1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تهم جنسية .. اعتقال الريسوني يضع المغرب أمام امتحان العدالة

٢٧ مايو ٢٠٢٠

صحفي بارز يعتقل من جديد في المغرب، ومرة أخرى ينتمي لجريدة "أخبار اليوم" التي شهدت محاكمتين بالسجن في السنتين الماضيتين. فهل للأمر علاقة بحرية الصحافة لجريدة ناقدة أم أن الأمر يخصّ فقط التحقيق في "اعتداءات جنسية"؟

https://p.dw.com/p/3cqzq
الصحفي المغربي سليمان الريسوني رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم"
الريسوني هو الصحفي الثالث بجريدة أخبار اليوم المغربية الذي يجري اعتقاله بعد هاجر الريسوني ابنة أخيه وتوفيق بوعشرين، مالك الصحيفة. صورة من: Facebook/Soulaiman Raissouni

يعيش المغرب هذا الأسبوع على وقع جدل حقوقي إعلامي جديد، بسبب اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم"، المعروف بمقالاته وآرائه الناقدة للسلطات في المغرب، والذي جرى توقيفه يوم الجمعة 22 مايو/ أيار الجاري، للتحقيق معه حول تهمة "هتك العرض بالعنف والاحتجاز" في حق شاب مغربي مثلي، ومازال الاعتقال مستمرا إلى اليوم؛ رغم مطالبة دفاعه بالمتابعة في حالة سراح.

ومما تسبب في موجة التنديد باعتقال الريسوني، طريقة توقيفه، فقد تم اعتقاله أمام منزله بدل استدعائه، وجرى الاعتقال اعتمادا على تدوينة في موقع "فيسبوك" يتهم صاحبها الريسوني بالاعتداء عليه جنسيا في منزله. كما يتحدث محامو الريسوني عن عدم وجود أي شكاية ضده من "المشتكي"، الذي أكد لاحقا في تدوينة جديدة أن الشرطة استدعته واستمعت له حول الاعتداء المزعوم، الذي يفترض أنه وقع عام 2018.

وقد سبق عملية الاعتقال حملة تشهير واسعة تنبأت باعتقال الصحفي قبل انفجار القضية، أشارت إليها منظمة "مراسلون بلا حدود". ومما يؤكد نية التشهير في ملف الريسوني، قيام موقع مغربي معروف بنشر فيديو يوثق عملية الاعتقال أمام بيت الريسوني.

ورفضت النقابة الوطنية للصحافة بالمغرب، المعروف عنها حذرها الشديد في مثل هذه القضايا، الطريقة التي تم بها توقيف الصحفي، مطالبة في بيان لها باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لتصحيح هذا الوضع، أي اعتقال الريسوني، مؤكدة أن "الزميل المعني يتوفر على جميع ضمانات الامتثال لمسطرة الخضوع للإجراءات القضائية المعمول بها في مثل هذه الحالات".

وفي تصريح للناشطة الحقوقية المغربية فتيحة أعرور لـ DW عربية، اعتبرت أن "الغريب في الأمر هو طريقة الاعتقال الخاصة بصحفيي أخبار اليوم كما حدث مع توفيق بوعشرين ومع هاجر الريسوني، إذ كان هناك حضور مبالغ فيه من عناصر الأمن أثناء الاعتقال"، متابعة أن "الواقعة لا تستدعي المتابعة في حالة اعتقال، فالحدود أصلا مغلقة، كما أن كل الضمانات متوفرة ليحضر الريسوني للتحقيق كلما استدعى الأمر ذلك".

الصحفي المغربي سليمان الريسوني رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم"
لمع نجم سليمان الريسوني مؤخرا في افتتاحيات ناقدة للسلطة، فهل يؤدي ضريبة ذلك؟صورة من: Facebook/Soulaiman Raissouni

وقال كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، في سلسلة تغريدات، إن المنظمة تشدّد على قرينة البراءة في هذه القضية، وعلى ضرورة استقلالية القضاء في المغرب، مبرزاً أن صحيفة "أخبار اليوم" من الصحف الأخيرة المستقلة في المغرب، وأنها تعرضت لعدة محاولات للترهيب، قبل أن يؤكد أن المنظمة تحترم حقوق الأقليات الجندرية.

تكرار للتهم الأخلاقية؟

قبل اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، جرى اعتقال مالك الجريدة نفسها، الصحفي توفيق بوعشرين، وحُكم عليه بـ 12 سنة سجنا، رُفعت إلى 15 سنة، لإدانته بـ"جرائم جنسية والاتجار بالبشر"، في محاكمة انتقدتها الأمم المتحدة عبر مجلس حقوق الإنسان التابع لها، الذي دعا السلطات المغربية إلى إطلاق سراح بوعشرين، مشيراً إلى أن "اعتقاله مخالف للقانون"، وأن "حرمانه من الحرية تعسفي'.

وبعد اعتقال مؤسس "أخبار اليوم"، اعتُقلت الصحفية هاجر الريسوني، ابنة أخ سليمان الريسوني، رفقة خطيبها، عند خروجهما من عيادة طبيب وسط الرباط، وحكم على هاجر بسنة سجنا نافذة بتهم "إقامة علاقة جنسية خارج الزواج والخضوع لإجهاض سري"، وهي من المرات النادرة التي يحكم فيها بهذه العقوبة السالبة للحرية على سيدة بتهمة الإجهاض في المغرب، ولم تنته القضية إلا بإعلان حصولها رفقة خطيبها والطاقم الطبي على عفو ملكي.

وكان سليمان الريسوني، الذي اشتهر في صحافة التحقيق وبعدها في كتابة الافتتاحيات، من المدافعين الشرسين عن توفيق بوعشرين منذ يوم اعتقاله، وكذلك عن هاجر الريسوني، وقبلهما دافع عن صحفيين آخرين اعتقلوا. وقد أشار بلاغ لجنة أُنشئت للتضامن معه إلى أن "انتقاده اللاذع مؤخراً لأداء الجهات الأمنية والنيابة العامة في إطار تدبير حالة الطوارئ الصحية، من أسباب هذا الاعتقال الظالم، ووراء تحريك هذا البحث القضائي، وتدبيره بهذه الطريقة التي لا تحترم الضمانات الدستورية والقانونية".

كما ترى فتيحة أعرور أن "المشكلة في مثل هذه الاتهامات المسيئة لسمعة الأشخاص، هو أنها أصبحت سيناريو يتكرر في مثل هذه القضايا الخاصة بالصحفيين، خاصة أن السلطة تبحث عن قضايا تقسم بها الرأي العام حتى تضعف من حملة التضامن مع الصحفيين، وهو ما ظهر في ملف بوعشرين وهاجر الريسوني"، لكن في الآن ذاته، أكدت أعرور، أنه "لا أحد فوق القانون، ومن حق أيّ مواطن، يرى نفسه متضررا، مقاضاة من يرى أنه من تسبب بهذا الضرر، بغض النظر عن وزنه ومكانته ومهنته".

وفي هذا السياق، نشرت ثماني مجموعات لنشطاء "مجتمع الميم" بياناً، رفضوا من خلاله وصف القضية بالسياسية معتبرين أنها 'لا تمس الصحافة بقدر ما هي قضية ضحية تعرض لاعتداء جنسي"، ويجب على المشتكى منه، في حالة ثبوت تورطه، أن يحاسب، معربين عن رفضهم التشكيك في مصداقية المشتكي، وأصوات كل ضحايا العنف.

ملاحقات للمثليين

غير أن القضاء المغربي الذي يضطلع بمهمة البت في هذه القضية، حكم بدوره على مثليين مغاربة في قضايا سابقة بالسجن، فقد أدانت المحكمة الاستئنافية في مدينة الحسيمة عام 2014 شابين بتهمة "الشذوذ الجنسي"، أحدهما حكم عليه بالحبس لستة أشهر والآخر لعام (أدين كذلك بالرشوة)، وتكررت العقوبة عام 2015 بالحبس لأربعة أشهر نافذة في مدينة الرباط لشابين آخرين.

وتستند هذه الأحكام إلى الفصل 489 من القانون الجنائي، الذي يعاقب على المثلية الجنسية بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وهو الفصل الذي تعدّدت المطالب الحقوقية بإلغائه، رفقة فصول أخرى تتدخل في الحياة الجنسية للأفراد.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن الكثير من المثليين يتخوّفون الإفصاح عن الاعتداءات بحقهم خوفاً من الاعتقال. وفي هذا السياق، هناك من استغل هذا الملف لضرب الأقليات الجندرية، من خلال ظهور عدة تعليقات مناهضة للمثليين، وهو ما أشارت إليه فتيحة أعرور، التي طالبت الجميع بـ"إدانة حملات الكراهية ضد الأقليات الجندرية على مواقع التواصل، ولكن في الآن نفسه يجب الإصرار على قرينة البراءة"، مستدركة القول بأن "القضاء المغربي لا يتوفر على شروط الاستقلالية والنزاهة لاحترام هذه القرينة ومن  الخطير استغلال الدولة لملف الأقليات الجندرية لمصلحتها لأن ذلك قد يزيد من حملة الكراهية ضدهم، وستتضرر بالتالي حقوقهم أكثر".

ونظرا لحساسية الملف وارتباطه بحرية الصحافة وبحقوق أقلية جندرية مضطهدة قانونيا واجتماعيا، اختار العديد من النشطاء البقاء على المسافة نفسها. إذ كتبت الناشطة الحقوقية سارة سوجار، أن القضية "بقدر ما تحمل عنوان إسكات الأصوات المعارضة، تحمل كذلك عنوان تطور نضال المثليين الذين بدأوا مؤخرا عبر وسائل التواصل في الحديث عن حالات الاعتداء التي تعرضوا لها". وطالبت الناشطة من الحركة الحقوقية الحرص على حفظ حقوق كل الأطراف ومنع تحول قضايا الحريات إلى ورقة تستغل من طرف أي جهة لمصلحتها الخاصة.

أ. ب