1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

موسيقي أنور إبراهيم بين التمسك بالتراث والانفتاح على الثقافات الأخرى

١٥ مارس ٢٠٠٦

تبدو ابتسامة أنور إبراهيم متعددة المعاني وهو يقول أنه لا يعرف سبب اعتقاد الكثيرين بأنّه يعيش في باريس، فهو يقيم في تونس منذ ولادته. لكن لهذا الأمر جوانب إيجابية، فهكذا ينجو الموسيقار التونسي من التبعات المرهقة لنجاحه.

https://p.dw.com/p/87Ls
الموسيقار التونسي أنور إبراهيمصورة من: Anthony Voisin

إبراهيم يحب الخلوة إلى النفس، فهي أحد شروط إبداعه الفني، إذ تحتاج موسيقاه للنفسٍ الطويل حتى تختمر وتنضج. لذا تصمد أنغامه في وجه وساوس الحاضر المتسارع لصالح مقدرة داخلية تلهم الشعور بالقوة والانفتاح. كل الناس سفراء في هذه الأيام. إنه عصر الخبراء الحقيقيين أو المُدّعين، حيث الفضائيات وشاشات التلفزة تحمل آراءهم إلى حجرات الجلوس في هذا العالم. لا يرضى أنور إبراهيم بهذا الشكل السطحي، لاسيما عندما يعتمد الفن مرجعاً له. يقول إبراهيم: "لا يُلِمُّ أحدٌ بالموسيقى العربية في الغرب"، ويسارع ليضيف: "وبالكاد تجد من يُلِمُّ بها عندنا أيضاً".

الموسيقى نبتة تنمو ببطء

ومن ثم ينتقل إبراهيم ليتحدث عن الصيغ النمطية والأحكام المسبقة، وعن الظواهر الكثيرة التي يتم تناولها دون تباين أو تمييز فيما بينها، وعن حقيقة احتياج المرء لحياة بأكملها للتوصل إلى تصور تقريبي عن غنى تراث النغم العربي. تنطوي هذه الرؤية على صورة تصنيفية بالطبع، لكنها ذات مغزى عميق بالنسبة لإبراهيم. فالموسيقى بحاجة إلى وقت. هي نبتة نفيسة تنمو ببطء وهو البستاني القادر على رعايتها كي تنمو وتزهر يوماً ما. يقتضي هذا الرويّة والحكمة. حيث تمر فترات زمنية لا يلمس فيها إبراهيم عوده لأسابيع عديدة وأحياناً لأشهر. فهو بحاجةٍ لهذه الاستراحات كي يستعيد أنفاسه بعد الحفلات الموسيقية الكثيرة التي يقدمها، هذا الموسيقار المتمكن من آلته، المرموق في كل أنحاء العالم. ترتسم على وجهه تعابير متعددة المعاني من جديد عندما يشرح الأمر: "لا أود أن أُفهم بشكل خطئ، لكنني أكون سعيداً عندما لا يتوجب عليَّ الوقوف على خشبة المسرح"، ويؤكد ثانيةً على الملاذ الذي يمنحه إياه الانطواء. وبالمناسبة ليس هناك وصفة تنضج وفقها تأليفاته الموسيقية. فعلى سبيل المثال وضع ألبوم Chat Noir Le Pas Du بدايةً على البيانو، كانعكاسٍ للفترة الزمنية الكثيفة، المفعمة بالانطباعات الجديدة المؤثرة، خلال الجولة الموسيقية التي قام بها مع ديف هولاند عازف الكونترباص وجون سورمان عازف الكلارينيت، والتي تبعت نشر البوم “Thimar” (1998).

موسيقيون جدد في كل مشروع جديد

لم يدخل العود المشروعَ إلا في مرحلة متأخرة، وكذلك الأكورديون، الذي أضفى على الألبوم لوناً مميزاً. أما في حالة الألبوم “Le Voyage de Sahar” فقد اختار إبراهيم طريقاً مغايراً ويقول بهذا الصدد: "أميل في الواقع إلى اختيار موسيقيين جدد في كل مشروعٍ جديد. عندما ينتهي تسجيل مشروع ما يكون العمل مع هؤلاء الموسيقيين قد انتهى أيضاً. لذلك كتبت القطع الموسيقية لألبوم“Le Voyage de Sahar” لآلة العود بشكل منفرد في البدء، دون أن يكون لدي تصور دقيق عن القوام الموسيقي النهائي. لكن أثناء التمرين مع فرانسوا وجان لويس وتجريبنا لعزف عدة مؤلفاتٍ جديدةٍ مع بعضنا البعض، تبين لنا أن آلتي البيانو والأكورديون لا يزالان يحتفظان بدورهما المثير في القطع الجديدة. وبالتالي خالفت ما عزمت عليه وذهبنا معًا إلى الأستوديو من جديد".

تسامح ثقافي

Album - Le voyage de Sahar
ألبوم Le Voyage de Sahar للفنان التونسي أنور إبراهيم

كان القرار صائبًا. و بإمكان المرء سماع التغييرات الواضحة على البوم“Le Pas Du Chat Noir”. يتواءم إبراهيم في غضون ذلك مع كلا العازفين فرانسوا كوتورير على الكونترباص وجان لويس ماتينيير على الأكورديون بطريقةٍ تضفي على الموسيقى عفويةً غير معهودة وأناةً ملفوفةً بمسحةٍ من الحزن. بينما يستقي البوم “Le Voyage de Sahar” مزاجه بوضوح أكبر من عوالم الخبرات الفردية للموسيقيين المشترِكين من جهة أخرى. تلتحم موسيقى جنوب فرنسا الفلكلورية التي يعزفها "ماتينيير"، وحداثة أنغام بيانو "كلود ديبوسي" التي يعزفها "كوتورير" مع نمط الموسيقى العربية الأندلسية وغنى التنويعات في قطع إبراهيم الموسيقية لتنتج مزيجاً من الأنغام المتوسطية، ينجح في استنباط الأثر الشاعري المشترك الراقي، عبر التساوي النديّ للأصوات المشاركة. هكذا تجمع موسيقى أنور إبراهيم الهدوء والتدفق، التنوع والكثافة، الالتزام بالتقاليد والانفتاح، في نفس الآن. إنها فنٌ يحتذي مثلاً أعلى، لكنها لا تحتاج لتعصبٍ مذهبي، وبذلك تشكل هذه الموسيقى احدى المقاربات الممكنة من مفهوم إبراهيم للتسامح الثقافي.

رالف دومبروفسكي
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد