1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الدين والدولة في ألمانيا: فصل نسبي وتأثير غير مباشر للكنيسة

دويتشه فيلّه٢ أبريل ٢٠٠٦

يعد الفصل بين الدين والدولة أحد أهم الركائز الأساسية للنظام السياسي الألماني. ورغم الفصل بينهما، إلا أن الكنيسة تلعب دوراً غير مباشر في صياغة القرار السياسي عبر تأثيرها على الأحزاب السياسية وتوجهات الرأي العام.

https://p.dw.com/p/8BOl
الدستور الألمانيصورة من: dpa - Fotoreport

ساهم التطور السياسي والاجتماعي في تحديد طبيعة علاقة الدين بالدولة في عصرنا الحالي. ومع مرور الوقت تبلورت في معظم الدول الأوروبية نظماً سياسية ترتكز على قيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق المواطن، والتي غالبا ما اصطدمت بسلطة الكنيسة التي حاولت دائما لعب دور مهيمن في منظومة صناعة القرار السياسي. وفي الوقت الذي تمكنت بعض الدول في أوروبا من أن تمضى قدماً نحو تثبيت مبادئ الديمقراطية المرتكزة على الفصل التام بين الدولة والدين كما هو الحال في فرنسا، نجد دولاً أخرى لا تزال تسير بخطى وئيدة من أجل جعل السلطة الدينية بعيدة عن الصلاحيات السياسية. وفيما يتعلق بألمانيا فإن الدستور ينظم العلاقة بين الدين والعمل السياسي بشكل غير صارم مما يفتح مجالاً للجدل حامي الوطيس على المستوى الأخلاقي والاجتماعي الذي طالما تكون الكنيسة طرفاً رئيسيا فيه.

الدين والدولة في ألمانيا

Herbstvollversammlung Deutsche Bischofskonferenz
اجتماع أساقفة ألمانياصورة من: dpa

تشكل ألمانيا مثالاً وسطياً للعلاقة المثيرة للجدل بين الدين والدولة. الدستور الألماني المعادي للفاشية والقائم علي ضمان الحرية والديمقراطية يتعاطى بصورة متوازنة مع دور الديانة المسيحية كمرجعية قيمية وأخلاقية، إلا انه يرفض التدخل المباشر للمؤسسات الدينية في العملية السياسية الألمانية. تأثير الدين غير المباشر على السياسة الألمانية يمر عبر الدور الذي يلعبه الدين في عملية اتخاذ القرار السياسي. فممثلو الكنائس على سبيل المثال يحاولون من داخل المنظومة الحزبية إقناع الأحزاب القريبة منهم فكرياً وسياسياً بتبني تصوراتهم، لأن الدستور الألماني يضمن للأحزاب السياسية الأولوية العليا في "صياغة إرادة الشعب". كما أنه يمكن للقوى الدينية كونها جزءاً من قوى المجتمع المدني التأثير على الرأي العام ودفعه إلى تأييد موقف معين مما يضمن لهذه القوى تأثيراً فاعلاً على العملية السياسية الديمقراطية.

وللكنيسة في ألمانيا من السلطات الرمزية والمادية ما يجعلها في بعض الأحيان تتدخل في أمور عديدة تهم الرأي العام. وإن اضطرت الكنيسة الكاثوليكية إلى وقف حملتها حول دور المرأة في المجتمع، نجدها بالمقابل لا تزال تقحم نفسها في قضايا مهمة كالإجهاض و إشكالية التعامل مع المثليين الجنسيين، كما أنها لا زالت تشرف مباشرة على عدد من القطاعات الحيوية كالمستشفيات ورياض الأطفال. وهناك أيضا شكل آخر من تشابك العلاقة بين الدولة والدين، إذ تعمل مصالح وزارة المالية على خصم ضرائب مباشرة من مرتبات العاملين المنتمين للمذهبين الكاثوليكي والبروتسانتي لصالح الكنيسة، كما تعد الكنيسة أحد أهم أرباب العمل في ألمانيا، وذلك من خلال إشرافها على قطاع واسع من الخدمات الاجتماعية.

تراجع دور الدين

Gott sei Dank für die Einheit
للدين تأثير جلي على الرأي العامصورة من: AP

تتبنى معظم الدول الأوروبية مبدأ فصل الدين عن الدولة، وإن كان ذلك بشكل متباين حسب التطور الاجتماعي الذي شهدته كل دولة على حدا. وتعد فرنسا من أولى الدول، التي ينص دستورها صراحة على مبدأ الفصل بين الدين والدولة، وذلك منذ سنة 1905، حيث أنهى هذا الدستور عقوداً من الصراع الثقافي في فرنسا. وأصبح الفصل بين الدين والدولة بمثابة حجر الأساس، الذي تقوم عليه "اللائكية" الفرنسية. ولقد كانت اللائكية الفرنسية نموذجاً يحتذى به في بداية ومنتصف القرن المنصرم لبعض الدول كتركيا وتونس، غير أن ألمانيا هي الأخرى شهدت أحداثا كان هدفها الحد من سلطة الكنيسة. في هذا السياق يرى المؤرخ الألماني ميشائيل باسه، المهتم بقضايا الدين أن المحاولات الأولى لألمانيا للتحرر من سلطة الكنيسة بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن أنصار الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية تحركوا بقوة آنذاك ضد فصل الدين عن الدولة، خصوصاً ضد منع تدريس الديانة المسيحية في المدارس. وحتى اليوم مازالت التربية الدينية تدرس كمادة اختيارية في المدارس الألمانية وتخضع مباشرة لسلطة الكنيسة من حيث المواضيع والمناهج الدراسية.

المهاجرون المسلمون في ألمانيا

Unterricht türkische Schülerinnen mit Kopftuch im Schulzentrum in Bremen
حصة التربية الإسلامية في أحد المدارس الألمانيةصورة من: AP

وأدى تزايد أعداد المهاجرين المسلمين في ألمانيا (3 مليون نسمة) إلى مطالبة عدد من المهتمين بقضايا الهجرة بضرورة اعتماد الدين الإسلامي كبوابة أساسية لاندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، وهكذا تم البدء في تدريس التربية الدينية الإسلامية في المدارس الألمانية على سبيل التجربة. وقامت الكنيسة في ألمانيا بجهود كبيرة لكي يحصل أبناء المهاجرين المسلمين على حق تعلم مبادئ الدين الإسلامي، مما جعل عدداً من المراقبين يتساءلون عن حقيقة موقف الكنيسة من الديانات الأخرى. وذهب البعض إلى أن هذه الجهود ما هي في الحقيقة إلا دفاع عن دروس التربية الدينية المسيحية، التي تشرف الكنيسة عليها في المدارس الألمانية، حيث أن الإقبال عن هذه الدروس يشهد في الآونة الأخيرة تراجعاً كبيراً، خصوصا أن ارتباط الألمان بالدين عموماً والكنيسة على وجه الخصوص لم يعد كما كان في الماضي، إذ يصل عدد الألمان المنتمين للكنيسة سواء الكاثوليكية أو البروتستانتية حوالي 60 بالمائة، أما أولئك الذين لا ينتمون لأي جماعة دينية فيشكلون حوالي 30 بالمائة من المواطنين الألمان.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات