1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

يوتسون كاندرو رينبوش في المقابلة:

٢ سبتمبر ٢٠١٦

إنها واحدة من اللاما التبتية البوذية القليلة – ولها مكانة مرموقة عالمياً باعتبارها معلمة روحية. همها الأساسي: حوار الأديان ونقل القيم إلى الشباب.

https://p.dw.com/p/1Juxz
صورة من: DW

دويتشه فيله: يبدو أن العالم خرج عن نطاق السيطرة. هل نعيش في عصر لا يعير اهتماماً إلا للمصالح الشخصية؟
كاندرو رينبوش: أعتقد أن الأنانية والحيرة الذاتية كانتا موجدتين دائماً. ولكن ما نراه في هذا القرن مبالغ فيه أكثر من أي وقت مضى. وأظن أن أحد تأثيرات وجود تلك الحيرة الذاتية والأنانية المبالغ فيها، هو المجتمع الذي تحول من أمة إلى مجتمع فردي – حيث توجه نمط الحياة يقتضي التمسك بالنوايا والطموح، واعتبار الذات الفردية أهم من الآخرين. ينجم عن ذلك تأثير نفسي عند البشر، بحيث يرى المرء ذاته مركز الكون.

ما سبب ذلك وما هي العواقب؟
كاندرو رينبوش: لقد أصبح كل شيء ميكانيكياً جداً. يخبرك أحد الأشخاص كيف يتعين أن تكون حياتك. والجميع يقلدون بعضهم البعض، بدلاً من إدراك أن هناك جانب إنساني، وأن هناك إمكانيات بشرية حقيقية. وإذا لم نتعرف على تلك الإمكانيات الداخلية، تلك القدرات التي بداخلنا، وتركنا أنفسنا نقاد أكثر فأكثر من قِبل التقاليد أو الأعراف الاجتماعية – أو أي شيء آخر منتشر أو حديث ومرغوب – يكون هناك توجه يبتعد فيه الإنسان عما هو عليه حقاً.

ولكن لماذا يتعين علينا ألا نرغب في امتلاك الأشياء التي لدى الآخرين أيضاً؟
كاندرو رينبوش: ثمة رغبة بناءة وأخرى هدامة. البناءة هي أقرب ما تكون إلى السعي: أن تريد شيئاً. إذا كانت بناءة، فنحن نسدي خدمة للآخرين. ربما هذا ما يطلق عليه العلماء "التطور" – ولادة شيء ما، نشوء اختراعات، تطور وتقدم. وهذا ينشأ من الرغبة في تحقيق النجاح أو إنجاز مشروع ما.
ولكن، فيما يخص الرغبة الهدامة، فإن الدرجة العالية لإثبات الذات والمصلحة الشخصية تتجاوزان كل أشكال الإدراك، دون أن يأبه المرء بدرجة تأثيرها على الآخرين. لنتمعن فقط بالحروب، أو العنف والكراهية اللذين لا معنى لهما وفقدان الثقة المنتشرة بقوة في عصرنا الحالي. كل هذا يعد رغبة مدمرة. إذا أراد المرء أن يحقق السعادة أو النجاح لذاته وشخصه فقط.

الأنموذج الهدام هو المنتشر على نطاق واسع نوعاً ما...
كاندرو رينبوش: إن لذلك علاقة بالطمع والجهل: منفعة شخصية على المدى القصير. على سبيل المثال: في بعض الأحيان نجد أناساً في الهند يرمون القمامة من النافذة. لنفترض أن الشوارع ممتلئة تماماً بالقمامة، لكن ما أن يفتح المرء الأبواب، حتى يرى أعشاباً جذابة، وحدائق منظمة وجميلة، ومنازل جميلة ونظيفة. ولكن ما أن يغادر منزله، فإنه لا يتردد في البصاق على الأرض، أو رمي أشياء، أو تلويث البيئة. هذه العقلية منتشرة لدى كثيرين منا. طالما كانت أموري على ما يرام، فأنا أشعر بالراحة – محيطي محمي. هذا الشعور بالحيرة الذاتية يبعدنا عن المسؤولية العالمية – عن القدرة على رؤية مدى تأثير كل ما أفعله على الآخرين وعلى البيئة. أي أن ذلك منظور أناني جداً، وهذا أمر مؤسف حقاً. وربما هذا هو السبب في أننا نعاني من الكثير من الصعوبات.

يرى كثيرون أنه ليس بمقدور الفرد أن يغير شيئاً بمفرده على أية حال...
كاندرو رينبوش: هناك أناس يتمتعون بالوعي، ولكنهم يشعرون بالعجز. مقولة "ماذا بمقدوري أن أفعل"، ليس فيها أن المسؤولية الشخصية يمكن أن تكون مفيدة جداً. الجميع يفكرون باتجاه واحد، كأفراد. هذا هو المجتمع الفردي الذي تحدثنا عنه. هذا المدلول المجتمعي، مدلول خلق العالم، خلق الأمة، خلق المجتمع "أنا جزء من الكل" – هذا الشعور مهمل بالتأكيد في الوقت الراهن.

ما هو الحل برأيك تجاه هذه اللامبالاة؟
كاندرو رينبوش: تدعو العقيدة البوذية إلى تقدير العلاقات المتبادلة، وتنمية الشعور بالوعي، شعور المبالاة، الذي يتيح لك المشاركة في جعل كل شيء جميلاً. وإن لم يكن جعله جميلاً، فعلى الأقل ليس قبيحاً وغير ضار.
وهذا يتطلب الكثير من الاستبطان. ولكن، عندما ينقطع هذا الاستبطان بسبب معاملات العالم الخارجي الهائلة، تصبح المبالاة أمراً في غاية الصعوبة.
لقد وُهب الإنسان قدرة هائلة من خلال الحياة البشرية، وقبل كل شيء لديه الحرية في اتخاذ قراراته الخاصة. وإذا كان بمقدوره تفهم العلاقات المتبادلة، عندما يمكن أن تكون القرارات التي يتخذها المرء خلال حياته بناءة، ويمكنها أن تجعله وتجعل الآخرين سعداء.

كيف استطاعت المادية أن تنتشر على هذا النطاق؟
كاندرو رينبوش: حيثما كانت المادية وعدم الشعور بالآخرين واللامبالاة، نرى أن نظام التعليم يشكل جزءاً كبيراً منها. المدارس والجامعات ونشر المعرفة تؤثر على طريقة التفكير. عندما يبدأ المرء بنشر المعرفة بهذا الأسلوب، بأن النجاح هو السبيل الوحيد للسعادة، أو أن التملك هو السبيل الوحيد للنجاح، وعندما يلهث المرء وراء تلك الأهداف مهما كلف الثمن، من أجل تحقيق النجاح – عندما تكون هذه اللغة سطحية بهذا الشكل، فمن الصعب جداً بالنسبة للإنسان أن يولي اهتماماً أكثر عمقاً فيما يتعلق بالقناعة والرضا، والبساطة والتواضع. لذا أنا أعتقد أن التعليم، سواء كان روحياً أو دنيوياً، مهم جداً.

هل يمكن للمدارس أن تلعب هذا الدور فعلاً؟
كاندرو رينبوش: ليس هناك منهاج للرأفة. ولكنني أعتقد أن بمقدور المرء أن يتعلم ذلك في سن مبكرة من خلال النظام التعليمي وكذلك من خلال الأسرة. عندما يكون هناك نوع من التفهم لمعاناة الآخرين والشعور بالسعادة الذاتية، والشعور بالمعاناة الذاتية، يمكن للمرء أن يستعين بذلك كانعكاس ذاتي أساسي، بأن الآخرين لديهم ذات الشعور، الرغبة في الرضا، وليست الرغبة في المعاناة. أعتقد أن ذلك ينبغي تعليمه في الكتب، ومن خلال أن يخوض المرء في هذا الأمر، بخاصة من خلال أمثلة، أمثلة حية. يجب أن يكون الأهل مثالاً لهذا الحب وهذا الشعور بالآخرين. ويجب أن يكون المعلمون بالطبع أمثلة حية لذلك أيضاً. ولا أعتقد أن ذلك يمكن تحقيقه في فصل دراسي واحد، بل هو تعليم كامل، يجب أن يكون حاضراً في كل وقت.

وكيف يمكن نقل هذه القيم للأطفال؟
كاندرو رينبوش: من المفيد جداً إخراج الأطفال من عالمهم الخاص – وأن نريهم كيف يعيش الآخرون. وإعطاؤهم التجارب عن الظروف المعيشية الأخرى، التي تختلف عن ظروف معيشتهم. هذا المنفذ وهذه الرؤية مهمان جداً. للأسف حيث توجد المادية بقوة، تظهر ميول لإخفاء كل شيء. أنا من الهند – وأعتقد أن الهند بلد رائع، لأننا لم نطور أغلفة جيدة فعلاً. كل جانب للألم أو المعاناة أو القبح واضح جداً – ليس هناك شيء مخبأ. عندما يتوفر هذا النوع من الانفتاح، ينشأ الأطفال وهم على دراية بأن هناك أنماطاً مختلفة للحياة؛ وأن المرء يمكن أن يكون محظوظاً جداً، في حين هناك آخرون أقل حظاً منه – ومن هنا ينشأ تصور خيِّر. من المؤسف أن الشباب في كثير من بلدان العالم المتقدم يفتقرون إلى ذلك، لأنه أينما أدار المرء وجهه، يرى أناساً يمتلكون كل شيء. لا يرى المرء أناساً يفتقدون حتى الضروريات، مثل المياه الصالحة للشرب على سبيل المثال. ينبغي على الأهل أن يعرفوا أولادهم على الظروف المعيشية الأخرى كلما أتيحت لهم الفرصة – أعتقد أن تلك تربية مفيدة جداً.

لكن، ألا يدعو ذلك في كثير من الأحيان على اليأس على ضوء المشاكل العالمية؟
كاندرو رينبوش: في الواقع هناك الكثير من الإمكانيات. ليس هناك سبب يدعو للتشاؤم. ولكي ينشأ شيء جيد فعلاً، يجب أن تكون هناك نقطة فاصلة. أنا متفائلة حقاً، لأني أعتقد فعلاً أنه إذا كانت هناك هذه المادية الكبيرة، فهناك أيضاً أمل أننا وصلنا إلى الحد الأعلى، وهذا بدوره سيؤدي إلى أن يدرك المرء أنه من غير الممكن أن تستمر الأمور على هذا المنوال. وربما سيكون ذلك الخطوة الأولى، التي ستقود إلى انعكاس أعمق، والعثور على إجابات لا علاقة لها بالظاهر، وإنما بما هو داخل النفس.