شُيّع الجثمان وبقي "البيان": رحيل الأديب السوري خالد خليفة
٢ أكتوبر ٢٠٢٣بغياب رسمي وحضور شعبي وبمواكبة فنية شيعت دمشق الأديب الحائز على جوائز عربية وعالمية خالد خليفة إلى مثواه الأخير في العاصمة السورية.
وكان صديق الكاتب، الصحافي يعرب العيسى، الذي رافقه خلال الأيام الأخيرة قد أعلن خبر وفاته: "لقد توفي داخل منزله وحيداً في دمشق (..) اتصلنا به كثيراً ولم يرد، وحضرنا إلى منزله فوجدناه ميتاً على الأريكة". وقال الأطباء في مستشفى العباسيين في دمشق، إن تشخيص الوفاة هو أزمة قلبية.
حياة حافلة بالعطاء
ولد خالد خليفة، المتحدر من بلدة مريمين في ريف عفرين، في مدينة حلب عام 1964 وتخرج في كلية الحقوق عام 1988 وكان عضوا في المنتدى الأدبي بالجامعة.
وعُرف خليفة في أوساط الثقافة السورية بعد مسلسلات سورية عدة كتبها مطلع التسعينيات ولاقت رواجاً واسعاً. كما كتب بعض الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة والطويلة.
وذاع صيته بعد تأليف روايته "مديح الكراهية" التي ترجمت إلى عدة لغات، وجذبت اهتماماً ووصلت للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الأولى عام 2008.
وحازت رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" عام 2013 على جائزة نجيب محفوظ للرواية، أحد أبرز الأوسمة الأدبية العربية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.
ومن رواياته المعروفة، "لم يصلّ عليهم أحد" عام 2019، و"الموت عمل شاق" عام 2016، و"دفاتر القرباط" عام 2000، و"حارس الخديعة" عام 1993.
ومن أشهر المسلسلات التي كتبها "قوس قزح" و"سيرة آل الجلالي" الذي نقل تفاصيل مدينة حلب الاجتماعية والثقافية، ومسلسل "العراب" و"هدوء نسبي" و"ظل امرأة" وغيرها.
وقد ترجمت رواياته إلى عدة لغات عالمية كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والنرويجية والألمانية. وإلى الأخيرة ترجمت ثلاث روايات من رواياته.
فقد أنجز المترجم الألماني المعروف هارتموت فيندريش ترجمة روايتين له للألمانية وهما: "الموت عمل شاق" و"لا ساكين في مطابخ هذه المدينة"، فيما ترجمت لاريسا بندر روايته الأخيرة "لم يصل عليهم أحد".
صدمة وأسى
وقع رحيل خالد خليفة وقوع الصاعقة على الجميع. ونعى فنانون ومثقفون وصحافيون سوريون وعرب، خليفة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب ناشطين سياسيين داخل وخارج سوريا.
الروائي الجزائري واسيني الأعرج كتب على فيسبوك: "بالألم كبير والوجع لا يهدأ. هكذا ترحل يا خالد نحونا لتسكننا كما لو كنا في لعبة عبثية مع الموت؟ أسمعك لأننا الآن على حافة نفس النهر".
وكتب الروائي خليل صويلح: "يا لفجيعتنا، سنتحمل موته الشاق وحدنا".
وعبرت مترجمة روايته "لم يصلّ عليهم أحد" إلى اللغة الألمانية، لاريسا بندر، الحاصلة على وسام الاستحقاق من الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينمير، عن حزنها: "رحل عنا إنسان عظيم وكاتب كبير وصديق رائع".
ونعاه المخرج المصري خيري بشارة في تدوينة بموقع إكس قائلاً: "خبر يهبط كالصاعقة... كان خالد خليفة من أجمل الأصدقاء... باعدت مشاغل الحياة بيننا كما فعلت المسافات والحرب... ومنذ وقت قصير فرحت للغاية حين بدأنا نتبادل ذكرياتنا الحلوة طامعين في تجديد العلاقة وإحياء الصداقة القديمة... فلترقد في سلام يا أجمل الكائنات".
كما نعاه الأديب الكويتي طالب الرفاعي قائلاً: "كأن الموت ينتقي أحبابه، خبر صادم يا صديقي الغالي خالد خليفة، لا عزاء لساحة الرواية العربية. لروحك الطاهرة واسع المغفرة والرحمة الواسعة".
معارض في قلب دمشق
وعُرف خليفة بموقفه المناهض للسلطات وانتقاده لسياساتها في مقالاته ومقابلاته الإعلامية. وفي بداية الحراك في سوريا قبل أكثر من عقد تعرض خالد خليفة لاعتداء من أزلام النظام كسرت على أثره يده.
ونعاه الكثير من المعارضين السوريين وبعض الموالين للنظام، ولم يكن من المستغرب تجاهل التلفزيون الرسمي السوري لخبر وفاته وغياب أي حضور رسمي لجنازته.
كما نعاه المفكر والمعارض السوري ياسين الحاج صالح على موقع إكس قائلا: "قضى (خالد خليفة) معظم الوقت في سوريا بعد الثورة والحرب، لكنه كان واضح الموقف، لم يغمغم في التعبير عن انحيازه السياسي والأخلاقي".
ونقلت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية الرصينة عن الراحل رفضه للبقاء خارج سوريا: "في الخارج نصبح هولنديين وفرنسيين وألمان، وهذا ما لا أريده. أنا سوري، كل شيء هنا له معنى بالنسبة لي".
وقد عالج أدبياً الوضع السياسي في بلاده. وفي إحدى مقابلاته علق على منع أعماله في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري: "الكتب تطير ولديها أجنحة، وستصل إلى قرائها في أي مكان بالعالم".
وفي معرض تعليقها على وفاته، كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ": "كان يسعده عرض ترجمات رواياته في عواصم العالم وحواضرها. بيد أن الفرحة الكبرى كانت ستكون لو عثر على رواياته في المكتبات السورية. وهذا ما لم يعد بالإمكان".
خالد سلامة