1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: العراق وتنميته المؤجلة رغم تشكيل حكومة جديدة

٩ نوفمبر ٢٠٢٢

رغم التخمة المالية التي يشهدها العراق تعاني غالبية المواطنين من تراجع مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار. الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني وعدت بمحاربة الفساد وتحسين مستوى حياة الناس، فهل تنجح في ذلك؟

https://p.dw.com/p/4JAVk
شبكة الكهرباء العراقية في الموصل - أغسطس 2021
هكذا تبدو شبكة الكهرباء المهترئة في أحد أحياء الموصل العراقية، فهل الحكومة قادرة على تحديثها؟صورة من: Blondet Eliot/ABACA/picture alliance

أخيرا وبعد طول انتظار تشكلت الحكومة العراقية وتولي الوزير السابق محمد شياع السوداني مرشح "الإطار التنسيقي" رئاستها. وتأتي حكومة السوداني الذي يُعد من حلفاء رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بعد شلل سياسي دام أكثر من سنة حُرمت البلاد خلالها من فرص تنموية كبيرة ومن وضع موازنة تخصص الأموال لمشاريع البنية التحتية والخدمات العامة التي ما تزال في حالة سيئة وخاصة في قطاعي الكهرباء والمياه والغاز، رغم وضع خطط طموحة لم تجد طريقها إلى التنفيذ منذ سنوات.

ويرجع الخبراء ذلك إلى عدة أسباب أبرزها عدم اليقين في الوضع السياسي المضطرب والمتشرذم الذي يقيد ويعرقل، وأحيانا يشل تنفيذ مشاريع استراتيجية ذات أهمية كبيرة على مستوى العراق ككل. 

تدني مستوى المعيشة رغم الأموال الطائلة

تشهد العائدات المالية للدولة العراقية ارتفاعا قياسيا منذ خريف العام الماضي. وقد شهدت هذه العائدات قفزة كبيرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط. وهو الأمر الذي  ساعد البلاد على تجاوز العجز المالي وتحقيق احتياطات تقدر حاليا بنحو 87 مليار دولار أمريكي. رغم ذلك ما تزال غالبية العراقيين تشتكي من تدني مستوى المعيشة وتفشي البطالة والفقر وخاصة في صفوف الشباب. وتفيد آخر المعطيات المتوفرة بأن أكثر من ثلث الشباب العراقي عاطل عن العمل. وما استمرار الاحتجاجات الشعبية التي تندلع من فترة لأخرى منذ عام 2019 سوى انعكاس لحالة الغضب وعدم الرضى عن أداء النخبة السياسية الحاكمة وأدائها على الصعيد الاقتصادي. 

رئيس الحكومة العراقية الجديدة محمد شياع السوداني وحكومته - بغداد في أكتوبر 2022
العراقيون يعلقون آمالا كبيرة على الحكومة الجديدة برئاسة السوداني، فهل تتحقق هذه الآمال؟ صورة من: Xinhua News Agency/picture alliance

لماذا التفاؤل الآن بالحكومة الجديدة؟

الآن وعلى الرغم من الوضع السياسي القائم ينتظر العراقيون من  الحكومة الجديدة حسب رأي أكثر من مراقب قيامها باتخاذ إجراءات من شأنها تحسين مستوى المعيشة والخدمات الأساسية قبل حلول الصيف القادم حيث تتضاعف الحاجة للكهرباء والمياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتكييف المباني والمنازل ومتطلبات الزراعة. ومن العوامل التي تدعو إلى التفائل تحقيق العراق عائدات مالية قياسية هي الأعلى منذ نصف قرن. وتشكل عائدات الذهب الأسود 90 بالمائة من إيرادات الدولة. وتتراوح الإيرادات الشهرية منذ مارس/ آذار الفائت بين 9 إلى أكثر من 11 مليار دولار شهريا. ويضاف إلى ذلك تمتع الحكومة الجديدة بصلاحيات كاملة على غير حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي التي كانت تقوم بتسيير الأعمال دون أن تكون لديها صلاحية طرح مشروع الموازنة على البرلمان وتخصيص الأموال اللازمة لاستكمال وتحديث مشاريع البنية التحتية ومشاريع أخرى ذات أهمية استراتيجية في مجال الطاقة وغيرها.

أين مكافحة الفساد في برنامج الحكومة؟

وفيما يتعلق بشخصية رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني فإنه يتمتع بخيرة سياسية طويلة أيضا من خلال توليه أكثر من منصب وزاري، هذا ولم يتم تداول اسمه من ذي قبل في أوساط حيتان الفساد التي يريد محاربتها. وقد وعد بذلك في كلمته أمام البرلمان معتبرا أن "مكافحة الفساد على "رأس أولويات حكومته وأنه أخطر من جائحة كورونا" ، كما أنه "السبب في مشاكل اقتصادية واجتماعية شتى وعلى رأسها تفشي الفقر والبطالة وضعف الخدمات العامة". 

نخيل العراق يعاني الحروب والأهمال والجفاف - أشجار نخيل في منطقة البصرة - أيلول 2022
بلاد النخيل تحولت إلى كارثة للنخيل ومستورد للتمور من السعودية ودول الخليج الأخرى، فهل من سبيل لإحياء هذه الزراعة؟ صورة من: HUSSEIN FALEH/AFP/Getty Images

وكخطوة أولى على هذا الصعيد أعلن السوداني اتخاذ إجراءات بحق خمس شركات متورطة باختلاس 2,5 مليار دولار من أمانة الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين الحكومي. وتُظهر عملية الاختلاس هذه إن صحت كما تم تداولها في وسائل الإعلام، مدى سطوة الفاسدين وداعميهم في دوائر الدولة على حساب المشاريع التنموية الحيوية للعراقيين ومصادر رزقهم وعيشهم. وفي هذا السياق قال وزير النفط العراقي السابق إحسان عبد الجبار إن "هذه الجريمة الاقتصادية امتداد لمخالفات أصغر حجما، لكنها أكثر عددا ومنتشرة في عدد من دوائر وزارة المالية ومستمرة منذ سنوات. وهو ما يكشف حجم الانهيار الاقتصادي في العراق وضياع الجزء الأكبر من إيرادات الدولة عبر السيطرة عليها من قبل مجموعات متمرسة، ما يشكل انحرافا شديدا عن ركائز الاقتصاد السليم".

إن وضع مهمة مكافحة الفساد على رأس  أولويات الحكومة العراقية يحظى بتأييد الغالبية الساحقة من العراقيين الذي يعانون الأمرين منه. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن لهذه الحكومة أن تنجح في مواجهة مشكلة أضحت جزءا لا يتجزأ من ثقافة النخب السياسية الحاكمة الفاعلة، حسب إجماع المراقيين والعارفين بالشأن العراقي؟ هذا ولم تنتصر أية حكومة عراقية في هذه الوجهة على مدى العقدين الماضيين رغم بعض النجاحات هنا وأخرى هناك. وبهذا الشأن لا ينبغي إهمال حقيقة أن الأحزاب والنخب التي تدعم حكومة السوداني في البرلمان ليس لها مصلحة في القضاء على الفساد. ومن أسباب ذلك أنها هي أيضا جزء من المنظومة السياسية التي تستفيد من امتيازات نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية السائد في البلاد والذي ترعرع الفساد في ظله.

تظاهرات في بغداد بالذكرى الثالثة لـ"ثورة تشرين"

الحكومة وضرورات المرحلة الراهنة

مما لا شك فيه أن إعطاء الأولوية لمكافحة الفساد أمر محق في الحالة العراقية. غير أن تحقيق النجاح على هذا الصعيد يحتاج إلى مقومات وشروط ليس بالأمر السهل تحقيقها. كما أن توفيرها يحتاج أيضا إلى وقت ونفس طويلين. وحتى ذلك الحين لا ينبغي ترك مستوى معيشة العراقيين يتراجع في وقت تحقق فيه البلاد إيرادات قياسية من مبيعات النفط. ومن هنا فإنه حري بالحكومة أن تسرع في الوقت الحالي إلى اتخاذ إجراءات تؤدي إلى تحسين هذا المستوى، ومن بينها تحسين سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي ووضع حد للتضخم وزيادة الأسعار من خلال رفع الأجور والرواتب. ويدعم مطلب رفع سعر صرف الدينار الإطار التنسيقي الذي أوصل السوداني إلى رئاسة الحكومة، غير أن بيان حكومته لم يشر إلى ذلك. هذا وينبغي على هذه الحكومة أيضا العمل على دفع الاستثمارات الحكومية في المشاريع التي حدث بطء أو تجميد في تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية لأسباب من أبرزها الشلل والصراعات السياسية وتبعات جائحة كورونا. ومن بين هذه المشاريع على سبيل المثال لا الحصر تحديث قطاع الكهرباء واستغلال الغاز المصاحب للصناعة النفطية وبناء محطات طاقة شمسية وتعزيز مصادر المياه والأمن الغذائي ومواجهة التصحر والجفاف. 

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى مؤسسة دويتشه فيله الألمانية
ابراهيم محمد: مشاكل العراق الاقتصادية متعددة، فهل تفلح الإيرادات المالية الضخمة في حلها؟ صورة من: Boris Geilert/DW

وعلى صعيد القطاع الخاص فقد حان الوقت لدفع عملية إشراكه في التنمية وخاصة في مجال الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة العالية. وهو الأمر الذي لا يتطلب من الحكومة توفير القروض الميسرة وحسب، بل أيضا تقديم الاستثمارات والمساعدة في التأهيل المهني وتسويق منتجات هذه الصناعات. وفي ظل الظروف الناتجه عن الحرب الأوكرانية أمام العراق فرصة تادرة، لإعادة إحياء زراعته وصناعاته في مجالات الأغذية والأدوية والأجهزة المنزلية وغيرها.

وهكذا فإن الحكومة العراقية تواجه تحديات اقتصادية صعبة للغاية كما عبر عن ذلك أيضا فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العقاري. لكن السؤال، هل ينجح برنامجها في مواجهة هذه التحديات، لاسيما وأن الأموال اللازمة لتنفيذ البرنامج متوفرة؟ على أية حال فإن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على أداء حكومة السوادني، غير أن الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ستظهر مدى قدرتها على وضع الاقتصاد على مسار السكة الصحيحة.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد