيلي نيبنزيا إنّ الدعوة لوقف لإطلاق النار "غير واقعية" لان الفصائل التي تقاتل قوات الرئيس بشار الأسد قد لا توافق على ذلك، محملاً إياها مسؤولية إراقة الدماء.
ووسط استمرار معاناة المدنيين ومنهم الأطفال في الغوطة، دعا فران أيكيثا، ممثل اليونيسف في سوريا، المجتمع الدولي للبدء بالعمل المشترك لإنهاء الحرب التي تؤدي الى مقتل الأطفال في سوريا، متسائلاً: " متى يدرك أولئك الذين يقتلون الأطفال بأنهم يقتلون أيضا مستقبل سوريا؟".

محي الدين حسين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد