1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"لا يمكن تطبيق التجربة الألمانية في اقتصاد السوق الاجتماعي على الحالة السورية"

عفراء محمد - كاتبة سورية١ مايو ٢٠٠٨

تزداد حدة الجدل في سوريا حول إمكانية تطبيق التجربة الألمانية في اقتصاد السوق الاجتماعي. ومن المفارقة أنه يدور في الوقت الذي يتم فيه تحرير آليات السوق بشكل يخدم التوجه الحر أكثر مما يخدم دعم الضمانات الاجتماعية.

https://p.dw.com/p/Dqou
هناك تعاون سوري- ألماني في مجالات عديدة، تُرى هل يمكن لهاذ التعاون أن يثمر على صعيد طموحات سوريا لتطبيق اقتصاد سوق اجتماعي؟

عاد النقاش حول اقتصاد السوق الاجتماعي وإمكانية تطبيقه في سوريا بالاعتماد على خبرات دول مثل ألمانيا بقوة إلى الواجهة مؤخراً. وساعد على ذلك ما يطلق عليه البعض نيران الليبرالية الجديدة التي بدأت تكوي حتى الطبقات المتوسطة على ضوء ارتفاع أسعار الطاقة والأغذية التي تصاحب زحفها. ويرافق هذا الزحف على الصعيد السوري تراجع لدور الدولة في الحياة الاقتصادية بقوة خلال السنوات العشر الماضية لصالح القطاع الخاص. كما رافقه إلغاءات وتخفيضات مهمة في الدعم الذي تحظى به سلع غذائية وخدمات رئيسية كالكهرباء والمياه من قبل الحكومة. وعلى الرغم من ذلك فإن صناع القرار السياسي ما يزالون متمسكين باقتصاد السوق الاجتماعي بدلاً مما يُطلق عليه الرأسمالية الحرة والمتوحشة، أو رأسمالية الشركات التي تلتهم الأخضر واليابس كالجراد على حد وصف فرانس مونتيفيرنغ الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المشارك في الائتلاف الألماني الحاكم حالياً.

الحكومة السورية متمسكة بخيار اقتصاد السوق الاجتماعي

Abdullah Dardari mit Heidemarie Wiesczorek-Zeul in Damaskus
نائب رئيس الوزراء السوري عبدالله الدردري ووزيرة التنمية الألمانية هايدماري فيتسوريك- تسويل خلال زيارة الأخيرة لدمشق أواخر صيف العام الماضي 2007صورة من: AP

يقول عبدالله الدردري المعروف بأنه رجل الإصلاح في سوريا ونائب رئيس مجلس الوزراء السوري في مقابلة مع جريدة السفير اللبنانية بأن الدولة السورية "حسمت أمرها واتبعت خط الاقتصاد الحر بصيغة اقتصاد السوق الاجتماعي، معتبراً أنه سيكون المخرج اللائق للبلاد من اقتصادها التقليدي نحو الاقتصاد العالمي". لكن الدردري لم يوضح آليات ومتى وكيفية تطبيق ذلك في المدى المنظور. وعند الحديث عن التطبيق يشير مسئولون وأكاديميون آخرون بشكل متكرر إلى الوضوح في التجربة الألمانية التي نجحت إلى حد كبير خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي في الجمع بين المنافسة المتكافئة الفرص وتحقيق نظام ضمانات وتأمينات اجتماعية يضمن الحد الأدنى لمعيشة كل مواطن. كما نجحت في منع الاحتكار في السوق إلا في حالات محدودة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن بالفعل نقل تجربة ألمانية نشأت تحت ظروف الازدهار الاقتصادي الألماني/ المعجزة الاقتصادية الألمانية والمواجهة مع المعسكر الشيوعي سابقاً إلى بلد مثل سوريا، لاسيما وأن الاختلافات ضخمة على صعيد إمكانيات تمويل الضمانات المذكورة بسبب مستوى التطور الاقتصادي والفروق بين موارد الدولة في كلا البلدين. يضاف إلى ذلك أن هذه التجربة فقدت طابعها الاجتماعي إلى حد كبير. وقد بدأت عملية الانقضاض عليها منذ انهيار المعسكر الشيوعي سابقا وإعادة توحيد ألمانيا، لتبلغ أوجها في عهد المستشار السابق غيرهارد شرودر. فقد قام الأخير بإصلاحات ضريبية، وأخرى في سوق العمل تمخض عنها ما يسمى نظام هارتس 4 الذي قلّص تعويضات العاطلين عن العمل إلى الحد الأدنى اللازم للمعيشة. كما أعطى لأرباب العمل حرية تحديد مستوى الأجور بشكل أدى إلى تراجعها بشكل حاد.

"المطلوب تحقيق فائض يضمن تمويل شبكة الحماية الاجتماعية"

Dr. Adnan Suleiman
الدكتور عدنان سليمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق ومدير المناطق الحرة في سوريا سابقاً.صورة من: Afraa Mohamad

يقول الدكتور غسان إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، في معرض رده على إمكانية تطبيق التجربة الألمانية في سوريا إن الفكرة الأساسية لاقتصاد السوق الاجتماعي لا تتعلق بوجود فائض اقتصادي كبير، وإنما في كيفية خلق فائض يضمن تمويل توسيع شبكة الحماية الاجتماعية أفقياً وعمودياً، ويتطلب خلق فائض كهذا مشاركة مختلف الفعاليات في سوريا فضلاً عن ضرورة وجود مؤسسات حكومية فاعلة وقوانين، ما يعرف بدولة المؤسسات التي توفر حزمة كبيرة من الحريات. وعلى ضوء ذلك نجد أن التحديات كبيرة بالنسبة للاقتصاد السوري، لاسيما وأن القاعدة الصناعية المتطورة ليست متوفرة على غرار ما هو عليه الحال في ألمانيا ودول أخرى كاليابان والدول الاسكندنافية. أما الدكتور عدنان سليمان الأستاذ في الجامعة المذكورة ومدير المناطق الحرة السورية سابقاً، فيرى بأن السؤال المطروح ليس حول إمكانية نقل التجربة الألمانية إلى سوريا، لأن ذلك لا يمكن تحقيقه من الناحية العملية، فلم يسبق في تاريخنا إن نجح نقل تجربة دولة إلى أخرى. الدكتور عدنان يرى بأن المطلوب تبني خيار اقتصادي يمكن أن يتضمن عناصر مشابهة لعناصر النموذج الذي نجح على الصعيد الألماني في مرحلة البناء ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو اقل ضررا من الركون إلى اقتصاد السوق لوحده. ومما يعنيه ذلك رفع مستوى أجور العاملين والموظفين والاستمرار في تقديم السلع والخدمات الحيوية في الصحة والتعليم بأسعار متدنية ونوعية جيدة. غير أن ذلك يتطلب برأي الدكتور سليمان إعادة توزيع الدخول على حساب الأغنياء كي تتمكن الدولة من تمويله عن طريق الضرائب والرسوم الأخرى. وفي هذا الإطار مطلوب من القطاع الخاص المساهمة بدوره على هذا الصعيد بشكل أكثر فعالية.

الخيار الاقتصادي المعلن عنه ليس الذي يتم تطبيقه

على أرض الواقع شهدت سوريا خلال السنوات القليلة الماضية إصدار المزيد من القوانين والمراسيم مثل قانون التجارة وقانون حرية المنافسة ومنع الاحتكار، وقوانين أخرى أطلقت حرية الاستثمار المحلي والعربي في المصارف والتأمين والعقارات والسياحة. هذه القوانين تخدم حتى الآن اقتصاد السوق الحر أكثر مما تخدم اقتصاد السوق الاجتماعي برأي الدكتور سليمان. ولكي تصبح هذه الإجراءات ذات طابع اجتماعي لا بد من استكمالها بحزمة اجتماعية تتضمن قبل كل شيء تصحيح منظمة الأجور والدخول وتحسين مستوى معيشة أصحاب الدخل المحدود بدلاً من تركها عرضة للتآكل كما يحصل في الوقت الحاضر بشكل يتناقض مع متطلبات السوق الاجتماعي الذي تتمسك به الدولة كخيار لتجربة التنمية في سوريا. وفي نفس السياق يرى الدكتور غسان ابراهيم بأن ما يحدث على أرض الواقع عكس التوجه المعلن عنه فيما يتعلق باقتصاد السوق الاجتماعي، لاسيما وأن معدلات التضخم عالية ومستوى الأجور ما يزال متدنيا. الدكتور غسان لا يرى ضيرا في تحرير السلع والخدمات الرئيسية من الدعم، غير أن المشكلة برأيه تكمن في عدم ترافق ذلك مع رفع مستوى الأجور بحيث تتم المحافظة على القوة الشرائية أو رفعها، لاسيما وأن مستواها في سوريا ما يزال ضعيفاً.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد