السياسة والدين والعادات في حوار مسائية DW ليوم المرأة

بصراحة كبيرة، تحدثت ثلاث نسوة يمثلن المشرق والمغرب وأوروبا في برنامج مسائية DW عن المعيقات التي تحدّ من وصول المرأة لما تطمح إليه في العالم. وفي معرضِ تعليقهن على دراسات حديثة تؤكد أن الفجوة بين الجنسين لا تزال كبيرة، حيث، على سبيل المثال، يفقد الدخل العالمي 6 تريليونات دولار بسبب فجوة في الأجور بين الجنسين في العالم وفق دراسةٍ صدرت عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الجمعة 8 آذار/ مارس 2019).

ورغم ظهور ألمانيا كنموذج متقدم عن العالم العربي أحيانا في مجال حقوق المرأة، إلا أنّ النائبة الألمانية عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي إيريس شبرانغر أكدت أنّ الأحزاب الألمانية ليست جميعها داعمة لدور المرأة في السياسة، موضحة أن أحزاب اليسار تدعم المرأة أكثر بكثير من الأحزاب المحافظة بما في ذلك الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة أنغيلا ميركل)، معربة عن استغرابها من بقاء المستشارة لكل هذا الوقت، ومنبهةً لكون الهرم الأعلى في حزب ميركل وغيره من الأحزاب المحافظة لا يساوي ولا يعدل بين الوجود النسوي ونظيره الرجالي

"النساء لسن بسيطات" ليتم استدراجهن للتصويت لشخص لسن مقتنعات به

من جانبها، أقرّت المحامية التونسية ورئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي أن مبدأ المساواة بالميراث المثير للجدل (تتم دراسته في البرلمان التونسي بعد إقراره من مجلس الوزراء) "قد ينطوي على مناورات سياسية ولكن النساء لسن بسيطات" ليتم استدراجهن للتصويت لشخص لسن مقتنعات به. وجاء حديث الجربي في ردٍ على سؤال إذا ما كان يستخدم الرئيس الباجي قايد السبسي تشريعاً مثل المساواة في الميراث كمناورة سياسية للحصول على دعم النساء في الانتخابات المقبلة (خريف 2019).

أما البرلمانية السابقة والإعلامية الأردنية رولا الحروب، فعلّقت على الوجود النسوي في حكومة بلادها بالقول "إن حكومة الدكتور عمر الرزاز خصصت نحو 25% من مقاعدها للنساء وذلك بادرة طيبة ولكننا لا نريدها موسمية (...)، نحن نريد توثيق هذا الإنجاز والاعتراف به ومأسسته ليصبح جزءاً من عملية اتخاذ القرار بالنسبة للرزاز ومن يخلفه"، مذكّرة بعدم التزام الحكومات بالاستراتيجيات الداعمة للمرأة في بلادها، وبأن الحكومة الأردنية وضعت عام 2014 استراتيجية لتخصيص نسبة لا تقل عن الثلث للمرأة في المجالس المنتخبة والمعيّنة، ولكنها لم تلتزم بذلك.

وانتقدت النسوة الثلاث التعامل السياسي والاقتصادي وحتى الديني والمجتمعي في بلدانهن والبلدان الأخرى، ضمن مشاركتهن في حلقة خاصة من برنامج مسائية DW قدمها أحمد اعبيدة.

وخصصت المحامية راضية الجربي، حديثها عن الحالة التونسية المتقدمة في مجال حقوق المرأة في العالم العربي، مشيرةً إلى أنّ النساء بعد الثورة التي عُرفت بثورة الياسمين، حققن عدداً من المكاسب، منها إقرار مبدأ المساواة التامة بين المرأة والرجل في الدستور التونسي عام 2014، وهو أمر ساعد في تحقيق مبدأ المناصفة في كل المجالس الانتخابية، حسب تعبيرها.

الدين والسياسة- أين المرأة؟

واتفقت النائبة الألمانية ايريس شبرانغر على أن المنطق الديني يسهم في تراجع دور المرأة في بعض الأماكن بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وتونس.

وقالت الجربي إنها ترى الكثير من المغالطات في استخدام الدين في تشريع كالميراث مثلاً، معتبرة أن هناك من يوظف الدين لإضفاء صبغة قدسية على بعض الآراء لتحقيق مكاسب سياسية، ما يعد عائقاً أمام تطور المجتمعات، وخالفتها الإعلامية رولا الحروب من عمان بالقول إن "العادات والتقاليد تغلّبت في المنطقة العربية على الكهنوت الديني في مجال الحد من كسب المرأة لحقوقها".

وأكدت الحروب أنّ المرأة تقدمت في مشاركتها السياسية في المجالس البرلمانية العربية بواقع 10 نقاط مئوية، حيث شغلت - وفق الحروب- 19% من مقاعد البرلمانات العربية، كما ارتفعت نسبة مشاركة النساء في الحكومات العربية لنحو 14%، واستدركت بالقول إن النسب المذكورة لا تزال أقل من المتوسط العالمي للمشاركة النسوية في العالم في صناعة القرار.

وطالبت الجربي بزيادة التمثيل النسوي في البرلمانات والحكومات ومراكز صناعة القرار، ورفضت الحديث عن كون وجود المرأة صورياً في بعض البرلمانات. في حين اعتبرت الحروب من عمان أن المرأة العربية تُضطهد مرتين، الأولى لكونها مواطنة في دول عربية أنظمتها أبوية تمارس الهيمنة على الجنسين، والثانية حين ينظر إليها باعتبارها مواطنة تابعة وليست مواطنة كاملة، مستدلّة على قوانين منح الجنسية التي تحرم المرأة من تمرير جنسيتها لزوجها وأبنائها.

أرقام مرعبة

وأضافت الحروب "تأتي المنطقة العربية ورغم الخطوات الإيجابية في ذيل مناطق العالم الستة، مشددةً على كون العقلية الذكورية لا تزال تتحكم في السياسات والتشريعات ومصير المجتمعات"، مبينة أنه وبحسب مؤشر الفجوة الجندرية بين الجنسين فأمام المنطقة العربية لو ظلّت تسير بذات السرعة نحو 156 سنة لتصل النساء لحقوق متساوية مع الرجال، ما اعتبرته "أرقاماً مرعبة".

وعرض البرنامج إحصائية حصرية تُظهر أن العالم العربي اليوم به  433وزارة تحتل النساء 38 منها فحسب، وتتراوح معظمها بين وزارات التنمية والرياضة والأسرة، والتعليم أحيانا، وبالطبع دون وجود أي امرأة في منصب رئاسة الوزراء. وهو ما أكدت عليه ضيفة عمّان، مشيرة لغياب الثقة من قبل رؤساء الوزراء الذكور بالنساء، ومبينة أنهم يعيّنونَّ النساء إما استرضاءً للغرب أو كصورة تجميلية لمجتمعاتهم.

وتطرقت الحروب للمناهج المدرسية باعتبارها أساساً إلى جانب التنشئة الأسرية في تنمية الفكر الذكوري في العالم العربي ككل، مذكّرة بغياب النماذج النسوية الرائدة عن الكتب المدرسية. وأشارت النائبة السابقة وعضوة شبكة البرلمانيات العربيات للمساواة، إلى أن المرأة الأردنية خاضت الكثير من المعارك في سياق المادة 308 (التي تُعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج ضحيته) وغيرها من الأعذار المخففة، مشدّدة على أنّ قضية المرأة بحاجة للمزيد من الدفع والإرادة السياسية الحقيقية.

وشهد اليوم العالمي للمرأة احتجاجات بنكهة نسوية في العديد من بلدان العالم، بما في ذلك السودان والجزائر اللتين تشتعل فيهما احتجاجات سياسية على حاكميهما عمر البشير وعبد العزيز بوتفليقة على التوالي.

هكذا تحول يوم 8 آذار لعطلة في ولاية برلين الألمانية

ايريس شبرانغر تحدثت عن مبادرتها في جعل يوم المرأة العالمي عطلة رسمية في ولاية برلين، حيث قامت النائبة ووزيرة المالية في ولاية برلين شبرانغر بجمع أكثر من 30 ألف توقيع في مبادرتها التي غدت حقيقة وأقرّت في العام الجاري (2019)، إلا أنّها وفي معرض حديثها لـ DW عربية، أكدت أنّ الحال في الأحزاب الألمانية ليس كلّه على ذات السويّة في دعم المرأة وتحفيزها، مشددةً على أن المرأة في الأحزاب المحافظة يتراجع موقعها.

وأشارت شبرانغر إلى أن مبادرتها تلقى دعماً كبيراً من الألمان حتى خارج الولاية العاصمة، مستندةً إلى نتائج استطلاع رأي- اطّلعت عليه DW- أظهرت أن 56% من الألمان يؤيدون أن يتحول يوم المرأة العالمي إلى عطلة على مستوى الاتحاد، وليس فقط على مستوى الولايات.

وطالبت شبرانغر النساء بأن يتقدمن ويتحلين بالشجاعة ولا يتركن حقوقهن بالعمل، فترك هذا الحق سينعكس بالضرورة على حياتهنّ في مرحلة الشيخوخة، حيث لن يحصلن على راتب تقاعدي محترم وسوف ينتمين للفئة الأقل دخلاً.

ف.م