1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"العشاء الأخير" بالأردن ـ حين تصطدم حرية الفن بـ"المقدس"

مريم مرغيش
١١ ديسمبر ٢٠١٨

ضجة واسعة أثارتها صورة نشرها موقع "الوكيل" الأردني، بعد أن اعتبرها كثيرون مسيئة للسيد المسيح. الصورة مستوحاة من لوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دا فينشي، وقد تسبب نشرها في إيقاف صحافيين بالموقع مقبل المدعي العام الأردني.

https://p.dw.com/p/39txZ
Leonardo Da Vincis Das Letzte Abendmahl
صورة من: imago stock&people

جدل واسع خلفته صورة نشرها الموقع الإخباري الأردني "الوكيل". الصورة اعتبرها البعض مسيئة للمسيح، فيما قال آخرون إنها إهانة للمسيحيين ودينهم. وكانت الصورة ضمن المنشورات التي شاركها الموقع عبر صفحته الرسمية بـ "فيسبوك"، وتتضمن رسم "العشاء الأخير" للسيد المسيح وبجانبها صورة للشيف التركي المشهور بطريقته برش الملح على الطعام، إضافة إلى وسم صورة السيد المسيح على قدم أحد الحضور في الصورة.

بالمقابل قالت جهات أخرى إن نشر الصورة محاولة إلهاء الشارع عن دعوات الاحتجاج على الممارسات الحكومية، لا سيما إقرار قانون ضريبة الدخل.

المنشور أثار غضب الفعاليات المسيحية في الأردن، إذ هدَّد عدد من أهالي بلدة الفحيص، التي تسكنها أقلية مسيحية، بإلغاء الاحتفالات السنوية لذكرى ميلاد السيد المسيح إذا لم تتخذ الحكومة إجراء ضد من "يمارس الفتنة" في الأردن.

 

ولحدود الساعة لم يخرج الطاهي التركي الشهير نصرت غوكشيه، بأي تصريح بخصوص الصورة التي كان يقف فيها خلف المسيح وهو يؤدي حركته الشهيرة برش الملح على العشاء المقدم أمام المسيح.

يُشار إلى أن نسبة المسيحيين تتجاوز ستة بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم 6.6 مليون نسمة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُثار فيها ضجة بعد نشر صور تتعلق بالدين، فقبل سنوات أثار رسما كاريكاتوريا قيل انه للنبي محمد نُشر على مجلة "شارلى إيبدو" الفرنسية ضجة واسعة بين المسلمين في العالم. وفي نهاية 2005 تسببت صور رسمها رسام كاريكاتير، في مظاهرات كبيرة ندد فيها المسلمون بالحكومة الدنماركية.

وبالرغم من حذف موقع "الوكيل"، أحد أكثر المواقع الإخبارية شعبية في البلاد، للصورة ونشر بيان اعتذار أكد فيه أن ما حدث كان خطأً إحدى المتدربات في الموقع، وأنه قد تم اتخاذ الإجراء الإداري الذي تستحقه، إلا أن الاعتذار لم يحد من وابل الاحتجاجات التي عكستها مواقع التواصل الاجتماعي وتجاوز ذلك إلى طرح سؤال: متى قد يتحول الفن من حرية تعبير إلى إهانة للدين؟

مجرد خطأ!

بعد الضجة الكبيرة التي أثارها موقع "الوكيل" الأردني، قرر الادعاء العام في الأردن توقيف المذيع محمد الوكيل ناشر الموقع والمحررة الصحافية على خلفية نشر صورة على مواقع التواصل الاجتماعي اعتُبرت مسيئة للسيد المسيح، بحسب مصدر قضائي.

وفي اتصال هاتفي بالموقع، تحدث مدير تحريره، مجدي الباطية، لـDWعربية بخصوص الموضوع. الباطية أكد في حديثه على أن الصورة نُشرت عن طريق الخطأ، وقال إنها واحدة من بين 8 صور أخرى لم تُنشر على الموقع وإنما على حساب الموقع بـ"فيسبوك" تحت عنوان: ماذا لو استمر الرسم الكلاسيكي حتى عصرنا الحالي؟

وحسب المتحدث نفسه، فقد تم حذف الصورة بعد نصف ساعة من نشرها نتيجة ردود الفعل حولها.

<iframe src="https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FwakeelNews%2Fvideos%2F2369548333273846%2F&show_text=0&width=560" width="560" height="315" style="border:none;overflow:hidden" scrolling="no" frameborder="0" allowTransparency="true" allowFullScreen="true"></iframe>

وجاء في بيان الاعتذار :"نشير هنا إلى أنه ومن ضمن المنشورات التي يتم نشرها يوميا، تم نشر منشور مقتبس من صفحات عربية وعالمية، لم نقصد فيه الإساءة  للإخوة المسيحيين في وطننا الغالي، ونؤكد أن المنشور تم تداوله عبر صفحات عربية وعالمية على أساس أنه ثقافي منوع يتحدث عن استمرار الرسم الكلاسيكي حتى وقتنا الحالي".

ووفق ما صرح به باطية فقد تم استدعاء ناشر الموقع، محمد الوكيل ورئيس تحرير الموقع ومديرة تحرير الموقع، فضلا عن الصحافية "المتدربة" التي نشرت الصورة. وقال "إن المدعي العام تأكد أن الصورة لم تكن مقصودة، وأن الصحافية كانت متدربة بقسم المنوعات الذي لا يخضع للرقابة من طرف مدير التحرير أو رئيسه، باعتبار هذا القسم ينشر في الغالب فوائد الفواكه والخضر.."

إهانة للمسيحيين!

التدقيق في تصريح مدير تحرير موقع الوكيل، قد يجعل كثيرين يتساءلون كيف لموقع ألا يُراجع عمل صحافي خاصة لو كان متدربا، وينشره مباشرة؟

هذا السؤال طرحته الإعلامية ، رولا السماعين. رولا أكدت في حديثها لـDWعربية، أن الصورة خلفت استياءً مجتمعيا، واعتبرت أن "توريط" المتدربة حجة، إذ يجب على رئيس التحرير تحمل المسؤولية ومراقبة العاملين معه.

المتحدثة نفسها قالت: "الصورة لا تؤذيني كمسيحية ولا تؤذي مجموعة من المسيحين وكذلك المسلمين، لكن لا نقبل بها حين تأتي في وقت غير مناسب"، وتابعت: "ونحن لا ندرك معنى حرية التعبير وحدودها".

<iframe src="https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Frula.samain%2Fposts%2F10155492705756685&width=500" width="500" height="236" style="border:none;overflow:hidden" scrolling="no" frameborder="0" allowTransparency="true" allow="encrypted-media"></iframe>

وبالرغم من تأكيد الموقع على أنه أعاد نشر الصورة التي نشرتها مواقع أخرى، إلا أن السماعين شددت على ضرورة احترام الأديان والقانون الأردني الذي يمنع ازدراء الأديان، حسب حديثها.

ويبدو أن ردود الفعل حول الموضوع لم تقتصر على المسيحيين وإنما على مسلمين أيضا، اذ رأوا في الصورة إهانة للمسيح ولا تمت بصلة لحرية التعبير، وهو ما تناقلوه عبر صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان عضو مجلس النواب عن منطقة الفحيص النائب فوزي طعيمة طالب الحكومة  بمحاسبة ناشر الموقع. وأعرب في مداخلة بجلسة تشريعية أمس عن استغرابه من سلوك مالك الموقع، خاصة أنه يتمتع بخبرة طويلة، قبل أن يؤيد نواب "الإخوان المسلمين" ما جاء في كلمة طعيمة.

للفن حدود؟

متابعة التعليقات والمنشورات على الشبكات الاجتماعية تجعلك تعرف أن هناك فهم مختلف لدى الأشخاص بخصوص فهمهم لعلاقة الدين بالفن. صنف من هؤلاء يرى في الفن حرية تعبير لا حدود لها، وصنف آخر يؤكد أن "للفن حدود" وأنه من الضروري احترام الدين وعدم تسخيره في أمور قد تجرح عقيدة أشخاص معينين. ولكن كيف يتحول الفن من حرية تعبير إلى إهانة للدين؟

مالك عثامنة، إعلامي أردني مقيم في بلجيكا، يرى أن الفن يبقى فنا، إلا أن إضفاء طابع من السخرية على لوحة فنية هو تعبير عن موقف معين. عثامنة أشار في كلامه لـDWعربية، إلى أن لوحة ليوناردو دافنتشي لوحة فنية تصور حالة في غاية الإبداع والجمال والإضافات التي تمت زيادتها هي سخرية وتعبر عن موقف.

وفي هذا الاتجاه يقول الإعلامي الأردني أيضا: "لا أعتقد أن هناك ضرر يمس الله بهذه الصورة، لأن الله مطلق القدرة لن يتضرر من هذا الشيء أبدا ".

<iframe src="https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Frula.samain%2Fposts%2F10155492567551685&width=500" width="500" height="274" style="border:none;overflow:hidden" scrolling="no" frameborder="0" allowTransparency="true" allow="encrypted-media"></iframe>

صحيفة "الغد" الأردنية نقلت أن مدعي عمان العام وجه يوم الاثنين (10 ديسمبر/ كانون الأول)، لمحمد الوكيل 7 تهم من بينها إثارة النعرات الطائفية والمذهبية. التهم قال البعض إنها قد تدفع مؤسسات كثيرة إلى اتخاذ الحذر بخصوص التعامل مع هذه "مواضيع حساسة"، لكن البعض قد يعتبر الأمر "رقابة" على الفنانين وكذلك الصحافيين، وهو ما يذهب إليه عثامنة، الذي يرى في الأمر "مهنية" لا "رقابة"، ويقول : "لا ندعو إلى رقابة ولكن ندعو إلى مهنية في الإعلام".

ويضيف الإعلامي الأردني لـ DW عربية: "أنا ضد توقيف الوكيل أو زميلته الصحافية المتدربة. لا يجب إيقاف أي صحافي تحت تهمة الحريات، لكن إذا كان هناك متضررون من الأردن فيجب الاتجاه إلى القضاء ليأخذ مجراه، لكن التوقيف والحبس هو مشهد سياسي مشوه وممسوخ".

مريم مرغيش