1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

السودان ـ مغبات إصرار الجنرالات على الانفراد بالسلطة!

حسن زنيند
٦ يناير ٢٠٢٢

دخل الوضع في السودان مرحلة جديدة أعاد فيها جنرالات الجيش سيطرتهم على الحكم كما كان الحال في عهد البشير مُقبرين بذلك آخر آمال ديمقراطية وعد بها "الربيع العربي". ومع ذلك، يبدو أن الشعب السوداني لم يقل بعد كلمته الأخيرة.

https://p.dw.com/p/45CJ2
متظاهرون في الخرطوم ضد الانقلاب العسكري في السودان (ديسمبر/ كانون الأول 2021)
متظاهرون في الخرطوم ضد الانقلاب العسكري في السودان (ديسمبر/ كانون الأول 2021)صورة من: AFP/Getty Images

في أبريل / نيسان من عام 2019، دخل قادة الثورة السودانية، على مضض، في صفقة أحلاها مر، بانضمامهم إلى جنرالات عدوهم المطاح به، عمر حسن البشير. فإذا كانت الانتفاضة الشعبية هي التي جعلت سقوط الأخير أمراً حتميا، فإن ذلك ما كان ليتم دون تعاون الجيش الذي أرغم البشير على الاستقالة بعد ثلاثة عقود من استيلائه على الحكم بانقلاب عسكري عام 1989 بمساندة الإسلاميين. وكانت مساهمة الجيشبالتالي، عاملا مهما، في معادلة مكنت من تسوية ظرفية تضمنت نقاط ضعف كثيرة يتعلق أهمها ببنود اتفاق التقاسم المؤقت للسلطة، الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس من خلال وساطة الاتحاد الأفريقي، وبدعم من المجتمع الدولي.

والواقع أن التحالف المؤقت بين الشارع والجيش الذي مكن من إسقاط البشير، تحول إلى معضلة جعلت المرحلة الانتقالية تراوح مكانها دون إمكانية رسم أفق ديموقراطي. والسبب أن الطرفين (الجيش وممثلي الثوار) بدا وكأنهما يمتلكان قوتين متوازيتين تمنع كل منهما الأخرى من التقدم. كما أظهرتا نفس الرغبة في ممارسة السلطة. انقلاب الجيش في أكتوبر الماضي على المكون المدني من السلطة لانتقالية شكل نقطة تحول في الصراع على السلطة في السودان. صحيفة "نويه تسوريختسايتونغ" الصادرة في سويسرا (25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) كتبت حينها بأن التكلفة "المرتبطة باستحواذ ا(الجيش على السلطة) ستكون كبيرة جدا. ومن المرجح أن يؤدي الانقلاب إلى مزيد من زعزعة الوضع السياسي في البلاد. كثير من السودانيين غاضبون ومعظمهم ليس لديهم ما يخسرونه. إنه مزيج متفجر".

استقالة حمدوك ـ دخول العملية الانتقالية نفق المجهول

أثارت استقالة عبد الله حمدوكمن منصبه كرئيس للحكومة ارتدادات وصلت تداعياتها للمستوى الدولي بعد سلسة من الخلافات مع المكونين العسكري والمدني في مجلس السيادة السوداني. ويذكر أن العلاقات المتوترة مع الجيش كانت انتهت باعتقال حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية. ففي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حل المشير عبد الفتاح البرهان كل المؤسسات واعتقل القادة المدنيين. مع تأكيده على "الانتقال إلى الحالة المدنية وانتخابات حرة عام 2023". وفي 11 من نوفمبر/ تشرين الثاني، عيّن مجلسا للسيادة استبعد منه ممثلي الكتلة التي تطالب بنقل السلطة إلى المدنيين. قبل أن يوقع اتفاقا مع عبد الله حمدوك الذي استعاد منصبه وحريته في التنقل، لكن المظاهرات ضد الجيش تواصلت إلى يومنا هذا.

وقال حمدوك في خطاب استقالته: "قرّرت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء، مفسحا المجال بذلك لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا.. والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية".

موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (الثالث من يناير/ كنون الثاني 2022) قال بشأن استقالة حمدوك "إنها النتيجة المحزنة لحامل أمل لم يتحقق: عبد الله حمدوك، رئيس حكومة السودان، يتنحى ويمهد الطريق. لكن لمن؟ لن يكون لممثل ليقيم الحرية والديمقراطية فالجيش يحكم قبضته على السودان (..) الحاكم الفعلي والوحيد هو قائد الجيش اللواء عبد الفتاح البرهان. أما حمدوك، الفاشل، فلم لم يعد في النهاية أكثر من ورقة توت حزينة، ذريعة ديمقراطية بدون أي سلطة في الدولة وبالتالي مجرد ألعوبة بيد الجيش".

الغرب يحذر جنرالات السودان بلهجة صارمة

حذرت الترويكا الغربية المعنية بالسودان والتي تضم لاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إضافة إلى بريطانيا والنرويج، جنرالات الجيش السوداني من مغبة تعيين أحادي الجانب لرئيس وزراء جديد بعد استقالة عبد الله حمدوك الممتعض من الهيمنة العسكرية على القرار السياسي. وقالت الترويكا إنها "لن تدعم رئيسا للوزراء أو حكومة تعيّن من دون مشاركة مجموعة واسعة من أصحاب الشأن المدنيين"، كما جاء في بيان مشترك. وعبرت القوى الموقعة على البيان على استمرار إيمانها بعملية الانتقال الديموقراطي في السودان، موجهة في الوقت ذاته تهديدا مبطنا لجنرالات الجيش في حال اختيارهم الابتعاد عن هذا المسار. واستطرد البيان موضحا بهذا الصدد "في غياب تقدّم، سننظر في تسريع الجهود لمحاسبة أولئك الذين يعرقلون العملية الديموقراطية"، داعيا إلى إجراء انتخابات، حدد موعدها وفق برنامج الانتقال الديموقراطي في أفق 2023، والذي ينص على بناء مؤسسات تشريعية وقضائية مستقلة. إن "أي تحرّك أحادي الجانب لتعيين رئيس وزراء جديد وحكومة من شأنه أن يقوض مصداقية تلك المؤسسات ويهدد بإغراق البلاد في نزاع".

 البيان دعا أصحاب القرار إلى "الالتزام بحوار فوري بقيادة سودانية يسهله المجتمع المدني لمعالجة تلك المسائل وغيرها من المسائل المرتبطة بالفترة الانتقالية". كما دعا البيان إلى "حماية حق الشعب السوداني في التجمع سلميا والتعبير عن مطالبه". من جهتها حذرت واشنطن من أنها تدرس "جميع الخيارات" المتاحة أمامها، في تلويح بإمكانية فرض عقوبات على المجلس العسكري الحاكم المتهم بقمع المدنيين وبهذا الشأن كتبت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية (الرابع من يناير 2022) "مرة أخرى تسفك الدماء في السودان ومرة أخرى يمارس القمع بوحشية من شأنها أن تطفئ نار التمرد لأي شعب. لكن ذلك لا ينطبق على السودانيين، الذين لم يتوقفوا أبدًا عن إظهار رفضهم للانقلابيين منذ 25 أكتوبر، يوم الانقلاب العسكري الذي قطع مسار التحول الديمقراطي في البلاد ودفعوا ثمنًا باهظًا: 63 قتيلًا ومئات الجرحى والآلاف من الاعتقالات".

المسمار الأخير في نعش الربيع العربي؟

بعدسقوط البشير، واصل جنرالات الجيش ممارسة السلطة السياسية، ناهيك عن سيطرتهم عن قطاعات واسعة من اقتصاد البلاد. على المستوى الدولي أدار الجيش السوداني عددا من الملفات من بينها الصراع مع إثيوبيا وحافظ على النظام في دارفور إضافة إلى إدارة الحوار بشأن ملف سد النهضة المثير الجدل وكذلك التطبيع مع إسرائيل والولايات المتحدة. من جهتها أظهرت القوى التي أفرزتها الثورة قدرة هائلة على توحيد صفوفها رغم اختلافاتها، واستطاعت كل مرة حشد الجماهير لدعم مساعي استعادة السودان لحكم مدني محض، بسحب الشرعية الشعبية من الجيش.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دير ستاندرد" النمساوية  (الخامس من يناير) "إن الأمر لا يتعلق بالسودان فحسب، بل أيضا بقضايا إقليمية وحتى جيوسياسية. ففشل التحول الديمقراطي في السودان سيكون أيضا مسمارا أخيرا في نعش ما كان يسمى الربيع العربي: فعام 2019 الذي أطاح بعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر وعمر البشير في السودان كان يفترض أن يشكل بداية مرحلة جديدة لا تتكرر فيها أخطاء 2011. غير أن هذا الأمل اندثر الآن".

إصرار السودانيين على قطف الثمار الكاملة للثورة

في آخر تحرك جماهيري نزل آلاف السودانيين الى الشوارع مرة أخرى (الثلاثاء الرابع من يناير، جاء ذلك بعد يومين من استقالة حمدوك) احتجاجا على انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، فيما انتشرت قوات الأمن بكثافة في الخرطوم والمدن المجاورة. وهذه المرة  أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على المتظاهرين لإبعادهم من قصر الرئاسة في وسط الخرطوم  كما  تجمع عشرات المتظاهرين كذلك في ضاحية أم درمان بعد انتشار دعوات في نفس اليوم إلى التظاهر والتوجه في مسيرة إلى القصر الرئاسي بوسط الخرطوم "حتى يتحقق النصر".

ولم تقتصر الاحتجاجات على العاصمة بل شملت أيضا عدة مناطق أخرى كمدينة بورتسودان أكبر المدن شرق البلاد على البحر الأحمر. ويصر المتظاهرون على المطالبة بحكم مدني ديموقراطي خصوصا بعد تصاعد استعمال القوة من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين بشكل أدى إلى سقوط عشرات القتلى، كما تعرضت 13 امرأة على الأقل لحوادث اغتصاب. وبشأن هذه الاحتجاجات كتبت صحيفة "دي فولكسكرانت" الهولندية (الرابع من يناير) بشأن الاستقالة: "اتهم المتظاهرون حمدوك بإضفاء الشرعية على أناس لا يمكن الوثوق بهم  بقراره العمل مرة أخرى مع الجيش بعد انقلاب أكتوبر الماضي. أصبع الاتهام موجهة لقوات الدعم السريع سيئة السمعة، وهي قوة شبه عسكرية شاركت في الإبادة الجماعية في منطقة دارفور وتشارك الآن في إطلاق النار على المواطنين الذين يطالبون بالديمقراطية".

"دويتشه فيله" في نسختها الألمانية (الرابع من يناير) استشهدت برأي تيودور مورفي، خبير الشؤون السياسية من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والذي اعتبر أنه من غير المرجح أن تتمكن حكومة مدنية بحتة من ترسيخ وجودها في السودان. "لا أعتقد أن المجتمع الدولي يعتقد أن مثل هذا المطلب واقعي. ولذلك فمن المرجح أن يدفع باتجاه إعادة الشراكة الأصلية بين العسكريين والمدنيين، وكذلك لمنع الجيش من استغلال استقالة حمدوك لاستكمال الانقلاب ".

لجنة إزالة التمكين في قلب الصراع على السلطة

لجنة تعتبر من أهم أدوات إدارة المرحلة الانتقالية لكنها تحولت إلى معضلة ترغم العملية السياسية برمتها على المراوحة بدل التقدم. الثوار يعتبرونها أيقونة نضالهم وأهم إنجازات الثورة لأنها تهدف إلى تفكيك بقايا نظام البشير، فيما ترى فيه الجهة الأخرى أداة لتصفية الحسابات ومطاردة الساحرات. ومساسها بمصالح الجيش ولا سيما قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي". وما فتئت السلطة المدنية تعلن رغبتها في استعادة السيطرة على أركان الجيش والاستخبارات ودمج الثوار في الهيئات الأمنية، إضافة إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي وهو ما واجه معارضة شديدة من قبل كبار ضباط الجيش. وهكذا تعرضت لجنة التمكين لعدد من المضايقات منها تعرض مقارها لعمليات نهب وإتلاف على يد جماعات مجهولة. غير أن اللجنة تتهم في ذلك "المتآمرين على مكتسبات الثورة". كما أن سيطرة الجيش والجماعات شبه العسكرية على عدد من القطاعات الاقتصادية يزيد الوضع تعقيدا، خصوصا بالنظر لصلاحيات التدقيق التي منحتها لنفسها بشأن العملية الانتقالية ما أدى إلى تقويض المشهد السياسي وفقدان السودانيين الثقة في العملية برمتها.

ومن الصلاحيات التي منحت للجنة هناك مصادرة حصر ورصد أي ممتلكات لصالح الحكومة أو تحديد طريقة التصرف فيها. ومن أهم قراراتها حل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة ممتلكاته لصالح الدولة والمتابعة القانونية في الفساد المالي والإداري في الحزب. وأكدت اللجنة أنها أعادت حوالي مليار وأربعمائة مليون دولار للدولة السودانية من أصول غير مشروعة من بينها شركات وفنادق وأراضي زراعية وغيرها. وتحظى الإطلالات الإعلامية للجنة بمتابعة جماهرية واسعة، غير أنها باتت تهدد المصالح الاقتصادية المباشرة للجيش. صحيفة تاغستسايتونغ" الألمانية (الثالث من يناير) كتبت معلقة "بات الجيش مرة أخرى ينفرد بالسلطة لوحده في السودان. رئيس الوزراء المدني المؤقت عبد الله حمدوك المستقيل  لم يعد يمتلك في الأسابيع القليلة الماضية ما يمكن أن يواجه به الجنرالات الحاكمين الفعلين في دائرة الرئيس المؤقت عبد الفتاح البرهان".

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات