1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أحمد فؤاد نجم: الفن الجيد هو فن سياسي بامتياز

٤ ديسمبر ٢٠١٣

رغم أن هذه المقابلة مع الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم تعود لعام 2009، فإن DW عربية تقوم بنشرها نظرا للمكانة التي يحتلها الراحل. الفاجومي يتحدث فيها عن شعوره بالذنب تجاه رفيق دربه الشيخ إمام وعن الإبداع بالعامية المصرية.

https://p.dw.com/p/1ASxl
Ahmed Fouad Nejm Dichter aus Ägypten Archiv 2005
صورة من: Cris Bouroncle/AFP/Getty Images

هيمن حزن عميق على الأوساط الثقافية في العالم العربي برحيل "الفاجومي" و"شاعر الفقراء وسفيرهم"، أحمد فؤاد نجم. فارس للكلمة نذر سنوات عمره من أجل التحدث باسم الفقراء والتنديد بكل ممارسات الطغاة. بهمة شاب وعفويته حلم بدول عربية خالية من الظلم، حلم لم توقظه منه حتى قضبان زنزاناته. رحل الفاجومي وبقيت قصائده تتغنى بالحرية وبأوطان لا تقبع أحلامها في غياهب السجون.

تنفرد DW عربية اليوم بنشر مقابلة مع الفقيد الكبير أحمد فؤاد نجم خلال زيارته إلى المغرب للمشاركة في فعالية المعرض الدولي للكتاب في 6 آذار/ مارس 2009. وكانت هذه زيارته الثانية للمغرب، إذ زار المغرب للمرة الأولى صيف 1986 ولكن بجواز سفر ليبي. وإليكم نص الحوار:

DW عربية: لو طلبت منك أن تقيم تجربة الشاعر أحمد فؤاد نجم، ماذا ستقول؟

أحمد فؤاد نجم: أستطيع القول بكل اطمئنان: إنني فخور بهذه التجربة، وإذا أعاد الزمن نفسه، سأختار من جديد أحمد فؤاد نجم، هذا الطفل اليتيم الذي شق طريقه بكل إصرار. لا توجد تجربة خالية من الأخطاء. أخطاؤنا كانت مرتبطة بالمال. لقد كنا، أنا والشيخ إمام فقيرين. كان لنا مبدأ في الحياة: ألا نطلب المساعدة، ولكن لا نرفضها إذا عُرضت علينا.

كان هدفنا أن ننشر عند أكبر عدد ممكن من الجمهور. وبدأنا نشجع فكرة تسجيل شرائط "الكاسيت" وتوزيعها بشكل كبير، إلى أن انتشرنا في أوروبا قبل العالم العربي. إنها تجربة شارفت على الخمسين سنة، وأنا راض عليها تماماً. أشكر الناس الذي صدقوني واحتضنوني، كي أقوم بما قمت به.

بمناسبة حديثك عن الأخطاء، هل تتذكر بعضها؟

(يصمت قليلاً...) خطأي الأساسي، ولو أنني لا أحب أن أبوح به: إنني لم أحافظ على الشيخ إمام وتخليت عنه. كان يلح علي بعدم التخلي عنه. لأنه كفيف وإنسان طيب. لقد تخليت عنه، وفسحت المجال أمام المكتب الثاني الفرنسي والمخابرات الجزائرية وأبو عمار ليتلاعبوا به. كلهم كانوا شركاء في ضرب هذه الظاهرة.

كان ذلك يحدث رغماً عني، كنت أضطر للابتعاد عنه أربع ساعات في اليوم للذهاب إلى بيتي ورؤية بنتي. لقد استغلوا هذه الساعات الأربع ليلعبوا بنا ويخترقوننا. وبالرغم من ذلك، فإن الجميل في تجربتنا هو أنها تخطت حدود مصر ووصلت إلى العالم العربي وإلى بقية العالم. وعندما تتأسس في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحدها ست فرق تغني أغانينا، فهذا أمر رائع جداً.

كل هذه الأمور ساعدتنا على تجاوز المحن من تعذيب وسجن وقهر. فالشيخ إمام، هذا الإنسان الكفيف قضى ثلاث سنوات في سجن انفرادي. إنها قمة البشاعة. حكى لي أن زعيم الجبهة الشعبية الديمقراطية نايف حواتمة وسالم ربيع علي رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية(السابقة)، طلبا من جمال عبد الناصر على هامش إحدى القمم العربية بالعفو عنا، فرد قائلاً بنوع من الحقد: "لن يخرج نجم من السجن ما دمت حياً". بعد اختتام القمة بساعة واحدة، تعرض لنوبة قلبية فمات.

Ahmed Fouad Nejm Ägypten Dichter
صورة من: DW/M. Massad

كيف ترى العلاقة بين البعد الجمالي والالتزام في الشعر؟

أولاً، لا يوجد فن خال من السياسة. الفن الجيد هو سياسي بامتياز. ثانياً، الواقع الأليم الذي تعيشه أمتنا العربية، لا يترك لك مجالاً للمرور دون الحديث عن أوضاعه السياسية. وهذا يشمل الشعر العامي بمحطاته الثلاث، منذ عبد الله النديم إلى أحمد بن عروس إلى المحطة الثالثة التي أمثلها، مع كامل الاحترام إلى كل شعراء العامية في مصر، من أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وفؤاد قاعود وزين العابدين فؤاد.

أسمي العامية المصرية بالعامية العربية، لأنها قريبة من اللغة الفصحى. ومفردات اللغة المصرية أكثر من مفردات اللغة الانجليزية، إذ تضم أكثر من ستمائة وخمسين ألف مفردة. هذا بالإضافة إلى أنها لغة مفتوحة على اللغات الأخرى. إنها روح متجددة، لأن الشعب المصري شعب متكلم. لدي قصيدة لا علاقة لها بالسياسة، لكن تعمدت أن أستخدم فيها كلمة "البتاع" التي لا نظير لها في أي لغة في العالم. إنها العامية المصرية، لغة جبارة؛ "ابنة كلب". بالنسبة لي أن العامية المصرية هي الإبداع الحقيقي الحضاري للمصريين. يمكن لي أن أقول: إن العلاقة متداخلة بين البعد الجمالي والالتزام في القصيدة.

هل من قصيدة أحب إليك في مسارك الشعري؟

طبعاً، يرتبط الأمر بالحالة المزاجية، غير أن قصيدة الليل التي كتبتها في سنة 1964، تبقى أحب القصائد إلى قلبي. إنها قصيدة تتعرض إلى ليل القاهرة الذي أعتبره ليل أسطوري. الليل ملاح/تايه سواح/ لا بيوصل شط/ ولا بارتاح/ الليل مشحون باسرار وشجون وألم ونغم/ وكاسات ونايات ودموع وآهات وعبر وحكم/ ومشيت في الليل/ خجلان مكسوف/ إكمن الليل عريان مكشوف/ أفراح الناس/ وجراح الناس/ على صدر الليل عناقيد وصفوف/ وعيون الليل والظلمة جبال/ فاردين على وش السما غربال/ ألماظ مبدور/ في كاسات بنور/ يفرش للنور ع الأرض خيال.

كيف يقضي الشاعر أحمد فؤاد نجم يومه؟

أستيقظ على الساعة السادسة صباحاً، حتى لو خلدت للنوم في ساعة متأخرة. أستيقظ وأتبضع لوازم الفطور. وبعد ذلك أشاهد الأخبار. ثم أتفرغ ساعات للكتابة والقراءة. لابد لي أيضاً من الخروج لقضاء بقية النهار وسط الناس، أسمع لنبضهم. وعندما يحل الليل أنام حيث يغلبني النوم. أما بخصوص الأكل، فلا طقوس لدي، عندما أتذكره أتناول ما أجد أمامي.

هذه زيارتك الثانية للمغرب، وهي شرعية، ماذا تقول؟

تأتي زيارتي اليوم إلى المغرب بطريقة شرعية وبناء على دعوة كريمة من وزيرة الثقافة. وهذا انتصار للشعب وانتصار للناس ولنظريتي التي استنتجتها من زيارتي الأولى للمغرب: "البقاء للشعوب، أما الحكام فعرض زائل".

وهلا حدثنا عن زيارتك الأولى له؟

كان ذلك في صيف 1986. وقتها كنت في ليبيا، وقد حملت الأخبار زيارة شيمون بيريز السرية للمغرب. اعتبرت هذه الزيارة كخرق للاتفاقية المبرمة بين المغرب وليبيا. شخصياً كنت قلقاً من ردة فعل القذافي على هذه الزيارة، فطلبت منه ضبط النفس والابتعاد عن الشتيمة حتى لا يكون ذلك ذريعة للمغاربة. كان رده غريباً عن طبيعة شخصية القذافي، حيث أجابني بحكمة قائلاً: "إن جلالة الملك الحسن الثاني، هو بمثابة الأخ الأكبر، وأنه ملتزم باتفاقية وجدة وحريص على تمثين العلاقة بين الشعبين".

وجدتني أمام هذا الجواب، أخبره برغبتي في زيارة المغرب. عندها أمر باستخراج جواز سفر ليبي يحمل اسم "نجم الدين أحمد عبد العزيز".

(يضحك ويعلق باللهجة المصرية): "الله يا ابني ما فيش أسماء في الدنيا، إلا هذا الاسم القريب من اسمي الحقيقي"، أحمد فؤاد عزت نجم، شوف عبقرية موظف الجوازات".

مرت الأمور على خير، ودخلت للمغرب لأستقر في فندق صغير في الدار البيضاء يحمل اسم الموحدين. بعد فترة وجيزة، قرأت على صحيفة الاتحاد الاشتراكي، خبراً عن تنظيم أربعينية للمسرحي الشاب حوري الحسين الذي انتحر. عندها قررت الذهاب إلى مكان الحفل التأبيني. غيرت من هيئتي، ودخلت من باب خلفي. فجأة سمعت صوت الشاعر المغربي حسن نجمي الذي كان يترأس الحفل، وهو يقول: "الآن يلتحق بنا الشاعر العربي الكبير أحمد فؤاد نجم"، لترتفع الهتافات وأغاني الشيخ إمام.

في ظل هذا الحماس تناولت الكلمة وتوجهت بكلمة للحاضرين، "قلت لي ليها ليها" لقد انكشف أمري ولم أعد "نجم الدين أحمد عبد العزيز". طلبت الصمت من الجمهور، وأخبرتهم أن لا أحد مسموح له بالكلام، خاصة وأن الأمر يتعلق بتأبين مسرحي شاب موهوب. عرفت فيما بعد أن الكاتب المسرحي محمد بهجاجي هو من تعرف علي وفضح أمري.

بعد هذه الأمسية انطلقت كالوباء في المغرب، أحيي حفلات القراءات الشعرية. أتذكر جيداً أنه في إحدى الفعاليات، تم تخريب وحدة الصوت، فتطوع شاب وأحضر وحدة صوت من منزله، ونحن ننتظر رجوعه، ارتفعت قاعة المسرح بالغناء: "دور يا كلام/ على كيفك دور/ خلي بلدنا تعم في النور/ ارمي الكلمه في بطن الظلمه/ تحبل سلمى و تولد نور/ يكشف عيبنا و يلهلبنا لسعه في لسعه/ نهب نثور".

وقتها أغرورقت عيناي وبكيت. بقيت على هذا الحال أتجول بين المدن المغربية إلى أن اتصل بي الكاتب المغربي محمد برادة، الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب، ليخبرني بأن "مدير الأمن يترجاني أن أغادر المغرب، وإلا سيذبحه الملك الحسن الثاني". لملمت أغراضي وغادرت المغرب شبه مطرود.

حاوره: محمد مسعاد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد