1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"إعلام رمضان" .. نافذة لعودة الثورة المضادة في مصر

١٨ أغسطس ٢٠١١

يظهر الإعلام المصري خلال شهر رمضان ما يمكن وصفه بالارتداد على ثورة 25 يناير، بعد تقديمه رموز النظام السابق كضحايا. كما يدعي الموضوعية المهنية، بينما تسيطر قوى اقتصادية لها علاقات بالنظام السابق على سياساته التحريرية.

https://p.dw.com/p/12IWg
هل ينجح الإعلام الخاص في تحويل الثورة المصرية إلى "دراما اجتماعية"؟صورة من: dapd

بدأت أزمة ارتداد الإعلام المصري على ثورة 25 يناير باستضافة الإعلامي يسري فودة للدكتور حسام بدراوي، الأمين العام للحزب الحاكم المنحل، في أسبوع سقوط نظام مبارك. وفجر ظهور شخصية سياسية بهذا الحجم على شاشة قناة تعتبر أنها قريبة من "روح الثورة" تساؤلات مهنية وأخلاقية طالت قنوات أخرى عرفت بدعمها للنظام المخلوع واستمرارها في نهج تبرئته، عبر تلقي شهادات إيجابية من بعض رموزه.

ويعلق الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز لدويتشه فيله في هذا الشأن بالقول إنه "لا ينبغي مهنياً تحريم أو تجريم ظهور أي شخصية سياسية، أياً كان موقفها من الثورة. الأصل في المشكلة هو مراعاة المهنية الواجبة في مثل هذه الحالات، وهو ما لا ينطبق عموماً على المشهد الحالي". ويعزو عبد العزيز سبب انحسار المهنية إلى "دخول رؤوس أموال جديدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة على المشهد الإعلامي، بعضها تابع لقوى إقليمية ضد الثورة، وبعضها أقرب لغسيل الأموال".

ويؤكد الخبير الإعلامي المصري أن هذه الأموال أدت إلى ظهور قنوات تلفزيونية "تابعة لبعض رجال النظام السابق، بعضها لتجميل سمعتهم، وبعضها للسخرية من الثورة، أو لإعادة إنتاج صورة النظام بشكل أو بآخر. وفي الحد الأدنى تهدف هذه القنوات إلى الترويج الإعلامي بصورة تجارية وإثارة بحتة". ويبقى السؤال: هل تمت استضافة هذه الشخصيات السياسية كمصدر إخباري؟ أو كشهود على أحداث جسام؟ أم تمت استضافتهم تعاطفا مع مواقفهم السياسية؟

بضاعة سياسية غير مطابقة للمواصفات

Medien und Konterrevolution in Ägypten
الخبير والمدرب الإعلامي ياسر عبد العزيزصورة من: DW

من جانبه يرى الكاتب السياسي وائل عبد الفتاح مشهد عودة رموز النظام السابق انطلاقاً من ظرفية الإنتاج الإعلامي لشهر رمضان، مضيفاً، في حديثه لدويتشه فيله، أن "هذه بضاعة مبارك المنتهية صلاحيتها، فموسم رمضان هو موسم استهلاكي كبير، ولا يملك الإعلام إلا تقديم ما في مخازنه من سلع سابقة التجهيز. المشكلة ليست في ظهور هذه الشخصيات، بل في تصويرها كضحايا، خلافاً لموقعهم الحقيقي كشركاء سياسيين في عصر مبارك القمعي".

ويوضح عبد الفتاح أن الذين يظهرون على شاشات التلفزيون أغلبهم "مذيعون أو سياسيون من الصف الثالث أو نجوم شاشات. لم نشاهد أحداً من الفاعلين الحقيقيين لنظام مبارك، أو من دائرته السياسية الضيقة والمؤثرة، ومن ثم فحضور صحفي فقد مكانته الكبيرة مثلاً لأنه من رجال مبارك يجلب التعاطف المبتذل، فالإعلام يقدمهم وكأن الثورة كانت مجرد اختلاف في وجهات النظر".

ومع بقاء القوى الاقتصادية إبان عصر مبارك مستمرة دون تغيير جوهري في تركيبتها، ستحاول إعادة تجميع أنفسها لتفسر بقاءها، بحسب الكاتب السياسي المصري. فأي خدش أو فضح لتلك الشبكة يعني السقوط الحقيقي للنظام.

الثورة بوصفها منتج تنافسي

يتقاطع مع رؤية هذه المصالح ما يطرحه حسين أحمد، صاحب إحدى شركات الإنتاج الإعلامي. ويقول أحمد: "مثلما روجوا لتوقف عجلة الإنتاج الاقتصادي، فإنهم روجوا لتوقف سوق الإنتاج الإعلامي. في الحقيقة لم تختلف الأمور كثيراً، فأشرف الشريف، ابن صفوت الشريف (رئيس مجلس الشورى السابق ورجل النظام القوي المسجون حالياً) جمع ماله واستثماراته في التلفزيون المصري وأنشأ قناة "سي بي سي" الفضائية، بنفس المذيعين القريبين من النظام ونفس الوكالة الإعلانية وحتى بنفس الأجور. اقتصاديات الإنتاج لم تتغير لأن رمضان هو قمة الموسم".

Flash-Galerie Medien und Konterrevolution in Ägypten
حسين أحمد، صاحب إحدى شركات الإنتاج الفني في مصرصورة من: DW

ويعتبر أحمد أن ظهور رموز النظام السابق طبيعي، لأنهم لا زالوا نجوماً، ومعدو البرامج التلفزيونية يبحثون عنهم باستمرار، لأن استضافتهم تجلب الإعلانات ونسبة مشاهدة أعلى، مضيفاً أن "التنافس على الثورة كمنتج إعلامي يبدو طبيعياً، خاصة وأن المجتمع نفسه مقسم بين ثوار وفلول النظام السابق. والإعلام الخاص نفسه منقسم بين مغامر مع الثورة، كقناتي التحرير وأون تي في، وقنوات تراعي مصالحها التي لا تزال متشابكة مع النظام، كقنوات الحياة التي يملكها السيد البدوي رئيس حزب الوفد، والمحور ومودرن التي يملكها أقرب أقرباء مبارك".

المال وصناعة الاستهلاك الإعلامي

"المال بمثابة حليب الأم لصناعة الإعلام". هكذا يصف ياسر عبد العزيز العلاقات المتشابكة في قطاع الإعلام المصري. ويستطرد بالقول: "للأسف الشديد عندما قاومنا استبداد الإعلام الحكومي بوصفه إعلام المواطنين ومصروفاته من جيوبهم، لم يكن ممكناً إلا الاستقواء بالإعلام الخاص المملوك لرجال أعمال. لم تنهض في مصر أنماط ملكية أكثر رشداً، مثل الملكية التعاونية لوسائل الإعلام، ومثلما كانت بيئة الاستثمار في مصر مهشمة ومشوهة، تعاني وسائل الإعلام الخاصة من نفس المرض".

Medien und Konterrevolution in Ägypten
الكاتب السياسي وائل عبد الفتاحصورة من: DW

ويتهم الخبير الإعلامي عبد العزيز معظم القنوات الخاصة بأنها أسست على "تراكم رأسمال أصلي غير قانوني"، مطالباً ببناء "نظام إعلامي جديد يتجاوز التبعية للأجهزة الأمنية السابقة، عبر تنظيم قانوني قائم على الشفافية فيما يخص الأصول المالية، وتطوير أطر متابعة مجتمعية ومهنية لما تنتجه وسائل الإعلام الخاص". ويقترح في هذا الصدد تأسيس هيئة إعلامية معيارية مثل هيئة الاتصالات الفدرالية في أمريكا، أو المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا، من أجل مراجعة وتقييم وسائل الإعلام في حال انفلاتها.

وعلى صعيد آخر يشير الكاتب السياسي وائل عبد الفتاح إلى عدو آخر للثورة المصرية، أو ما يسميه بـ"حزب الاستهلاك"، في إشارة إلى تحويل وسائل الإعلام القضايا الهامة إلى سلع تجارية قابلة للاستهلاك. فالمجتمع المصري، برأيه، "يلتهم الأغاني والشعارات والصور والبرامج، وطالما لم تنجح الثورة في تثبيت نفسها ستبقى مجرد ميلودراما رخيصة تتقاذفها برامج التسلية. نظام مبارك طور داخله مسلسلاً لا نهاية له، قائم على العواطف الرخيصة. ما يحدث الآن هو تحويل الثورة إلى مسلسل".

ويحذر عبد الفتاح من أن ظهور رموز النظام السابق على الشاشة الصغيرة سيثير تعاطف المشاهدين مع "شخصيات أقرب لشخصيات مسلسلات الدراما الاجتماعية. وما سيادة مصطلح ارحموا عزيز قوم ذل إلا تهميش ركيك لثورة لم تنتصر إرادتها بعد".

هاني درويش/ القاهرة

مراجعة: ياسر أبو معيلق

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد