1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حمزة الجواهري:عقود النفط - أول الغيث قطر

٨ أبريل ٢٠١٠
https://p.dw.com/p/MqUV

كنت قد أعددت العدة للكتابة عن الجانب التطبيقي للعقود النفطية في الصناعة الاستخراجية، والتحدث عن الشفافية في هذا القطاع كوني متورط به منذ سبع سنوات أو أكثر، أي قبل كتابة العقود الجديدة التي اعتبرت نقطة تحول تاريخية بتاريخ العقود النفطية. ففي الحقيقة لا يمكن اعتبار هذه العقود حقا تحقق جميع الثوابت الوطنية ما لم تنجح على مستوى التطبيق، حيث أثيرت بعض الملاحظات حول هذه النقطة بالذات إضافة إلى نقاط أخرى ذات أهمية خاصة ينبغي متابعتها.

لكن طالعتني رسالة من زميل في الصناعة النفطية أثار فيها بعض التساؤلات لها علاقة بهذا الموضوع، فآثرت الكتابة حول ما أثاره الزميل العزيز الدكتور أحمد جياد، ولكن وجدت أن متابعاتي الخاصة تكفي للكتابة دون الإشارة إلى ما تطرق له الزميل جياد، وإن كان هناك ربط بين الموضوعين.

أعلن مدير عام شركة نفط الجنوب السيد ضياء جعفر بتاريخ الأول من آذار 2010 متحدثا إلى رويترز في البصرة أن الشركة التركيةTPIC قد فازت بعقد قدره318 مليون دولار لحفر45 بئرا في حقل الرميلة، يضاف إلي قيمة العقد مبلغ 10% من قيمة العقد يستفاد منها في حالات الطوارئ، وبعد تسعة أيام أقر مجلس الوزراء هذا العقد في جلسه عادية.

في الحقيقة استبشرنا خيرا بهذا الخبر لعدة أسباب نلخصها بالآتي:

  1. إن كلف الحفر في العراق بدأت بالنزول لتبلغ مستوى لا بأس به، بحدود سبعة ملايين دولار، حيث في البداية، أي قبل ثلاثة سنوات تقريبا، كانت كلفة حفر البئر في كوردستان قد وصلت إلى ثلاثين مليون دولارا، وقبل عامين انخفضت في عقد مع شركة نفط الجنوب إلى حوالي17 مليون دولارا، وفي وقت لاحق قبل نهاية العام الماضي2009 قد انخفضت الكلفة إلى11 مليون دولار في عقد بين شركة نفط الجنوب وشركة وذرفورد لحفر20 بئرا في حقول الجنوب، وحين تنخفض اليوم إلى7 ملايين دولار، فإن هذا الرقم يعد تطورا إيجابيا نحو الأحسن بالرغم من أنه مازال ضعف الأرقام المتداولة في دول الجوار.
  2. إن العقد تم المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء بالرغم من أنه من صلاحيات شركة نفط الجنوب حصرا كما تشير إلى ذلك بنود العقد، فإن هذا التصديق من قبل أعلى هيئة تنفيذية قد يشكل سابقة تستمر كسنة في التعاقد لتحاشي الفساد المحتمل.
  3. إن دخول الشركة التركية للحفر في الحقول الجنوبية يعني دماء جديدة أضيفت إلى قطاع الصناعة الخدمية التي تحمل على كاهلها جميع عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج ولم يعد العمل فيه مخيفا للشركات كما كان في السابق.

ولكن، نقلت نشرية ابستريم أونلاين بتاريخ31 آذار 2010 ،إضافة إلى صحف أخرى نقلا عن رويتر، تصريحا للسيد عبد المهدي العميدي مدير عام دائرة العقود في وزارة النفط قال فيه ""أن العراق منح عقود لحفر49 بئرا جديدة وبكلفة تبلغ حوالي10 مليون دولار للبئر الواحدة، حيث تم تقسيم هذه الآبار بين اتحاد شلمبرجر والصينية داكنج بواقع 21 بئرا، ومؤسسة آي دي سي21 بئرا، وحصلت وذرفورد الأمريكية على7 آبار، وأضاف العميدي "وتبقى سبع آبار لدينا لتعلن لاحقا بعد قياس أداء المقاولين"!

إن مجموع هذه الآبار يبلغ56 بئرا، وهي ليست تلك الآبار التي استطاعت الشركة التركية الحصول عليها، حيث تعتبر هذه الآبار أقل عمقا من تلك الآبار، فهي تصل إلى تكوين المشرف عمقها بحدود6 آلاف قدم، ويفترض أن تكون كلفتها أقل بكثير من كلفة تلك الآبار لأن أعماقها أقل منها، فإن المعدل العام لكلفة البئر الواحدة إلى تكوين المشرف لا تزيد على مليونين ونصف المليون دولار في حقيقته، وفي وقت سابق، في17 شباط، كان السيد العميدي قد صرح إلى رويتر أيضا "نحن نفضل دعوة الشركات التي عملت سابقا مع شركة نفط الجنوب مباشرة أو مع شركة النفط الكورية الجنوبية، وشركة بريتيش بتروليوم، وشركة البترول الوطنية الصينية، حيث بهذا نسعى لاختصار الإجراءات والوقت اللازم للتعاقد ".

وهنا لدينا عدة أسئلة نثيرها لمزيد من الشفافية في الصناعة الاستخراجية:

كيف نفسر أن تكلفة البئر التي تصل إلى مكمن المشرف (بعمق6000 قدم) إلى عشرة ملايين دولار، في حين أن تكلفة البئر الواحدة التي تصل إلى مكمن الزبير الرئيسي العميق (بعمق11 ألف قدم) بحدود سبعة ملايين؟

فهل يمثل هذا الرقم (عشرة ملايين دولار) ثمن المضخة المغروسة في البئر والمنشآت التابعة لتزويدها بالطاقة الكهربائية؟

حتى لو كان ذلك صحيحا، فإن ثمن المضخة والمنشآة التابعة لا يزيد على مليون ونصف المليون دولار، في حين، وبعد إعادة الحسابات لكلفة بئر المشرف، كما أسلفنا، فإن كلفة البئر الواحدة بالفعل مليونين ونصف، ولنقبل بكلفة مضاعف، فربما تصل كلفة حفر البئر للمشرف خمسة ملايين أو أقل من ذلك، يضاف لها ثمن المضخة وتوابعها، فإن الثمن الإجمالي يمكن أن يكون ما بين ستة إلى ستة ونصف مليون دولار، فكيف حسبتها الوزارة بعشرة ملايين؟ لأن الفرق في هذه العقود الثلاثة فقط والتي تتضمن56 بئرا سيكون بحدود ال200 مليون دولار؟ وفي تقديري أكثر من ذلك.

هل نعتبر ما صرح به السيد العميدي من أن الوزارة تفضل العمل مع الشركات التي لها خبرة سابقة مع شركة نفط الجنوب والشركات صاحبة التراخيص بدعوى اختصار الإجراءات والوقت اللازم، فهل ما صرح به العميدي يعتبر سياسة جديدة للوزارة؟

لأن في الواقع:

  1. إن هذا التصريح يتنافى مع مبدأ التنافس الحر الذي من شأنه تقليل كلف الحفر والإنتاج بأقرب وقت ممكن، لكي نصل بها إلى كلف معقولة وتكون قريبة من كلف الحفر في دول الخليج في الجوار، ومن شأنه أيضا رفع مستوى العمل من حيث النوعية؟
  2. في التنافس الحر نستطيع ضمان الشفافية المطلوبة.
  3. في التنافس الحر نستطيع أن نساهم بدعم قطاع خدمي وطني متخصص بالصناعة الاستخراجية، حيث من شأنه تقليل كلف الإنتاج مستقبلا وضمان لصناعة وطنية بالكامل، ذلك الحلم الكبير.
  4. في التنافس الحر يمكن أن نوفر أهم أداة لمحاربة الفساد، لأن استمرار نفس الشركات في التنافس، يمكن أن يتسلل عدة أشكال من الفساد نحن بصدد محاربتها.

هذه النقاط الأربعة تتنافى مع ما ألزمت الوزارة به نفسها بأن تتبع سياسة تكافؤ الفرص والشفافية والتنافس الحر، فهل يعتبر هذا التصريح تراجعا عن سياسة الوزارة المعلنة؟

ثم أن الحديث عن استعمال مضخات غاطسة في آبار تكوين المشرف يجرنا إلى حديث آخر ذو أهمية بالغة، لأن هذه التكوين يحتوي على نفط قابل للاستخراج قد يصل إلى ثمانية مليارات برميل بواقع نسبة استخلاص20%، لكن العقود نصت بشكل واضح وملزم للشركات التي حصلت على عقود تطوير أن تستعمل أساليب الاستخلاص المعززEnhanced recovery methods ، في حين أن استعمال هذه المضخات يشير إلى أن اسلوب الاستخراج سيكون جائرا كما كان سابقا، بل أكثر جورا من ذي قبل.

في الواقع يجب أن يسبق استعمال هذه المضخات، فيما لو كنا مجبرين على ذلك، دراسات مكمنية لتحديد طريقة التطوير، تستعمل فيها تكنلوجيا حديثة جدا، ودراسات مصاحبة كثيرة، ومن ثم إقامة منشآة لضخ الماء، أو الغاز، أو كليهما معا بتعاقب، ومن ثم مراقبة تصرف المكمن لمدة تزيد على السنة بأقل تقدير، وهذا ما لم نسمع به إطلاقا من خلال متابعاتنا المتواضعة، السؤال الذي نتمنى الإجابة عليه:

كيف قبلت لجنة الإدارة المشتركةJMC هذا الأمر وكيف قبلت به شركة نفط الجنوب والوزارة؟ حيث أن معامل الاستخلاص بهذه الطرق الجائرة سيكون متواضعا جدا، في حين لو استعملنا طرق الاستخلاص المعزز قد نضاعف نسبة الاستخلاص أو أكثر من الضعف، وهذا يعني أننا قد نفقد ثمانية مليارت برميل، أي أكثر من احتياطي الجزائر، في الأرض.

ثم لم نسمع عن أي عمليات تدريب للكوادر العراقية في المعاهد العالمية للعمل للوفاء بمتطلبات هذه العقود، كما ولم نسمع عن أي برنامج تطويري للكوادر العراقية والتي لا يجب أن لا تقل ساعاتها عن25% من ساعات العمل سنويا، بغير عمليات التطوير هذه، ومهما غلى ثمنها، لا يجب أن نعول على تطوير يحقق ثوابتنا الوطنية، ذلك لأن كوادرنا عانت من الإهمال لسنوات طويلة جدا، في حين أن الذي يعمل في النفط في العالم أجمع يحصل في أقل تقديرعلى25% من ساعات العمل السنوي كساعات للتدريب، وفي العراق يجب أن تكون أكثر بكثير. هذا الأمر والذي سبقه، سنأتي عليها بشيء من التفصيل في مقالات لاحقة.

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com