1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

استمرار احتجاجات الجياع.. قد يحيل الشتاء ربيعاً سودانياً!

ملهم الملائكة
٢١ ديسمبر ٢٠١٨

لأول وهلة يتخيل مراقب المشهد السوداني أنه يتابع مناظر مستعادة من الربيع العربي، لاسيما أنّ الاحتجاجات التي بدأت عفوية، تحاول أحزاب المعارضة السودانية اللحاق بها، ما يترك جبهة الرئيس السوداني منكشفة أمام شعب يريد الخبز.

https://p.dw.com/p/3AVPS
Proteste im Sudan
صورة من: Reuters/E. T. Siddig

أجمعت مصادر متباينة على ارتفاع أعداد ضحايا حراك السودان الذي رافقته أعمال عنف وتخريب للممتلكات العامة، رغم أنّ الخرطوم شهدت حالة هدوء نسبية صبيحة (الجمعة 21 كانون الأول/ ديسمبر 2018). إلا أن الاحتجاجات تجددت بعد صلاة الجمعة في عدة مناطق في العاصمة ومدن أخرى.

حتى الآن تطالب المدن السودانية بالخبز الذي ارتفعت أسعاره لضعفين وباتت صفوف الانتظار أمام المخابز تتطاول لساعات متصلة منذ ثلاثة أسابيع. وطبقا لتقديرات حكومية، يستهلك السودان 2,5 مليون طناً من القمح سنوياً ينتج منها 40 بالمائة، ويستورد الباقي. وهكذا فقد رفعت السلطات سعر رغيف الخبز من جنيه إلى 3 جنيهات، والبعض يقول إنه ارتفع بسبب السوق السوداء إلى خمسة جنيهات.

يأتي هذا في وقت، أغلقت فيه الدولة أغلب المصارف، وباتت صفوف المراجعين تمتد لساعات للحصول على مبلغ زهيد من ودائعهم أو رواتبهم، ما فسره البعض بأنّه نقص حاد في العملة المحلية، بينما يعاني البنك المركزي السوداني من نقص في العملات الأجنبية الأمر الذي جعله يخفض قيمة الجنيه السوداني خلال 2018 أربع مرات فبات سعر الدولار الرسمي 47,5 جنيهاً وفي السوق غير الرسمية يصل إلى 60 جنيهاً، لكنّ المشكلة التي تواجه ذوي الدخل المحدود والمتوسط اليوم هي غياب السيولة.

Suadan Präsident Omar Al Bashir
الرئيس حسن البشير، رئيس السودان لثلاثة عقودصورة من: Reuters/M. Abdallah

وحسب صحيفة "سودان تربيون" فقد توقفت وسائل التواصل الاجتماعي عن العمل في السودان بشكل مفاجئ ليلة الخميس، وواجه مشتركو شركة "زين" للهاتف على الأخص صعوبات بالغة في خدمات التراسل الفوري على أجهزة الهواتف المحمولة. DW عربية حاولت عبثاً الوصول إلى مصادر الأخبار الرسمية وغير الرسمية في السودان، حيث أن شبكات الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي لا تعمل، رغم أن بعض المواقع ومنها "السودان اليوم"، و"راكوبة" و"أخبار السودان" ما زالت تحدّث أخبارها لكن من غير الواضح أين (جغرافياً) تعمل تلك المواقع. 

السودان شهد احتجاجات في أواخر عام 2016 بعد أن قامت الحكومة بتخفيض دعم الوقود، وسبقها في أيلول/ سبتمبر 2013 حراك آخر شهد اشتباكات كبرى عنيفة، وقتل في الموجهات أعداد كبيرة من المحتجين وجرح عدد كبير منهم، وحاولت الحكومة التعتيم عليه.

وباعتبارها متخصصة بالشأن الأفريقي، حاورت DW عربية الصحفية أسماء الحسيني نائبة رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية الصادرة في القاهرة لاستبيان حقيقة ما يجري في السودان فقالت "ما يجري هو ذروة تراكمات تمت على مدى 30 عاما من حكم الجبهة الإسلامية السودانية وحكم الرئيس السوداني عمر البشير، وبدأت الأحداث في عطبرة ثم انتقلت إلى كل الولايات والمدن السودانية بسبب ارتفاع سعر رغيف الخبز من جنيه واحد إلى 3 جنيهات، وشمل الغلاء باقي السلع كالبنزين".

وتفاقم وضع السودان الاقتصادي على وجه الخصوص بشكل ملحوظ بعد انفصال جنوبه الذي شكل دولة جنوب السودان التي تملك أغلب حقول النفط في البلدين، وقدّرت الصحفية المصرية الحسيني ما تبقى للسودان بربع حقول البترول التي كانت عنده والأنكى من ذلك أن بترول جنوب السودان الذي كان مقررا أن يتدفق عبر أراضي السودان، قد توقف بسبب مشكلات وحروب الجنوب الداخلية.

Proteste im Sudan
التظاهرات خلفت حريقا في سوق بعطبرة بالسودانصورة من: Reuters/E. T. Siddig

و تخوض حكومة الجبهة الإسلامية بقيادة البشير حروباً محلية على عدة جبهات، ففي دارفور حراك مسلح، وكذلك في جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وتقول الصحفية أسماء الحسيني بهذا السياق "بعد انفصال الجنوب أصبح هناك جنوب آخر، ويلتهم الانتشار العسكري الكبير (في مناطق الصراع) موارد الدولة، وتحاول الحكومة عقد مساومات باختلاق مناصب وهمية لتشغيل كثير من المعترضين الهامشيين ما خلق تضخماً غير عادي في الهيكل الإداري للدولة" .

من جانبه، قال النائب البرلماني مبارك النور الخميس لـوكالة الأنباء الألمانية إنّ طالبين قتلا، أما على المستوى الرسمي، فقد اعترف وزير الإعلام السوداني عثمان محمد بلال، باستخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، مشيرا إلى أنه قد سمع تقارير عن وقوع وفيات، لكنه لم يستطع أن يحدد عددا وقال بلال: "لقد تحولت الاحتجاجات إلى عنف والمحتجون يدمرون ممتلكات المدنيين".

 وطبقا لموقع السودان اليوم فقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في السودان عن وقوفها صفاً واحداً مع المواطن، مشددة على أنها ترفض رفضاً باتاً ما وصفته بأحداث التخريب والاعتداء على الأرواح والممتلكات، مضيفة: "نقول لمواطنينا الأوفياء: عبّروا عن غضبكم دون أن تدمروا بلدكم".

من جانبه قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان علي جاويش، في بيان صدر عنه مساء الخميس، "في الجانب السياسي، فقد اجتمع نفر كريم من أبناء الوطن فيما سُمى بالحوار الوطني، وقدم المجتمعون خلاصة أفكارهم لخروج البلاد من النفق المظلم الذي تقبع فيه. ومضى إلى القول" وبالرغم من الخلافات حول بعض القضايا، التي لم يحدث فيها إجماع، إلا أن ما تحقق كان كفيلا بإحداث اختراق إذا ما صدقت النوايا".

وهو ما يشي بأن الأحزاب السياسية قد انضمت الى موجة التظاهرات والاحتجاجات، ويبدو أنّ الحراك السوداني هذه المرة يمتد على رقعة جغرافية كبيرة وقد أنطلق بشكل "عفوي شعبي يعبر عن معاناة المواطنين، لكنّ الأحزاب جميعها انضمت إليه، حزب الأمة، والحزب الاتحادي وأحزاب أخرى عديدة انحازت إلى الجماهير، ودعت جماهيرها إلى النزول إلى الشارع والاصطفاف إلى جانب المتظاهرين السلميين" كما قالت الصحفية أسماء الحسيني نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية وعزت ذلك إلى جملة أسباب كما أسلفنا منها أيضاً أن سياسة الحكومة قد أذلت الشعب السوداني، "وتزامن ذلك مع إعلان الرئيس البشير عزمه الترشح للرئاسة عام 2020 وهو ما يعني استمرار حالة الفشل الحالية".

Sudan Wahl 2015 | Sicherheitskräfte in Khartoum
قوات الأمن السودانية (صورة من الأرشيف)صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Elshamy

من جانبٍ آخر، عاد فجأة إلى السودان رئيس الوزراء الأسبق والسياسي السوداني البارز، الصادق المهدي، نافياً تسلمه أي رسائل طمأنة من جانب النظام أو أي قوى دولية أو إقليمية قبيل عودته في ساعة متأخر من ليلة الأربعاء الماضي.

وحسب وكالة الأنباء الألمانية، فإنّ المهدي سارع فور عودته بمطالبة المشاركين بالاحتجاجات بممارسة ضبط النفس، وعدم اللجوء للتخريب، والاحتجاج السلمي، كما دعا الآلاف من أنصاره الذين تجمعوا لاستقباله في أم درمان، إلى تكوين حكومة انتقالية، ورئاسة توافقية، بهدف الوصول لمخرج آمن للوطن .

وعوداً على ذي بدأ، يخال من ينظر إلى المشهد السوداني أنّ ربيعاً سودانياً هذه المرة في الطريق، لكنّ الصحفية الحسيني تحفظت على هذا الوصف بالقول "لا أسميه ربيعاً سودانياً لأنّ الربيع العربي تسمية لحق بها التشويه"، وعادت لتضع العقدة في المنشار بقولها "أتمنى أنّ يضم المشهد القادم للسودان كل القوى دون إقصاء أحد حتى الإسلاميين منهم. على السودانيين التعلم من تجارب الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس وغيرها".

ملهم الملائكة

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد