1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل كشف صيف عام 2003 ما سيكون عليه المستقبل؟

١ يونيو ٢٠١٢

الطقس الحار الذي قد يعتبره البعض من مواصفات الـ "صيف المثالي"، هو من وجهة نظر علماء المناخ أقرب إلى الكارثة الطبيعية، لأن هذا يظهر كيفية تغير الطقس خلال القرن الحالي نتيجة لتغير المناخ.

https://p.dw.com/p/1532d
صورة من: AP

عندما تشرق الشمس وسط سماء صافية وترتفع درجات الحرارة، يسعد معظم الناس بالطقس اللطيف، فهمينتهزون الفرصة للسباحة على شاطئ البحر أو للجلوس على أحد المقاهي أو في الحدائق. لكننا نتجاهل حقيقة أن الأيام المشمسة إنما هي نذير بتغير المناخ. وعندما تسجل درجات الحرارة خلال أشهر الصيف أرقاما قياسية جديدة، فإن هذا يعني شيئا واحدا، وهو حدوث تغير مناخي. ومن مجموع عشرة مواسم صيف سخانة تم رصدها منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في عام 1893، كانت سبعة مواسم منها في السنوات العشر الماضية وحدها. فما ينظر إليه معظم الناس بوصفه "طقس جيدا"، هو بالذات ما يعطينا لمحة عما ينتظرنا في القرن المقبل.

الطقس اللطيف سيتحول إلى حرارة حارقة
عودة إلى الوراء: أغسطس من عام 2003، في تلك الفترة عانت فرنسا من ندرة المياه بعد ربيع جاف. وفي المناطق الشرقية يعتبر هطول الأمطار بنسبة 50 في المائة أقل من المعدل العادي بحسب تقارير خدمة الطقس في هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية. وفي النمسا وفي شبه جزيرة البلقان تكبد المزارعون خسائر كبيرة في المحاصيل بسبب الجفاف الشديد. كما ساد طقس خانق في جميع أنحاء أوروبا، إذ لم تكن هناك رياح متحركة بحيث يمكن لها أن تخلط طبقات الغلاف الجوي، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات أكسيد النيتروجين والأوزون في الجو، أما المسؤول عن موجة الحرارة تلك، فهي منطقة الضغط المرتفع التي تعرف بـ "ميشائيلا" وهي تتميز بطول أمدها.

Binnenschifffahrt – niedriger Pegel
الأنهار تعاني من الجفاف بداية من شهر أبريل!صورة من: AP

"ميشائيلا"تنذر بالتغير المناخي

ويبدو أن علامات تغير المناخ آخذة في الازدياد، ومع ارتفاع درجات الحرارة تزداد أيضا الظواهر الجوية القاسية. فقد شهدتالولايات المتحدة وآسيا في عامي 2004 و 2005، الكثير من الأعاصيرالاستوائية كما لم يحدث من قبل. وكذلك موجة الحر التي شهدتها أوروبا في الصيف عام2003 قد تتكرر بصورة دورية، وذلك وفقا لدراسة أجريت بتكليف من اللجنة الدولية للتغير المناخيIPCC. وهناك اتفاق في هذا الشأن بين الجهات المختلفة التي تعمل على وضع التوقعات بشأن المناخ، إذ تأتي هذه التوقعات متطابقة على نحو كبير، الأمر الذي يشير إلى أن الظواهر المناخية القاسية لم تكن ناجمة عن تراكم عشوائي. وكما يوضح شتيفان رامشتورف الفيزيائي في معهد بوتسدام لبحوثالمناخ، فإن "الكثير من البلدان شهدت خلال السنوات الأخيرة الماضية تقلبات شديدة في الطقس لم يسبقلها مثيل. أما بالنسبة لدرجات الحرارة، فإن التغير المناخي سيؤدي في المحصلة إلى وقوع المزيد من الظواهر المناخية القاسية، الأمر الذي سيترتب عليه غالبا تضرر السكان في المناطق المعنية."

الحرارة قاتلة لكبار السن والمرضى

وفي فرنسا وحدها بلغ عدد الوفيات الناجمة عن موجة الحر في أغسطس من عام 2003 ، ما يقرب من 15 ألف شخص بحسب وزارة الصحة الفرنسية. وفي حال استمرار موجات الحرارة لأمد طويل مع درجات حرارة تتجاوز 35 درجة مئوية، فإن التعرق وحده ليس كافيا لتبريد الجسم، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل فوري، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الدماغ والأعضاءالحيوية الأخرى، بحسب التحذير الصادر عن المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منهاومقره في أتلانتا. ويعتبر كبار السن والمرضى والأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، معرضون للخطر في هذه الحالات بشكل خاص. وقد تسبب الجفاف في تلك الفترة في وفاة الكثير من المسنين داخل منازلهم، وأيضا في دوررعاية المسنين وفي المستشفيات، حيث لم يتلق العاملون هناك تدريبا خاصا لرعاية وحماية النزلاء من الحرارة العالية، وكانت إجراءات من قبيل تعتيم الغرف والتبريد والإكثار من شرب الماء، كفيلة بتجنب وقوع الكثير من الوفيات.

Hitze in Frankreich
كبار السن الأكثر تعرضا للخطر بسبب الحرارةصورة من: AP

حان الوقت للتكيف مع التغير المناخي

إن كل سكانالبلدان ذات المناخ المعتدل حاليا، سيجدون أنفسهم مضطرين إلى التكيف مع حياتهم اليومية في حال ارتفاع درجات الحرارة مستقبلا، كما ترى كريستينا كوبيهشالر، الطبيبة وخبيرة الأرصاد الجوية في مدينة فرايبورغ. فالناس في البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يأخذون استراحة في فترة الظهيرة خلال فصل الصيف الحار، وهذا له مبرراته المنطقية، لذا سيتبع سكان الدول الأخرى المعتدلة المناخ حاليا هذا النموذج، وسيقومون بأخذ قيلولة عندما تتحول الظروف الجوية في بلادهم، فمقدرة الإنسان على العمل تقل ويصبح أقل كفاءة عندما ترتفع درجات الحرارة أو تنخفض بشكل حاد.

لم يحدثهذا التحول في التفكير، إلا بعد عام 2003 حيث سجلت درجات الحرارة رقما قياسيا. إذ لم تكن أية دولة أوروبية ذلك الوقت قد بدأت التفكير بجدية، في الآثار الصحية المترتبة على تغير المناخ، كما تقول كوبيه شالر.

ولكن التحول حدث على كل حال بحسب نتائج الدراسة التي قام بها معهد البحوث الفرنسيINSERM في عام 2008، فبعد ذلك الصيف الذي شهد ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي، والذي تسبب في عدد كبير من الوفيات بلغ 70 ألفشخصا في شتى أنحاء أوروبا، كان يجب القيام بالكثير من الإجراءات لمكافحة هذه الظاهرة. وبأسلوب غيربيروقراطي، تم ربط محطات الأرصاد الجوية الأوروبية ببعضها، وذلك للإنذار المبكر من موجات الحرارة.
فيألمانيا على سبيل المثال، يقوم مركز خدمة الطقس بتوجيه تحذيرات من الحرارة، ويعاد توجيهها عبر الإذاعة والتلفزيون، كما يتم أيضا تدريب العاملين في مجال الرعاية وتوعيتهم بالتعامل المناسب مع الحالات المتضررة من درجات الحرارة العالية. وعندبناء دور الرعاية اليوم، تتم مراعاة التغيرات المستقبلية في درجات الحرارة، كما توضح كوبية شالر قائلة:"ارتفاع درجة الحرارة بنسبة 4.2 درجة مئوية، كما حدث في عام 2003، ربما يصبح أمرا عاديا مع نهاية القرن، لكن هناك العديد من التدابير التي يجب اتخاذها للتكيف مع ذلك الوضع، وعلينا أن نبدأ بها منذ الآن."

Hitze in der Ukraine
أوكرانيا تعاني من موجة حارة في 2003صورة من: AP

وإذا ما صدقتتوقعات علماء المناخ، فإن الجميع سيضطرون على المدى الطويل، إلى تغيير العادات المتبعة في حياتهم اليومية، وسيتمثل الجزء الأسهل من تلك التغييرات، في إدخال أوروبا نظام القيلولة في وقت الظهيرة.

الكاتبة: فيبكه فويارزنغر/ نهلة طاهر

مراجعة: سمر كرم