1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط أدت إلى عزلتها وتراجع نفوذها

دويتشه فيله/ هشام العدم٢١ يوليو ٢٠٠٦

الموقف الأمريكي إزاء لبنان يثير تساؤلا فيما إذا كانت هناك استراتيجية أمريكية للتعاطي مع هذه الحرب أم أن واشنطن آثرت الانعزال في دلالة على ضعف نفوذها في المنطقة ؟ موقعنا يلقي الضوء على ذلك، مستعينا بآراء الخبراء.

https://p.dw.com/p/8pty
الى متى الانتظار...صورة من: AP

تمثل الحرب التي تدور رحاها بين إسرائيل وحزب الله نقطة تحول رئيسة في إطار إعادة صياغة ملامح خريطة الشرق الأوسط التي تشهد تقاطعات دولية متشعبة. ففي هذا السياق، ثمة سيناريوهات ومتغيرات بنيوية خطيرة شهدتها المنطقة. فالعراق تحول إلى ساحة للعنف الطائفي ومسرحا لعمليات القتل اليومي، متزامنا مع تدهور العملية السلمية في الشرق الأوسط. وكذلك أزمة المشروع النووي الإيراني التي قد تدفع بالمنطقة إلى مرحلة الأسئلة الكبرى والاستحقاقات الأصعب. وفي ظل هذه المواجهة المفتوحة في لبنان ذات الدلالة الاستراتيجية والرمزية في محاولة لتحقيق كل طرف مبتغاه ، يتساءل المرء عن دور أمريكا واستراتيجيتها في التعاطي مع هذه الحرب .

إنّ نظرة فاحصة إلى موقف الولايات المتحدة تؤكد بأن القوة العظمى الوحيدة في العالم ليست معنية على ما يبدو بإنهاء العمليات العسكرية ومساعدة الحكومة اللبنانية الصديقة لواشنطن. وتتجلى مظاهر الانكفاء الأمريكي في رفض وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الدعوة الى وقف فوري لإطلاق النار وقولها أنّ ذلك لن يتم إلا عندما تصبح الظروف مواتية. وعلاوة على ذلك، تحفظها على مشروع إرسال قوة دولية لإحلال الاستقرار في جنوب لبنان. وفي تحليلها للدور الأمريكي، رأت صحيفة "كريستشن ساينس مونيتور "أن هذا الانكفاء للدبلوماسية الأمريكية، التي قررت تخفيف اهتمامها بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وتكريس نفسها للملف النووي الإيراني والتدخل في العراق وأفغانستان، يظهر تراجعا للنفوذ الاميركي في المنطقة وقد يترك ذلك تأثيرا خطيرا." وأضافت الصحيفة إلى أن "التجارب تظهر انه إذا كانت هناك دولة قادرة على التأثير في الشرق الأوسط فهي الولايات المتحدة. لكن نفوذها كان دائما يضعف كلما اعتمدت موقفا مختلفا بوضوح عن مواقف شركائها الدوليين". السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل سيفسح هذا الانكفاء والتراجع المجال أمام قوى دولية أخرى لتأخذ دورها في المنطقة كالاتحاد الأوروبي وروسيا مثلا؟

شحة أوراق الضغط الأمريكية

Präsident George W. Bush äußert sich zu dem Konflikt im Nahen Osten
الدعم التام لإسرائيل يحد من نفوذ أمريكا في المنطقةصورة من: AP

التصريحات المتكررة للرئيس بوش أشارت دوما إلى أنه لم يحن الوقت بعد للتدخل الأمريكي. والإجراء الوحيد الذي تم اتخاذه هو التفكير في إرسال وزيرة الخارجية كوندليزا رايس إلى المنطقة. لكن هذا لن يحدث الا في وقت قريب، ربما الاسبوع القادم، أي بعد أسبوعين من بدء المعارك. ولكن نظرا لأن واشنطن لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران ولها اتصالات بالحد الأدنى مع سوريا ورفضها التفاوض مع حزب الله أو حركة حماس اللتين تصنفهما كمنظمتين إرهابيتين سيقلل هذا من هامش التأثير على هذه القوى وسيترك هامشا ضيقا أمام مهمة رايس في الشرق الأوسط. ولعل أمريكا لا تريد الانخراط المباشر في هذه اللحظة على الأقل حتى لا تعطي دورا كبيرا لسوريا باعتبارها مفتاح الحل للأزمة وهو أمر ستطلب مقابله سوريا ثمنا سياسيا قد لا تكون الإدارة الأمريكية مستعدة لدفعه الآن، وكذلك ما يترتب على ذلك من عواقب على صعيد الملف النووي الإيراني.

سياسة " لننتظر ونرى"

وفي مؤشر آخر على تراجع نفوذ واشنطن في المنطقة، رأى متحدثان باسم الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية ردا على أسئلة لشبكة "سي ان ان" ان زيارة رايس "سابقة لأوانها". وفي معرض تعليقه على الدور الأمريكي، يرى مارتن انديك، المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركي والباحث في معهد "بروكينغز" ان الإدارة الاميركية السابقة كانت تملك وسائل ضغط على الأطراف في الشرق الأوسط بشكل أكبر. وأضاف خلال مشاركته في لقاء في معهد "بروكينغز" إن سبب ذلك في حينه هي مفاوضات السلام بين إسرائيل وسوريا، الأمر الذي كان يتيح وجود قناة اتصال، حسب رأيه. وعوضا عن هذا التواصل المباشر فضلت أمريكا فتح قنوات التأثير على سوريا وحزب الله عن طريق حلفائها في المنطقة وهم السعودية ومصر، في مؤشر جديد على الاستراتيجية الاميركية بشان حل النزاع بين حزب الله وإسرائيل. وقال شون ماكورماك المتحدث باسم وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس إنّ "دولا مهمة مثل السعودية ومصر والأردن ستلعب دورا أساسيا في حل الأزمة"، مضيفا في الوقت ذاته، "لكننا لا نرغب في تكرار وقف لإطلاق النار يسمح لحزب الله بإعادة تجميع قواه وإعادة التسلح وأن يصبح أقوى ليمثل تهديدا اكبر على استقرار المنطقة".

مزيد من الوقت لإسرائيل

Condoleezza Rice in Libanon
رايس تفضل التوجه إلى الدول العربية الحليفة لحل النزاع على التواصل مع حزب اللهصورة من: AP

من ناحية أخرى يرى العديد من المحللين بأنّ هذا التراجع قد يكون لإعطاء إسرائيل الفرصة الكافية لشن مزيد من الهجمات ضد حزب الله دون النظر إلى الثمن الذي سيدفعه المدنيون جراء الغارات الجوية الإسرائيلية أو قصف حزب الله لبعض المدن الإسرائيلية وبالتالي شل قدراته العسكرية، قبل الانطلاق إلى مرحلة المفاوضات ووقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية الجديدة.

وفي ضوء هذا التراجع في الانخراط المباشر في تهدئة الأمور في لبنان وخلافا للموقف الأمريكي، فقد ضاعفت الأسرة الدولية مبادراتها بهدف التوصل الى وقف لإطلاق، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة أطراف النزاع في لبنان الى وقف الأعمال العسكرية للسماح بتشكيل قوة فصل دولية وعقد مؤتمر دولي ونشر قوة لحفظ السلام. وكذلك أدان استهداف حزب الله للتجمعات السكانية الإسرائيلية والاستخدام غير المتكافىء للقوة والعقاب الجماعي للشعب اللبناني. ومن الملاحظ أيضا أن الولايات المتحدة أبطلت مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار وكذلك بدت ليس منفتحة كثيرا على مقترحات أنان لوقف الحرب الدائرة في لبنان.

وصفوة القول، الموقف الأمريكي ربما سيدفع بمزيد من عزلتها في المنطقة ويزيد من كراهيتها بين الشعوب العربية والإسلامية. ولكن يبقى الدور الأمريكي على تحفظه مهما جدا لإعادة الأمور على الأقل إلى مربعها الأول. الدرس المستقى من الوضع الحالي هو أن أمريكا بحاجة إلى دعم أطراف لا ترغب ان تتعامل معها وهي سوريا وايران، كما تثبت أن العالم دائما وابدا بحاجة ماسة اليها .