1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أبعاد مؤامرة تفتيت العراق

عبد الخالق حسين١٩ يونيو ٢٠١٤

ينظر عبد الخالق حسين إلى المشهد العراقي باعتباره نتاج مؤامرة واسعة وخطيرة ساهمت فيها حكومات ونفذتها قوى عراقية، ويشير إلى أنها لا تقل خطورة عن مؤامرة 8 شباط 1963 ومن نفس الحكومات والأسر، والضحايا هم أبناء ضحايا الأمس.

https://p.dw.com/p/1CLqY
Irak ISIL Freiwillige
صورة من: Reuters

الآن، وبعد خراب البصرة، (سقوط الموصل وتكريت ومناطق أخرى بيد داعش، واحتلال كركوك من قبل البيشمركة)، بدأت خيوط المؤامرة تتكشف للذين يبصرون. وقد يعترض البعض: وهل عدنا إلى نظرية المؤامرة؟ الجواب: نحن ضد تعليق غسيلنا وكل مصائبنا على شماعة الآخرين، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤامرات، فالسياسة بحد ذاتها سلسلة من الخطط السرية وتظهر للعلن عند التنفيذ. فهناك من يوظف تعددية مكونات الشعب العراقي لتدمير العراق وعدم السماح لهذا الشعب بالعيش بسلام في دولة ديمقراطية مستقرة.

فالشعب العراقي لم يمارس الديمقراطية طوال تاريخه حتى عام 2003، و معروف بالتعددية الأثنية والدينية والمذهبية بحكم التاريخ والجغرافية. وعند تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 على يد الاحتلال البريطاني، وكنتيجة لثورة العشرين، ضمت بريطانيا هذه الكتل البشرية المتصارعة في حدود بلد يسمى بالعراق في دولة واحدة وبمركزية مفرطة. إن الشعب العراقي لم يكن يوماً موحداً بإرادته الحرة التي لا تتوفر إلا في النظام الديمقراطي. لذلك فـ"الوحدة الوطنية" التي سادت منذ التأسيس عام 1921 وإلى يوم السقوط عام 9/4/2003، كانت وحدة مزيفة لم تكن اختيارية بملء إرادة هذه "الكتل البشرية"، بل كانت مفروضة عليهم بالقمع من قبل دكتاتورية حكم المكون واحد. وما يجري الآن في العراق من صراعات دموية بين هذه المكونات، واستعداد قادة كل مكون للتعاون حتى مع الإرهاب في سبيل الانتقام من غرمائه قادة المكونات الأخرى. وما حصل من احتلال المناطق السنية من قبل الإرهابيين الداعشيين دليل على صحة ما نقول.

ولا بد من القول أيضاً، أنه لو ترك أمر العراقيين لأنفسهم وبدون أي تدخل خارجي، لنجحوا في تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، ولكن، وكما بات واضحاً للعيان أن تدخل حكومات المنطقة (تركيا والسعودية وقطر) ساهم في إشعال الفتن الطائفية لتمزيق الوحدة الوطنية التي كانت هشة أصلاً.

"مؤامرة واسعة دخلت حيز التنفيذ"

لقد واجهت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عصابات الإرهاب منذ عام 2003 وحتى وقت قريب بمنتهى الشجاعة والبسالة، فما الذي حصل يوم 10/ 6/2014 لتنهار هذه القوات في الموصل وبقية مدن المحافظات العربية السنية لتسقط بيد داعش، وتسيطر البيشمركة على كركوك؟ والسؤال هنا: كيف استطاعت قوات (داعش) التي لا يتجاوز عدد أفرادها عن 1600 أن يهزموا جيشاً مؤلفاً من أكثر من 20 ألف، إضافة إلى 30 ألف من الشرطة، كلهم مجهزون بأحدث الأسلحة المتطورة، أن يحتلوا كل هذه المناطق وبدون إطلاق رصاصة واحدة، و ليتكرر نفس السيناريو في كركوك من قبل البيشمركة وبهذه السهولة؟

لقد بدأت الحملة ضد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من قبل فلول البعث ووسائل الإعلام العربية المعادية للعراق الجديد، حيث أستأجروا لها كتاباً عراقيين وغير عراقيين الذين نعتوا هذا الجيش بأقذع الصفات، مثل: الجيش الصفوي، وجيش المالكي، وجيش الشيعة، والمليشيات الشيعية. وأخيراُ نفذوا مخططهم لتدمير معنويات هذا الجيش عملياً وبخبث، بأنه فر من داعش، وانهارت معنوياته. فرغم التطبيل بأن هذا الجيش هو شيعي، إلا إنه تبين أن "جميع قادة الالوية والافواج وقادة الاستخبارات في الموصل هم اكراد وأول الفارين أمام داعش" إذ جاء في تقرير نشرته المسلة: ان "أمراء الأفواج والألوية في الجيش العراقي المتجحفل في مدينة الموصل وضواحيها هم من الأكراد وأبناء المناطق المجاورة، الذين كانوا يدينون بالولاء لحكومة اقليم كردستان، وللمسؤولين المحليين ورؤساء العشائر في المنطقة، ولا يعبئون للأوامر التي تصدرها القيادات العسكرية العليا إلا بعد تلقي الضوء الاخضر من اربيل". واعتبرت المصادر ان "احد اسباب فشل قوات الجيش في التصدي لداعش هو التحريض عليه من قبل أثيل النجيفي حين دعا الى خروجه من المدينة." (1). وهذه التركيبة لضباط الجيش ينفي الادعاءات بأن الجيش العراقي هو جيش الشيعة، إذ تبين أن معظم ضباطه من الكرد والعرب السنة وبدون تمييز.

وقد تخلى هؤلاء الضباط عن مسؤولياتهم، وحنثوا بالقسم، وخانوا وطنهم وتخلوا عن شرفهم العسكري، وفروا إلى أربيل بأوامر من جهة عليا (سلطة الإقليم). ونفس الشيء تكرر في القوات المرابطة في كركوك.

" مؤامرة متعددة الأطراف"

وهكذا انكشفت خيوط وأهداف المؤامرة التي شارك في حبكها كل من تركيا والسعودية وقطر، وحكومة الإقليم لمنح الموصل وغيرها من المحافظات العربية السنية لداعش، وكركوك للكرد وبدون حرب، مع تصعيد الحملة الإعلامية لتدمير معنويات الجيش العراقي كتمهيد لما هو أسوأ. وظهر جلياً أن أداة تنفيذ هذه المؤامرة هي حكومة الإقليم، والحكومات المحلية في المناطق الغربية وكركوك، والدليل كما يلي:

أولاً، تزامن احتلال الموصل وكركوك مع وجود السيد مسعود بارزاني خارج العراق ولقاءاته مع جهات مشبوهة مثل أحمد الجربا، رئيس المعارضة السورية ومناقشة موضوع الولاية الثالثة للمالكي معه. فما علاقة هذا الرجل بتجديد ولاية المالكي التي هي شأن عراقي داخلي؟ فوجود السيد بارزاني في الخارج ليس صدفة، بل كان مخططاً له مسبقاً وبدقة ليبرئ ساحته بعذر(Alibi). فقام بمنح كافة صلاحياته العسكرية لنائبه السيد كوسرت رسول علي الذي لم يكن يوماً شخصاً هاما لدى السيد بارزاني، إذ كانت العلاقة بينهما متوترة إلى حد أن السيد علي قدم استقالته قبل أيام من سفر بارزاني إلى الخارج، فرفض الأخير الاستقالة وكلفه بهذه المسؤولية، وهذه محاولة لتوريط كاك كوسرت رسول علي وإلقاء اللوم عليه اذا ما تدهورت الأمور، وجاءت النتائج على غير ما يرغب الشعب الكردي، فيعلن بارزاني براءة ذمته من العملية فيما لو فشلت الخطة التركية- السعودية !

ثانياً، تم اختطاف القنصل التركي في كركوك، والسيطرة على القنصلية التركية واحتجاز 80 من موظفيها في الموصل، وهذه مسرحية فاشلة، وذر الرماد في العيون لإبعاد التهمة عن دور تركيا في هذا المخطط الإجرامي، وربما لمنح تركيا حق احتلال الموصل (وفق معاهدة لوزان)، وكذلك احتلال كركوك بحجة حماية التركمان، فيتحقق الحلم التركي. ونحن نعرف من تاريخ تركيا أنها لن تترك أرضاً تحتلها ابدا كما حدث في قبرص.(2)

ثالثاً، كركوك الآن تحت سيطرة البيشمركه بعد "طرد" الجيش منها! ولا بد وأن هذه الخطوة جزء من اتفاق مسبق، داعش تحتل الموصل، وحكومة الإقليم تحتل كركوك وبدون حرب. كما وأخبرني صديق وهو كاتب كردي مقيم في كردستان، أن غالبية الكرد البسطاء سعيدون بما يجري وبالأخص بعد "تحرير" كركوك من "قوات المالكي"! معتقدين بان الفرصة سانحة للانفصال.

رابعاً، وفي تقرير لـ (صوت كوردستان)، جاء فيه: "أخبر مواطنون كورد نزحوا من الموصل صوت كوردستان أن قوات داعش كانت تتجول في الجانب الكوردي من محافظة الموصل و أخبرت الكورد بأنهم لا يستهدفون الكورد و أن حربهم هي مع المالكي و الشيعة الصفويين.(3)

خامساً، هذه الأحداث أسقطت الأقنعة عن أقطاب مهمة في العملية السياسية، إذ ساهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي وعدد غير قليل من نواب كتلتي التحالف الكردستاني والعراقية، في عدم اكتمال النصاب لجلسة البرلمان الخاصة يوم الخميس 12/6/2014، لمناقشة قانون إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الأخطار التي تهدد البلاد. وهذا الموقف يصب في صالح الجماعات الإرهابية والتكفيرية ومن وراءها.(4)

سادساً، ومما يؤكد أن تنظيم (داعش) هو بعثي ويسعى لإعادة حكم البعث، ما أفادت به الأنباء أن (اختار تنظيم (داعش) خلال الاجتماع العشائري الذي عقد في مدينة تكريت، احمد عبد رشيد محافظاً لصلاح الدين والذي كان محافظاً سابقاً في عهد صدام في نفس المحافظة.(5)

سابعاً، تزامن كل ذلك مع حملة واسعة من قبل مجموعة محسوبين على اليسار، وهم ضد نتائج الانتخابات، قاموا بنشر نداء لجمع التواقيع، في ظاهره إدانة الإرهاب وحماية الوطن، والديمقراطية، ولكن في جوهره هو في صالح داعش والمزيد من التردي في الوضع العراقي، إذ جاء أول مطلب في النداء البائس: "عدم تجديد الولاية الثالثة للسيد نوري المالكي"، وهو نفس المطلب الذي يلح عليه جميع أعداء الديمقراطية ومنها السعودية وقطر وتركيا وداعش وأنصارها. فهؤلاء راحوا يستغلون مأساة شعبنا للشماتة، ولتصفية حسابات مع خصومهم السياسيين خدمة لأولياء النعمة. فلو كان هؤلاء حقاً يؤمنون بالديمقراطية لاحترموا نتائج الانتخابات، وتركوا مصير المالكي بيد البرلمان الجديد المنتخب ليقرر بالوسائل الديمقراطية, فشعار هؤلاء (لا للإرهاب، لا للمالكي) يشبه شعار انتهازي سابق: (لا للحرب لا للدكتاتورية). والجدير بالذكر لاحظت أن عدد زوار الحملة ولحد كتابة هذه السطور بلغ 7318 بينما عدد الموقعين والمؤيدين للحملة: 471. وهذا يعني أن نحو 94% هم ضد هذا النداء.

"التخلص من المالكي سيتبعه عودة البعث الفاشي"

يجب أن يعرف هؤلاء السادة أن التخلص من المالكي ما هو إلا الخطوة الأولى لتتبعه خطوات أخرى كثيرة، لا تنتهي إلا بعودة البعث الفاشي، ولكل غايته الخاصة: فغاية بارزاني هي استقلال الإقليم مع الاحتفاظ بحصته في حكم العراق و17% من ثروته، أما قادة الكيانات السياسية السنية فغايتهم رفض أي شيعي يتبوأ منصب رئاسة الحكومة، وقد قالها مستشار النجيفي بصراحة: ان "الحكم للسنة و هم من حكموا العراق طيلة القرون الماضية ولا نسمح للشيعة باختيار رئيس الوزراء". وإذا ما وافقوا على شيعي آخر فهم يأملون أن يكون ضعيفاً يستجيب لإملاءاتهم، ولن يصمد في المنصب أكثر من ستة أشهر. ولهذا يريدون التخلص من المالكي لأنه أثبت أنه قوي وملتزم بالدستور.

والغريب، أن بعض المثقفين، ومنهم أكاديميون فقدوا توازنهم، فبعد أن خسروا الانتخابات، راحوا يشتمون الشعب صراحةً إلى حد أن وصفه أحدهم بالكلاب، واتهمه باللاوطنية. وآخر ما تفتقت به عبقرية هذا "العالم الجليل"، أن كتب مقالاً بعنوان: (ليلة سقوط الموصل!) أوعز فيه السقوط إلى مؤامرة من صنع الحكومة لـ "ثلاثة أسباب:

الأول: ان الحكومة وقتتها قبل عشرة ايام من انتهاء عمرها لتخلق ظرفا يفوضها بالاستمرار.

الثاني:عقوبة من الحكومة ضد اهل الموصل مستخدمة تكتيك محاربة الخصم بضده النوعي.

الثالث:بداية تنفيذ مخطط يتبناه فريق من ساسة الشيعة لإقامة دولة شيعية تمتد من سامراء الى البصرة. قد تكون هذه الأسباب الثلاثة مترابطة" انتهى.

إذا كان هذا الكلام اللامعقول والمضحك المبكي يصدر من أكاديمي، فماذا نقول عن أشباه المثقفين، أو المحرومين من نعمة الثقافة؟

وفي هذا الخصوص بعث لي السيد يوسف الشطري تعليقاً جاء فيه: "ان الموقف العراقي الحرج يتطور بسرعة مذهلة ... صعقتُ حين رأيتُ ردة فعل بعض العلمانيين واليساريين الذين خلطوا الأوراق ومسكوا ذيل الحقيقة. فتحليلات السادة تؤكد على ان عنترة مازال يعيش بيننا، فترى على سبيل المثال ان بعضهم شامتا بما حصل اليوم من سيطرة داعش على الموصل وإعطاء هذا التنظيم الإرهابي مظلة إعلامية وسياسية من خلال كم من الشتائم والشماتة بالجيش العراقي الذي يقاتل الإرهاب في انحاء كبيرة من العراق. وما رايته من بعض التعليقات "العلمانية" جردتهم من الموقف الوطني الواضح. ولو ناقشتهم لصبوا عليك شتى التهم وهذا ما افهمه، ولكن مالا استطيع فهمه هو ان بعضهم يقول ان "داعش منظمة إيرانية صفوية"، ونفس الأشخاص يعلقون على اعمال هذا التنظيم في الانبار او سوريا ويسموهم بالثوار المنقذين من المد الصفوي، وحين اسألهم عن (طالبان باكستان)، يقولون هذه صناعة أمريكية، وحين أسالهم عن (تنظيم القدس في مصر) يقولون هذا بسبب السيسي، وحين اسألهم عن (بوكو حرام)، يقولون هذا التنظيم صناعة اسرائيلية...الخ".

خلاصة القول

أن ما يحصل في العراق هذه الأيام من تصعيد للأزمة بسبب احتلال داعش للموصل وغيرها من بعض المناطق السنية، واحتلال البيشمركة لكركوك، هو نتاج مخطط رهيب ذو أبعاد وغايات خطيرة، تهدد بصوملة العراق، وراءها السعودية وقطر وتركيا، سخروا لتنفيذه قادة سياسيين مثل بارزاني، وقادة الكيانات السياسية الشيعية والسنية، نكاية بالمالكي بتنفيذ تهديدهم أنه إذا ما فاز المالكي في الانتخابات ولولاية ثالثة، فإن العراق مقبل على التقسيم، ضاربين الديمقراطية ونتائج الانتخابات عرض الحائط. هذا الموقف هو لا وطني ولا ديمقراطي. وقد تم توظيف البعث الداعشي لتنفيذ هذا المخطط كما اختير البعث لتنفيذ إنقلاب شباط 1963 وذلك لشدة قسوته وشراسته في القتل.

فحكام هذه الدول ليسوا حريصين على مصلحة السنة، أو الأكراد، ولا على العراق. ومن المؤسف أن زج السيد بارزاني نفسه مع هؤلاء، فحقوق الشعب الكردي العادلة لن تتحقق بالماكيافيلية والتعاون مع الشيطان، ويجب عدم تلويثها بمخططات هذه الحكومات الرجعية الحاقدة على العراق لأسباب طائفية واقتصادية وسياسية، فستكون نتائجها وخيمة ليس على العراق فحسب، بل وعلى جميع مكونات الشعب العراقي وشعوب المنطقة، وحتى على المنفذين لهذا المخطط التآمري القذر، إذ كما قال ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم، ولكن النتائج تأتي على غير ما يرغبون".