1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أبو زيد يدعو إلى قبول تحدي الحداثة من منبر ابن رشد

٢٦ نوفمبر ٢٠٠٥

تسلم المفكر نصر حامد أبو زيد في برلين جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لجهوده في إصلاح الفكر الديني. أبو زيد المقيم في منفاه الاضطراري أكد على الحاجة إلى لديموقراطية الحقة وجوهرها حرية الفرد، وتبرع بقيمة الجائزة للمؤسسة.

https://p.dw.com/p/7WhU
نصر حامد أبو زيد في مؤتمر بدويتشه فيلّهصورة من: DW

لا يتوقف التشابه بين مسيرة الفيلسوف ابن رشد ومسيرة المفكر نصر حامد ابو زيد على تطبيقهما للمنهج العقلاني في البحث، بل يتعداه إلى الإنكار والقمع الذي واجهته افكارهما من قبل مجتمعيهما، وإلى الثمن الذي دفعه كل منهما نظير تلك الأفكار أيضاً. ابن رشد المفكر الإسلامي العقلاني الذي عاش في الأندلس منذ عشرة قرون، اضطهده الفقهاء المتحالفون مع السلطة السياسية، وانتهي أمره بمنشور أصدره الخليفة المنصور يحرم الفلسفة، ويأمر بحرق كتبه، وطرده من الأندلس. أما المفكر والباحث المصري ابو زيد(المولود عام 1943) فقد حرم من حقه في نيل درجة الأستاذية في الجامعة التي كان يُدرس فيها، جامعة القاهرة، بسبب تقرير يتهمه بالكفر والإلحاد بسبب أفكاره حول النص القرآني. وانتهى الأمر برفع دعوى من قبل محامين اسلاميين للتفريق بينه وبين زوجته بدعوى ارتداده عن الدين، حتى صدر عام 1996 حكما بالتفريق، ومن يومها والمفكر يعيش مع زوجته في منفاهما الاضطراري في هولندا.

واليوم تكرم المؤسسة التي تحمل اسم الفيلسوف ابن رشد صنوه المعاصر نصر حامد أبو زيد، وتمنحه جائزة حرية الفكر لجهوده العلمية في الإصلاح الديني والتقريب بين الحداثة والفكر الديني الاسلامي. ومؤسسة ابن رشد التي تتخذ من برلين مقرا لها هي مؤسسة مستقلة أنشأها ليبراليون عرب عام 1998 بمناسبة مرور 800 عام على وفاة الفيلسوف ابن رشد، والمؤسسة لا تقع تحت تأثير أيّة حكومة أو سُلطة دينية كما يقول بيانها، وتهدف إلى الارتقاء بالفكر العربي وتحقيق مبادئ الحرية والعدل الإجتماعي. تمنح المؤسسة التي تمول عن طريق تبرعات الأعضاء والأصدقاء جائزة سنوية رمزية قيمتها 2500 يورو (3000 دولار) تقدم لأحد الأفراد أو الهيئات التي يسهم عملها في تعزيز حرية الفكر. منحت الجائزة في الأعوام الماضية إلى الروائي صنع لله ابراهيم والمفكر محمد اركون والسياسي عزمي بشارة وقناة الجزيرة الفضائية.

مفهوم النص عند ابو زيد

Abu'l-Walid Ibn Rushd (1126-1198)
فيلسوف العقل الإسلامي أبو الوليد إبن رشدصورة من: npb

اقيم حفل توزيع الجائزة في مبنى معهد جوته في برلين يوم أمس الجمعة، وحضره السفير المصري ولفيف من الإعلاميين والصحافيين. بدأ الحفل بكلمة ممثل مؤسسة ابن رشد رحب فيها بالحضور، تلتها كلمة الدكتورة روتراود فيلاند البروفيسورة في جامعة بامبرج، تتبعت فيها رحلة ابو زيد الفكرية العصامية منذ بداياته كعامل لاسلكي حتى اعتلائه اليوم كرسي "ابن رشد" في جامعة الإنسانيات بمدينة أوترخت الهولندية. واقتربت الدكتورة فيلاند في كلمتها من المحور الأساسي في فكر ابو زيد وهو موضوع العلاقة بين النص القرآني والمتلقي، وهو المحور الذي تفرع عنه العديد من الاهتمامات البحثية.

وأشادت فيلاند بالتلاقح الفكري الذي يميز أعمال ابو زيد، فبجانب تمكنه الكامل من مناهج التفكير الإسلامي يتعامل ابو زيد برحابة صدر مع النظريات الغربية. وأوضحت فيلاند أن مفهوم ابو زيد للنص، المبني على إنجازات يوري لوتمان الأدبية وكلود شانون العلمية، ينطلق من أن القرآن علميا نص في الدرجة الأولى، لهذا تنطبق عليه حسب رأيه نفس القوانين التي تنطبق على أي نص آخر. وحسب هذا النموذج يجب أن نفهم النص قياسا إلى استقبال مرسلات إذاعية مكتوبة بالشفرة: لكي يفهم المتلقي النص القادم إليه، يجب على المرسل أن يرسل النص بشفرة يعرفها المتلقي. والنص القرآني المنزل بالوحي هو بمثابة إرسال لغوي من الله إلى البشر. ولكن اللغة تستخلص معانيها الدقيقة أساسا من الأعراف والتقاليد البشرية التي تعكس الأفق الحضاري والتاريخي لمحيط الناطقين بها. بهذا يتضح أن حتى الله كان لا بد أن يستخدم شفرة اللغة والحضارة الخاصة بالمتلقين الأوائل لرسالة النبي. وبما أن لغة وتصورات الناس في أواخر القرن العشرين تختلف جذريا عن لغة وتصورات المسلمين الأوائل فإن من واجب المفسريين الحاليين ترجمة ما يريد الله أن يعبر عنه في القرآن وذلك من شفرة لغة وحضارة تلك الفترة الماضية إلى لغة ومستوى فكر قارئي القرآن ومستمعيه اليوم.

تحرير الماضي بدلا من عبادته

Islam, Buch
القرآن الكريم: فهم كلام الخالق عز وجل يتطلب تفعبل العقل، واعمال الفكر النقديصورة من: AP

مثل ابن رشد مد ابو زيد جسرا بين الحضارة العربية والأوروبية لكن وفق متطلبات زمن آخر، فالآخر الأوروبي ظهر في أفق الوعي العربي منذ القرن التاسع عشر مسلحا بكل أنماط القوة، قوة السلاح وإرادة السيطرة من جهة، وقوة العلم والعقلانية وقيم التطور والحداثة من جهة أخرى. هذا السياق الملتبس الذي يمثل فيه الآخر مصدرا للتحدي ومصدرا للإلهام في الوقت ذاته فرض على الخطاب الإصلاحي الإسلامي أن يكون سجاليا حينا واعتذاريا في أغلب الأحوال. وللدفاع عن الإسلام ضد منتقديه ميز الإصلاحيون الأوائل، خاصة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، بين الإسلام بقيمه السامية وبين المسلمين المتخلفين. وهو ما خلق مرجعية للماضي العقلاني الحضاري بوصفه يوتوبيا يمكن العودة إليها وتحقيقها في الحاضر. اما مشروع ابو زيد الإصلاحي فيقوم على معالجة الاسئلة المكبوتة في الماضي وتحرير طاقتها لينفتح الحاضر على آفاق واسعة جديدة.

Professor Dr. Nasr Abu Zaid
البروفيسور أبو زيدصورة من: Markus Kirchgeßner

وفي كلمته أمام الحفل وضع ابو زيد أعماله الفكرية في سياقها التاريخي الواسع، فهي محاولة للاقتراب من تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري(التاسع ميلادي)، حيث قامت السلطة السياسية ممثلة بالخليفة العباسي المتوكل بحسم نقاش فكري هام حول "خلق القرآن” بالقوة، فقمعت رأي المعتزلة واضطهدت شيوخهم، وانتصرت لرأي الشاعرة وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم” هي العقيدة الوحيدة المقبولة. ومن يومها وباب النقاش الفكري في شئون الدين مغلق. لذلك يرى ابو زيد ان تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية، القرآن والسنة، ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت منذ القرن الثالث الهجري، فبدون استعادة السؤال المكبوت حول طبيعة كلام الله سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. ووفقا لأبي زيد فإن التمييز بين التاريخي والأزلي في النص سيجعلنا ندرك فحوى كلام الله ودلالاته. فعندها سنكتشف مثلا ان الحدود العقابية من قطع يد السارق وجلد الزاني...الخ هي قيم سابقة على القرآن، فالأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك اننا لا يصح ان ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي.

الحرية ضرورة لقبول تحدي الحداثة

Mohammed Arkoun auf der Frankfurter Buchmesse
المفكر محمد اركون، رفيق فكر أبو زيد وصديق روح إبن رشدصورة من: dpa

اكد ابو زيد على حاجة مجتمعاتنا للديموقراطية، وجوهرها الحرية الفردية. ففي مناخ ديموقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي. عندها يمكن أن تظهر مدارس تبحث في الأديان وتاريخها ولاهوتها ومناهج تفسيرها، وهو أمر يختلف جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان وكيفية ممارسة شعائرها. ثم دعا إلى قبول تحدي الحداثة، المتمثل في مواجهة ومحاورة نظريات علمية غربية او اكتشافات حديثة تحمل أفكارا تصطدم مع أفكارنا، بدلا من سلوك النعامة الذي نصر عليه دوما. وضرب مثلا بكتاب المستشرق الألماني نولدكه "تاريخ القرآن" الذي منع في لبنان مؤخرا رغم كتابته في القرن التاسع عشر. وأضاف عندما نفهم تراثنا فهما نقديا سنستطيع ان نمتلكه ونبني عليه الجديد، بدل ان يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

Islamisches Fest: Eid al-Adha in der Moschee Jama Masjid in Indien
الإسلام دين حدي وليس حدوديصورة من: AP

وفي نهاية كلمته أعلن ابو زيد تبرعه بالقيمة المادية للجائزة إلى مؤسسة ابن رشد، كتحية لها على الدور الذي اخذته على عاتقها. وتمنى لها دوام التوفيق والنجاح في دعم حرية التفكير في العالم العربي. وقال في جملة مؤثرة إن مؤسسة كهذه نحلم بها منذ سنين، يجب أن نضحي حتى بحياتنا من أجل أن تستمر مؤسسات كهذه. وانتهت مراسم توزيع الجائزة في جو مشبوب بالعواطف حتى ان بعض الحضور طفرت الدموع من أعينهم، وظلت دعوة أبو زيد لقبول تحدي الحداثة تتردد في فضاء القاعة. فهل ستجد طريقها من برلين إلي العالم العربي؟.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد