1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ابراهيم الكوني: السلطة معشوقة لا تترك عشاقها إلا أمواتا

١٨ أكتوبر ٢٠١١

دعي الروائي الليبي ابراهيم الكوني إلى مدينة كولونيا للمشاركة في أمسية حول روايته "الورم"، التي ترجمت إلى الألمانية واعتبرت نبوءة لما تشهده ليبيا حاليا. دويتشه فيله التقت الروائي الليبي الكبير وأجرت معه الحوار التالي:

https://p.dw.com/p/12rWc
ابراهيم الكوني يقرأ في كولونيا من رواية الورمصورة من: DW/C. Debrabandere

دويتشه فيله: أستاذ ابراهيم حضورك إلى ألمانيا يأتي للمشاركة في أمسية حول روايتك المترجمة للألمانية "ورم"، فما هو شعورك وأنت تستمع إلى كلماتها بلغة أخرى وفي عالم آخر؟

ابراهيم الكوني: شعوري هو شعور إنسان يستطيع أن يرى رسالته وهي تدب على قدمين وتتواصل مع الآخر، مع ثقافة الآخر. أن نسمع صوتنا بلغة أخرى هو بحد ذاته ثراء. هذا يعني أننا نستعير بهذا الصوت هوية أخرى، وهذا بحد ذاته ثراء وفوز بكنوز.

كيف وقع الاختيار على رواية الورم لتكون بين أعمالك التي تنقل إلى الألمانية؟ هل تم التشاور معك مسبقا؟

بطبيعة الحال التشاور دائما موجود لكن الكلمة الأخيرة ترجع إلى دور النشر ولمستشاريها في اللغة العربية. ودور النشر لا تنشر الأدب لأنه مجرد أدب جيد، لكنها تنشره بمقاييس السوق أيضا. بمعنى أن السياسة تلقي بظلها الثقيل دائما حتى على الحياة الثقافية، أو على الآداب الجادة، وهذه مأساة في الواقع. فدور النشر في العالم لا تلتفت لأدب لم يمس بشكل أو بآخر عصب الحياة الدنيوية المعاصرة والآنية، أقصد الأحداث السياسية، وهذه كارثة في الثقافة المعاصرة. من هنا نجد شيئا مبتذلا اسمه الكتاب الأكثر مبيعا أو البست سيللر، وهناك كتاب الأدب الجاد الذي يبقى للتاريخ، لا يُقرأ في وقته، لكنه يقرأ بعد مرور الزمان، أقصد أن قدر الأدب الجاد هو الاغتراب عن زمنه.

العنوان الذي اختير للترجمة هو Herrscherkleid أي ثوب الحاكم، فهل يعكس فعلا ما أردت قوله في هذه الرواية؟

اختيار هذا العنوان يعكس عمل دور النشر، هذا حدث بدون مشورتي، هذا عنوان مباشر. العنوان الأصلي هو الورم، الورم بهويته الخبيثة، لأن السلطة في كل الثقافات وفي كل الديانات وفي كل المعتقدات منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم هي ورم، ورم لأنها خطيئة، والخطيئة، كما نعلم، عمل لا أخلاقي، لذلك فإن ثمنها دائما باهظ. وفي الحقيقة كان لي دائما مشكلة مع دور النشر في أوروبا، لأنها تحاول أن تختار عنوانا للتسويق وليس عنوانا استعاريا. فالأدب هو لغة استعارة، رموز، وإخضاعه لمقاييس السوق هو ابتذال له وحط من شأنه. لقد قلت لهم مرارا إن كلمة ورم أو مبدأ الورمية هو لغز العالم، والناس تبحث عن الألغاز تبحث عن كتاب يفسر لهم أخطر لغز يهدد الحياة البشرية.

Elisabeth Hartmann bei der Lesung von Ibrahim al-Koni in Köln
الصحفية والمذيعة إليزابيت هارتمان تقرأ من الترجمة الألمانية للروايةصورة من: DW/C. Debrabandere

ما هي الفكرة الرئيسية التي دفعتك في الأصل لتأليف رواية الورم بالذات؟

نحن أمة تتعامل بالاستعارات، نحن لا نتعامل مع الواقع كواقع، إنما نتعامل مع ظلال الواقع، مع روح الواقع، هذه هي قوانين الأدب منذ خُلق الأدب. هذا يعني أننا عندما نكتب عن الطغيان يجب أن نكتب عنه بروح الأدب، التي هي روح استعارية وليس استعارة الخطاب السياسي المباشر، كما يفعل الكثيرون. هذا هو الفرق بين الأدب الحقيقي وبين أدب السلعة. هذه الرواية التي كتبت منذ أربع أو خمس سنوات اعُتبرت في أوروبا الناطقة بالألمانية نبوءة لما يحدث الآن في العالم العربي.

هل تجد في مصير بطل القصة أساني انعكاسا لمصير الطغاة العرب الآن؟

هذه الرواية لم تجد في العالم العربي النجاح الذي وجدته في أوروبا، لأنها خاضعة للمقاييس الكلاسيكية للأدب. يعني أننا عندما نتحدث عن الطغيان نتحدث عنه بالمستوى الاستعاري، بمستوى الأسطورة. هذه هي أسطورة الحاكم المستبد، الطاغية الذي يتماهى مع السلطة تماهيا لا سبيل لانتزاعها منه إلا بانتزاع روحه منه. بمعنى أنه لابد من قتله كي يتخلى عنها. أقصد أن السلطة هي بالنسبة إلى هؤلاء هي تلك المعشوقة التي لا تترك عشاقها إلا أمواتا.

هل هذه الرؤية موجهة إلى الحكام بالذات أم تقصد الإنسان بشكل عام؟

هي ذات معنى أشمل، هي تعبير عن الطغيان، ولها علاقة أيضا بطبيعة السلطة اللئيمة التي تستحوذ على الإنسان، على روح الإنسان، فيتماهى معها الإنسان ويصبح أداة بيدها هي وليس العكس. السلطة تنين مخيف، رهيب، ومارد في غاية الجبروت. يجب معاملتها كعدو، بمعنى أن لها طبيعة لئيمة بحيث أنها تستطيع أن تزًور حتى أقدس القديسين فيما إذا ارتضى وقبلها. هذا يعني أنها لا تنطبق على الطغاة فحسب، بل على كل مريد سلطة لأنها هي بطبيعتها لا أخلاقية، بطبيعتها هي خطيئة، لأنها محاولة الاستحواذ على العالم. ومحاولة الاستحواذ على العالم لعنة لا تختلف عن لعنة الطرد من الفردوس.

والمأساة أين هي المأساة؟ أين يكمن الداء؟ إنه يكمن في أن طبيعة الإنسان كلها سلطة. الحاكم دائما يتوهم أنه يستطيع أن يستحوذ على العالم، أن يستحوذ على أرواح الناس، وهذا بالطبع شرك بالمعنى الديني. وهذا هو الكفر، لأنه محاولة لاستلاب صلاحيات الرب على الأرض وهي قضية في غاية الخطورة. هذا هو عصب الرواية. عصب الرواية يقول إن من يحاول أن يستحوذ على مصائر الناس ويمتلك العالم يضع نفسه في واقع الأمر في مرتبة الرب وينتزع من الرب صلاحياته، والرب بطبيعة الحال لا يسمح بذلك ولهذا نهاية الطغاة دائما نهاية مأساوية.

أسماء الأبطال غريبة عجيبة أساروف، أساني، إيدينان، أسان، إيزير، فما هو سر اختيارك لمثل هذه الأسماء؟

Ibrahim al-Koni in Köln
الكوني يوقع روايته الصادرة بالألمانيةصورة من: DW/C. Debrabandere

أنا إنسان أحمل هوية الأمازيغ، هوية الطوارق، وهذه كلمات أمازيغية، ولها كلها معان. أساروف معناها الغفران، وأساني معناها الكافر وهو بطل الرواية، وإيسان يعني العارف، إيدينان اسم جبل مسكون بالجن في أساطير الطوارق في قلب الصحراء الكبرى، إيزير بمعنى السند أو القوة. كلها أسماء ذات معان دينية ورمزية عميقة. لقد كتبت عن لغة الطوارق وعن تاثيرها في العالم سبعة مجلدات صدرت قبل اثني عشر عاما.

هل يخطط الكوني لرواية جديدة عن التحولات التي تشهدها ليبيا والمنطقة العربية بشكل عام؟

صدرت لي منذ أيام رواية جديدة في دبي. وهي الرواية الأخيرة من ست روايات عن تاريخ ليبيا خلال 125 سنة. وما أشبه الليلة بالبارحة. ما حصل في ذلك التاريخ هو الذي يحصل في ليبيا اليوم. التاريخ يعيد نفسه، وهذا ما قلته في المقدمة وفي الإهداء إلى شهداء 17 فبراير، شهداء الثورة الليبية.

أجرت الحوار: منى صالح

مراجعة: أحمد حسو