1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رؤية هنتنغتون لصراع الحضارات

مهند العزاوي٥ يونيو ٢٠١٤

يفسر الدكتور مهند العزاوي ما يسميه بالانهيارات القيمية ، وتصدع الحدود السياسية للدول بالتوالي وفقا لنظرية الدومينو وفق قراء ة لكتاب صموئيل هنتنغتون(صراع الحضارات) الصادر عام 1996

https://p.dw.com/p/1CCWD
AP Iconic Images 11. September World Trade Center
صورة من: AP

يدشن العالم العربي مرحلة جيدة تتسم بالانهيارات القيمية ، وتصدع الحدود السياسية للدول بالتوالي وفقا لنظرية الدومينو ، مع بروز مؤشرات نوعية وكمية تؤكد حجم التغييرات التي من الممكن حصولها في ظل الانقسام والانهيار العربي ، ومن الملفت للنظر ظهور أطراف دولية فاعلة كبديل لسابقتها ، تنتهج اعتي وأقسى الأساليب لغرض الوصول والتواجد والهيمنة في عالمنا العربي ، وأضحت هذه القوى تهيمن على مجريات الأحداث بشكل صلب ( باستخدام القوة) ، وتسهم بشكل فاعل في اذكاء النزاعات والصراعات والفوضى في عالم عربي نسف تاريخه ، وهدم جغرافيته السياسية ، ومزق مجتمعاته ، وأضحى يبحث عن حليف غائب او صديق معتدي او طامع غادر ، وجميع المؤشرات تقودنا الى حقيقة أننا أمام إعصار وطوفان يسفر عنه إعادة تشكيل العالم العربي من جديد الى دويلات متناحرة ومتصارعة ، تخوض صراعات وحروب لسنين تستنزف من خلالها مواردها البشرية والمالية والقيمية ، ضمن ما سمي بحرب (المائة عام ) او (حدود الدم) كما سماها رالف بيترز 2006.

صراعات المستقبل

صموئيل هنتنغتون أستاذ العلوم بجامعة هارفرد ومؤلف كتاب (صراع الحضارات) عام 1996 ، والذي أثار نقاشاً كثيراً داخل وخارج أميركا ، وله مؤلفات أخرى تحاكي علم المستقبليات وفقا للظواهر السياسية والعسكرية والاجتماعية الزاحفة ، وقال هنتنغتون "لن تكون الأيديولوجيا والاقتصاد أساس المشاكل العالمية في المستقبل ولكن الثقافات هي المشكلة ، وستظل الدول تلعب السياسة الدولية مع بعضها بعضا ، ولكنها أحيانا ستلعب مع مجموعات حضارية وثقافية مختلفة ، لهذا لن يكون الصراع في المستقبل بين الدول ، ولكن بين الحضارات " وعند قراءة ما ذهب إليه بعقلانية بلا عواطف سنجد انه كان مصيبا لفهمه طبيعة القوة وتمددها ، وشكل الرغبات وجشعها ، وعهر السياسة ودسائسها ، وجهل المجتمعات وتخلفها بالرغم وصول التقنيات لها ،وأجاد التنبوء القريب بما سيحدث في عالم مضطرب تسوده شريعة الغاب بلباس القانون الدولي

السيطرة عبر التفوق العسكري

حيث قال هنتنغتون ((لم يسيطر الغرب على العالم بسبب أفكاره وآرائه ودينه بل بسبب تفوقه العسكري ، وينسى الغربيون دائماً هذه النقطة ، لكن لا ينساها أبدا غير الغربيين )) نعم اجاد في ذلك والدليل حمى التسلح بين الدول المتمركزة والفاعلة وسوق السلاح لوكلائهم الاقليمين ، وتبادل ادوار القوة بين اقليم وأخر على مستوى الرقع الدولية ليدحض وبقوة اي معادلة للتوازن والأمن والسلم الدوليين ، والذي يعد اكذوبة تتشدق بها القوى الكبرى الفاعلية ، والدليل ادامة سوق السلاح بشكل يفوق التصور وتعالي عقيدة الفوضى والاضطراب لتجزئة القوة وخصخصتها وترويج تجارة الامن وصناعة الارهاب.

ديمقراطية على أجنحة الحرب

حيث قال هنتنغتون ((يجب أن يقوّي الغرب نفسه داخلياً ، ويتخلى عن عالمية الديمقراطية ، وعن التدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى خاصة دول العالم الثالث))، وكان مصيبا لان القوى الفاعلة تجد في العالم الثالث دول متخلفة وشعوبها مستباحة وسوقا متعدد الاغراض، يستنزف كل شيء بلا تردد وتقييس ، واضحى سوقاً متنوعا يستهدف الموارد البشرية والمالية ، والدليل واضح خصوصا بعد عقد الحرب على الإرهاب 2001 وغزو العراق تحت مبرر الديمقراطية والحرية ، وصعود الأصولية الطائفية للسلطة ، حيث أصبح المواطن العادي في اي بلد ضحية الروبوت الطائر المتفجر وبمبرر (( الحرب على الإرهاب)) خصوصا بعد شيطنه وسائل الإعلام لهذا المجتمع او ذاك الشعب ، ليبرروا استخدام الأسلحة والمتفجرات المخزنة والفاقدة الصلاحية ، والقيام بتجارب أسلحة جديدة في العالم الثالث ، ولعل الحرب في الانبار بالعراق أفضل مثال في الهمجية وجشع شركات السلاح وأدواتها السياسية ، حيث يقتل الأبرياء بالسلاح الروسي والصيني والأميركي الذي بيع بمليارات الدولارات في حرب محدودة عبثية بدوافع طائفية انتخابية ، القت بظلالها على التماسك المجتمعي ، وأكدت للعراقيين والعالم برمته ان المجتمع الدولي لا وجود له و لا قيمة لمؤسساته في ظل قتل المدنيين الأبرياء والعزل بدم بارد بالمئات يوميا.

استهداف غير مبرر

حيث قال هنتنغتون ((ليس الإسلاميون هم التهديد الحقيقي للغرب ، ولكن الإسلام الحضارة المختلفة التي يؤمن أصحابها أن ثقافتهم هي الأعلى ، ويحسون بحرج كبير بسبب ضعفهم )) وهذا صلب الواقع المضطرب والفوضوي اليوم حيث دأبت دوائر المخابرات الدولية والإقليمية والعربية على انشاء التنظيمات والمليشيات المسلحة بإطار ديني مذهبي يبحث عن عناصر القوة المفقودة ، في ظل مجتمع دولي مزيف يسوده فلسفة (الغاية تبرر الوسيلة) والقوي فيه يأكل الضعيف ، كما حصل في اوكرانيا والعراق وأفغانستان وسوريا وووو والقائمة تطول ، وبدلا من ان تكون الدول ذات الغالبية الإسلامية دول مزدهرة متطورة قوية فاعلة في المسارح الدولية ، أصبحت مهددة مفككة ممزقة تسودها الحروب الداخلية ، وتعاني من الاستنزاف القيمي والمالي والبشري ، وتغييب عنها نظرية الدولة وسياسة الاحتواء والإقناع والعدالة والمساواة ، وتبحث حكوماتها عن عدو داخلي تفاعلي تكسب من خلاله ود الدول الفاعلة لتكون سوق للفناء البشري ومسرحاً لمافيا السلاح والأمن العالمية.

صدق هذا المفكر في رؤيته منذ عشرون عام ، وعندما نجسد الواقع السياسي المضطرب والظواهر الفوضوية في العالم ، وسوء إدارة الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية دوليا ، يتأكد لنا ما ذهب اليه وما حذر منه ، خصوصا جشع وطمع وغطرسة الدول الفاعلة الكبرى التي تصنع الحروب وتبيع السلاح ، وتذكي النزاعات وتنهب الثروات ، وقد لفت نظري مقاربته الذكية ان الحرب لم تعد بين دول بل بين ثقافات او حضارات ، وكان دور وسائل الاعلام في تشكيل هذه الثقافات او نحر ما قبلها مريب وخطير ، وهذا ما يتجسد بشكل فاعل في مراكز دراسات مزيفة الانتاج تبحث عن راعي مالي وتغني له ما يحب ان يسمع ، وتعطي ظهرها للحقيقة والواقع والمخاطر الحالية والوشيكة ، وكذلك وسائل إعلام متعددة يسودها القطبية المضللة ، ورسائلها تبدو سطحية ولكنها مريبة في هيكلة عقول الجمهور وحرفها عن القيم والتهديدات والمخاطر ، وتصنع حروب افتراضية لتتسق بالواقع ، وتهيكل العقول نحو اعداء وهميين ، وتغض البصيرة عن العدو الحقيقي ، انه العالم اليوم في صراع الثقافات وتسوده حرب الافكار والعقائد باستخدام الوقود البشري.