1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصر - انتخابات رئاسية "محسومة" في بلد على صفيح ساخن؟

٤ أكتوبر ٢٠٢٣

أعلن السيسي ترشحه رسمياً لفترة رئاسية ثالثة بعد تعديله الدستور المصري قبل فترة. ويرى البعض أن نتيجة الاتنخابات محسومة سلفاً لكن الحراك الذي أحدثه أحد المرشحين قد يمثل حجراً في المياه الراكدة ربما يغير الأمور مستقبلاً.

https://p.dw.com/p/4X4aE
داعمون للرئيس المصري السيسي في منطقة الكوربة بمصر الجديدة بالقاهرة
يرى خبراء ومحللون سياسيون أن نتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر محسومة سلفاً للرئيس الحالي الذي يحكم نظامه سيطرته على كافة مفاصل الدولةصورة من: Sayed Hassan/dpa/picture alliance

أجواء مثيرة تعيشها مصر هذه الأيام بعد أن أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات (هيئة حكومية) عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والتي من المقرر أن تجري نهاية العام؛ بعد أن كان من المقرر إجراؤها العام المقبل، وبعد أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن ترشحه رسمياً لفترة رئاسية ثالثة، وسط تساؤلات عن أسباب تقديم السيسي لموعد  الانتخابات

بعد إعلان السيسي ترشحه رسمياً، نقلت المحطات المصرية - التي يديرها النظام بشكل كامل - مشاهد لمواطنين في الشوارع يحتفلون بقرار السيسي الذي ناشد "كل المصريين حتى لو مش هيختاروني إنهم ينزلوا الانتخابات ويظهروا للعالم إن إرادة الناس هي اللي بتجيب الحاكم".

تقديم موعد الانتخابات

يرى خبراء أن السيسي قرّر تقديم موعد الانتخابات (حيث تنتهي ولايته رسمياً في أبريل/ نيسان 2024) ليتعامل بشكل أسرع مع الأزمة الاقتصادية، إذ تواجه مصر التزامات مالية كبيرة منها ضرورة سداد جزء من الديون الخارجية حتى 2026. فإلى  جانب نحو 26 مليار دولار ديون قصيرة الأجل يجب أن تسدد خلال عامين، فإن هناك ديونا متوسطة وطويلة الأجل، بما يتعدى 72 مليار دولار كانت مستحقة من النصف الثاني لعام 2022 وحتى نهاية 2025.

ويرى الدكتور حسام الحملاوي الباحث في العلوم السياسية في برلين أن سبب تقديم موعد الانتخابات هو استفحال الأزمة الاقتصادية؛ ما يستلزم التعامل بشكل سريع لا يحتمل الانتظار "لذا فإن السيسي يريد الاطمئنان أولاً إلى حصوله على الشرعية بإعادة انتخابه ليبدأ في اتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية ومنها تعويم العملة الوطنية وحتى بيع بعض الأصول المملوكة للدولة".

وأضاف الحملاوي لـ DW عربية في حوار هاتفي من برلين أن "تدفق العملة الأجنبية من جانب المانحين الإقليميين في الخليج والدوليين كصندوق النقد قد توقف، بعدما طالبت تلك الجهات بإخراج الجيش المصري من المشهد الاقتصادي، خاصة بعد الأزمات التي تعرض لها القطاع الخاص المصري بسبب منافسة شركات الجيش له"، مشيراً إلى أن "الأمر ليس بالهين لأنه قد يؤدي لغضب القيادات، وهذا سبب المماطلة في بيع تلك الشركات حتى الآن".

وتقول آليس غوير مستشارة المخاطر الجيوسياسية الدولية والأمن بمؤسسة "استراتيجية أزور" (Azure-strategy) للدراسات والأبحاث إن "تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية القاسية قبل تأمين السيسي لفترة رئاسية جديدة سيكون بمثابة خطر على حكمه، خاصة فيما يتعلق بقدرته على الوصول إلى التمويل الدولي. صحيح أن الجيش يمارس سيطرة كافية على جهات إنفاذ القانون والسلطة القضائية لقمع أي انتفاضة محتملة في مصر، لكن التصدي العنيف للناس من شأنه أن يوجه ضربة لسمعة نظام السيسي وبالتالي قدرته على جذب رأس المال، الذي تشتد الحاجة إليه، لذلك فهو يبجث جاهداً عن غطاء شعبي".

"استراتيجية هدم الدولة".. تحذيرات مبطنة للشعب؟

يربط السيسي ترشحه للانتخابات بالحفاظ على الدولة المصرية واستكمال مسيرة البناء، فخلال جلسة اليوم الأول لمؤتمر "حكاية وطن"، الذي عقد في العاصمة الإدارية الجديدة، أدلى الرئيس المصري بما عده البعض أحد أخطر تصريحاته منذ وصل إلى الحكم، إذ قال إنه من الممكن هدم مصر من خلال دفع المال والمخدرات لعدد كبير من الأشخاص ليقوموا بأعمال عنف لفترة تصل إلى عشرة أسابيع، وأكد أنه وقت أن كان مديرا للمخابرات الحربية كان يرى المخطط بوضوح:

 

رسالة السيسي قرأها المصريون بعدة أشكال مختلفة، منها أنها تمهيد لما يمكن أن يحدث إذا وقعت اضطرابات بسبب الوضع الاقتصادي السيئ:

 

ورأى البعض أيضاً أن تلميح السيسي يشبه تحذير الرئيس الراحل مبارك، الذي خير المصريين أثناء مظاهرات يناير/ كانون الثاني 2011 بين استمرار حكمه وبين السقوط في الفوضى. فيما رأى غيرهم أن كلام السيسي هو تمهيد للتعامل بقسوة شديدة من جانب قوات الأمن تجاه من قد يتظاهرون ضد حكمه باعتبارهم مجرمين ومتعاطي مخدرات:

لكن يبدو أن تصريحات السيسي لم تقلق معارضيه فحسب، بل يرى البعض أنها أجبرت "الأذرع الإعلامية" الداعمة له على التدخل لتوضيح ما كان "يقصده" الرئيس:

 

في حين قال آخرون إن هناك توجهاً لدى البعض باقتطاع حديث الرئيس السيسي بشكل مستمر وإخراج تصريحاته من سياقها، بما يثير غضب المواطنين:

 

على جانب آخر، أكد مدونون أن هناك "جهات" عملت بشكل مكثف على حذف فيديو السيسي من مواقع التواصل الاجتماعي بعدما سبب ضجة كبيرة.

ويرى حسام الحملاوي أن خطاب السيسي يمكن أن يفسر من اتجاهين مختلفين، "الأول يمثل رؤية النظام لانتفاضة يناير وهي أنها تمت على أيدي مجموعة من الأشخاص الممولين من جهات خارجية، حركهم نشطاء المجتمع المدني وأن عدداً من الخارجين على القانون ساعدوا في ذلك"، لكن في الوقت نفسه، "فإن المثير للقلق هو الرؤية من الاتجاه الآخر للتصريحات وهو التهديد، خاصة وأن الدولة المصرية لديها بالفعل تاريخ طويل من استخدام البلطجية (الخارجين على القانون) سواء وقت الانتخابات أو عند تجمع المعارضة ولضرب المتظاهرين، وهي أمور كلها موثقة"، بحسب الباحث في العلوم السياسية في برلين. 

وأبدى الحملاوي خشيته من مسألة بيع شركة "فالكون"، وهى إحدى أكبر شركات الأمن والحراسات الخاصة، لرجل أعمال معروفٍ بصلاته بعالم الجريمة وكان سجيناً بالفعل وخرج وفق عفو رئاسي، وقال: "بيع الشركة بهذا الثمن البخس (ثلاثة ملايين جنيه مصري) لهذا الشخص هو أمر مثير للقلق، خاصة إذا فكرنا في الذي يمكن أن يفعله هذا الشخص ومن يعملون معه تحت غطاء هذه الشركة".

انتخابات رئاسية "حقيقية"؟

على مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت فيديوهات عدة لمواطنين مصريين يشرحون حجم الصعوبات والعراقيل التي تواجههم لعمل التوكيلات اللازمة لدعم مرشحيهم، حتى أن المرشح الأكثر نشاطاً على الأرض - وهو البرلماني السابق أحمد الطنطاوي - شكا من أن عائلته نفسها عجزت عن عمل توكيلات له:

 

وتناقل مدونون عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيديوهات لتهديدات أمنية وملاحقات لعدد من الراغبين في عمل توكيلات لمرشحين آخرين، ونشر بعضهم وقائع لصدور تعليمات لموظفين في جهات مختلفة بالدولة بضرورة تسليم بطاقاتهم الشخصية ليتم عمل توكيلات بأسمائهم من أجل ترشح السيسي، وسط حديث عن رشى بأشكال مختلفة:

 

وفي الوقت الذي شكك فيه البعض في جدوى العملية الانتخابية ووسط دعوات لمقاطعة الانتخابات من شخصيات بارزة لافتقادها القواعد والإجراءات التي تجعلها محايدة ونزيهة بحسب رأيهم، حذرت الهيئة الوطنية للانتخابات بشدة من أي محاولات للتشكيك في حيادها ونزاهة عملها، كما أكدت أن الانتخابات الرئاسية ستجرى تحت إشراف قضائي كامل وأنها ستدار بشفافية تامة، إضافة إلى دعوة منظمات المجتمع المدني المصرية للمشاركة في مراقبة الانتخابات:

 

في هذا الإطار قالت لينا عطا الله رئيسة تحرير موقع "مدى مصر"،  لـ DW إن "منظمات المجتمع المدني مقيدة في عملها بالحصول على ترخيص إلزامي، وهو إجراء صعب للغاية، كما أصبح تنظيم [الاحتجاجات] صعبا جداً أيضاً مع تآكل الفضاء السياسي إلى حد كبير في السنوات العشر الماضية".

يقول تيموثي قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط إن "المشكلة تكمن في أن الإشراف على الانتخابات يقع بالكامل في أيدي النظام أيضًا، كما أن القضاء قد خضع للنظام تشريعياً ودستورياً، فالسلطة القضائية مسيسة إلى حد كبير في هذه المرحلة، وبالتالي فإن قدرتها على ممارسة أي رقابة وإشراف حقيقي على العملية الانتخابية غير موجودة تقريباً".

وأضاف في حوار له مع DW عربية أنه "بطبيعة الحال، ليس لدى المرشحين (الآخرين) أي فرصة للفوز في الانتخابات لأنه لا توجد فرصة لهم للمنافسة، وبصراحة لو كانت هناك انتخابات تنافسية، فسيكون موقف السيسي ضعيفًا للغاية. أعتقد أن أي شخص في مصر سيكون لديه فرصة معقولة لتحديه إذا كانت هناك بيئة انتخابية حرة ونزيهة بالفعل".

أنصار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحملون ملصقاته خلال مسيرة في القاهرة، 2 أكتوبر 2023
يقول الحملاوي إن النظام يعتبر هذه الانتخابات حدثاً في غاية الاهمية خصوصاً في طريقة إخراجها للعالم لذلك يملأ الشارع بمناصريهصورة من: Amr Nabil/AP Photo/picture alliance

ويرى حسام الحملاوي أن مشاركة المواطنين في التصويت في الانتخابات أمر ضروري للغاية، "لأن الهدف من الانتخابات ليس إسقاط السيسي، لكن الانتخابات الرئاسية يمكنها أن تمنح ولو هامشا ضئيلا للغاية للحراك وللالتحام مع الناس، وهو ما يمكن البناء عليه في المستقبل".

وتتفق مع هذا الرأي آليس غوير مستشارة المخاطر الجيوسياسية الدولية والأمن بمؤسسة "استراتيجية أزور" للدراسات والأبحاث والتي ترى أنه "ليس هناك سبب للاعتقاد بأن هذه الانتخابات ستبدو مختلفة عن الانتخابات السابقة، رغم الآمال التي حدت البعض من نتائج الحوار الوطني ورغم إطلاق سراح بعض المعتقلين لكن الواقع كان شيئاً آخر".

أزمات متلاحقة وضغوط متصاعدة

يأتي تقديم موعد الانتخابات في وقت يعاني فيه النظام المصري من أزمات منها أزمة الطائرة المصرية الخاصة، التي احتجزتها السلطات الزامبية، وأيضاً توجيه الادعاء الأمريكي الاتهام لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز وزوجته بتلقي رشى بمئات آلاف الدولارات من رجل أعمال أمريكي من أصول مصرية مقابل تسهيل مينينديز استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر والتي تواجه احتمال احتجازها وربطها بتحسن وضع حقوق الإنسان.

ويواجه النظام المصري وضعاً دولياً ضاغطاً للغاية بسبب ملف حقوق الإنسان، حيث تقدر منظمات حقوقية دولية أعداد المحتجزين على خلفية اتهامات سياسية بنحو 60 ألف شخص، إضافة إلى اتهامات بتحول التعذيب في مراكز الاحتجاز إلى وضع ممنهج، وفق ما نشرت  منظمة "ريدرس" البريطانية، التي قالت في تقرير حديث إن "التعذيب في مصر منتشر وممنهج لدرجة أنه يشكل جريمة ضد الإنسانية".

لكن السلطات المصرية تنفي باستمرار وقوع انتهاكات بحق الأشخاص وأن الأمر تجاوزات فردية وأن القانون يحمي حقوق الإنسان. وفي مطلع هذا العام ردّ السيسي على الانتقادات الداخلية والخارجية بشأن هذا الملف، مؤكداً أن الواقع في مصر ليس كذلك.

 

من جهتها، أكدت السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، أن "السيسي حقق قفزة مهمة في ملف حقوق الإنسان"، وأن القانون يحمي هذه الحقوق، موضحة أنه "لأول مرة يطلق رئيس الجمهورية استراتيجية قومية لحقوق الإنسان، ويقر بأن هناك تحديات وضرورة التعامل معها".

غير أن معمل "سيتزن لاب" المتخصص في الأمن السيبراني كشف عن تعرض الهاتف المحمول للمرشح أحمد الطنطاوي لاختراقات أمنية منذ سبتمبر/ أيلول 2021، وسط توقعات بأن النظام المصري يقف وراءها، فيما لم يشر المعمل لذلك صراحة، لتقوم بعدها شركة "آبل" بإطلاق تحديث لكافة هواتفها حول العالم لسد هذه الثغرة.

 

وفي هذا السياق، وعمّا تملثه الأزمات المتلاحقة من ضغوط على النظام المصري، يرى الحملاي أن كل هذه الأمور لا تؤثر على نتيجة الانتخابات، "التي دائماً ما تجري في مصر وفق قواعد لعب مختلفة تماماً"، وأضاف أن الفوز في الانتخابات مؤكد للسيسي دون جدال، "فأجهزة الدولة كلها معه إلى جانب استهداف قوى الأمن ومحاصرتها للمعارضين أو من يريدون تأييد شخص آخر في الانتخابات المقبلة".

ويقول الحملاوي إن هذا النوع من الضغوط - وخصوصاً المتعلق بحقوق الانسان - يرى النظام أنه يمكن التخلص منه بالإفراج عن عدد من المعتلقين السياسيين البارزين وتخفيف القبضة الأمنية وتقليل معدلات الاعتقال وربما عدم استهداف صحفيين معروفين قد يسبب اعتقالهم أو التضييق عليهم قلقاً دوليا، مشيراً إلى أنه "من الصعب للغاية الاعتقاد بإمكانية تغيير طبيعة عمل النظام نفسه في هذا الاطار".

محمود حسين/جينيفر هولايس