1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مأساة هيروشيما وناجازاكي: هول نووي تفوق بشاعته مخيلة البشر

مضت ستة عقود على إلقاء الولايات المتحدة للقنبلة النووية على اليابان، ولا تزال بشاعة تلك المأساة التي لم يستوعبها العقل البشري ماثلة في الأذهان في ظل التساؤلات حول مدى وحشية الحروب وكيفية تجنب تكرار تلك الجريمة البشعة.

https://p.dw.com/p/71OT
حفل للتذكير بضحايا هيروشيما ونجازاكيصورة من: AP

تشير جريمة إلقاء القنابل النووية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي إلى مدى قسوة ووحشية الإنسان ضد أخيه الإنسان. فقبل ستين عاما كانت البشرية على موعد مع بداية استخدام الأسلحة النووية الفتاكة غير التقليدية. تلك الجريمة التي اهتز لها الضمير الإنساني ولايزال تصور مظاهر الرعب والهلع الذي نتج عنها يفوق التصور الإنساني حتى اليوم. كما أن التاريخ سيسجل أن الولايات المتحدة كانت أول من استخدم هذا النوع من الأسلحة. وفي يوم السادس من أغسطس عام 1945 كان سكان مدينة هيروشيما اليابانية على موعد مع إحدى أبشع صور الوحشية التي تفتق عنها العقل البشري لتدمير الإنسانية. حيث حلقت طائرة من سلاح الجو الأمريكي على مدينة هيروشيما حاملة على متنها افتك ما توصلت إليه العقلية البشري الشيطانية من أسلحة الدمار الشامل: قنبلة نووية مخصبة باليورنيوم أطلق عليها (ربما لبرأتها!) "الطفل الصغير" بقوة تدميريه تساوي 12.500 طن من مادة تي ان تي شديدة الانفجار. وعلى أثرها ذابت جثث أكثر من 70.000 في النار فورا، 140.000 كانت حصيلة القتلى حتى نهاية ديسمبر 1945. وآخر إحصائية رسمية لكارثة هيروشيما تتجاوز 242.000 إنسان.

Die Atombombe von Hiroshima
تفجيرات هيروشيما المروعةصورة من: AP

بعد ثلاثة أيام من كارثة هيروشيما كررت الولايات المتحدة الأمريكية المأساة في مدينة ناجازاكي اليابانية، حيث ألقت طائرة أمريكية قنبلة نووية أخرى على المدينة بقوة تدميرية تساوي 22.000 طن من مادة تي ان تي أودت بحياة ما يزيد على 70.000 إنسان. ولا تزال ضحايا هذه الجريمة المرتكبة في حق الإنسانية حتى اليوم يقضون بسبب الآثار المرضية الناجمة عن الإشعاعات إضافة إلى حالات الإعاقات التشوهات التي تصيب حتى الأجنة في رحم أمهاتهم. وتعيش الأجيال الجديدة حتى الآن في خوف مستمر من الإمراض الناجمة عن الإشعاعات النووية في الهواء والبيئة الحياتية المحيطة عموما والتي تعرضت للتلوث.

ميكافيلية السياسة الدولية:"الغاية تبرر الوسيلة"

Landscape-Banner 60 Jahre Hiroshima

يعتبر الكثير من الخبراء والمؤرخين إعلان اليابان استسلامها في الثاني من سبتمبر 1945 هو النهاية الحقيقية للحرب العالمية الثانية وليس الثامن من أغسطس من نفس العام، وهو اليوم الذي كانت قد استسلمت فيه ألمانيا النازية بدون قيد أو شرط. وقد سعت الولايات المتحدة بإلقاء القنبلة النووية على اليابان إلى وضع نهاية سريعة للحرب بأي ثمن وجني ثمار هذا النصر لصالحها بفرض نفسها كقوة على الساحة الدولية ومن ثم رسم معالم عالم جديد تكون هي القوة المسيطرة فيه. لذلك كان اللجؤ إلى الإفراط الشديد في استخدام القوة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. فالغاية التي بررت استخدام تلك الوسيلة الميكافيلية القذرة هي أولا أن تجبر الولايات المتحدة الأمريكية اليابان على الاستسلام السريع دون قيد أو شرط، وهو ما تحقق بالفعل، وثانيا استخدام القنبلة النووية كسلاح استراتيجي لدعم القوة السياسية في السياسة الدولية وهو ما تجلى بوضوح أثناء الحرب الباردة والتي شهدت بدورها سباقا نوويا محموما كاد في بعض الأحيان أن يعرض كوكب الأرض لحرب مدمرة. وهنا يثار السؤال التقليدي عن "أخلاق الحرب"، والى أي مدى يمكن للغاية أن تبرر الوسيلة في السياسة الدولية عموما وأثناء الحروب بوجه خاص.

سياسة الكيل بمكيالين

60 Jahre Danach - Bildergalerie - Hiroshima 15/20
هيروشيما شاهدة على وحشية الحروبصورة من: AP

لضمان عدم تكرار ما حدث في هيروشيما وناجازاكي لجئت الأسرة الدولية إلى وضع ضوابط لصنع وامتلاك الأسلحة النووية. وقد تم التوقيع على اتفاقيات دولية تلتزم بموجبها الدول الموقعة بحضر انتشار الأسلحة النووية. وأنشأت لهذا الغرض أجهزة دولية مهمتها مراقبة أنتاج وانتشار الأسلحة النووية مثل المنظمة الدولية للطاقة. غير أن حيازة الأسلحة النووية التي كانت الدول العظمى قد امتلكتها وتمتلكها حتى الآن وأعطت لنفسها الحق في امتلاكها هو ما يمثل الخطر في خضم الصراعات الدولية الحادة كما كان الحال علية أثناء الصراع بين ما عرف بالمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق. وقد استثنت هذه الدول نفسها من الاتفاقات الدولية حول منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهي الدول التي تعرف بأعضاء النادي النووي. غير أن هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور الشرطي العالمي غير النزيه لمراقبة تطبيق اتفاق حضر انتشار الأسلحة النووية، ولكن بمعايير مزدوجة. وتقوم منظمة الطاقة الدولية "بشرعنة" هذه المعايير فهي ترى فقط ما تراه القوى العظمى وتغض النظر عن ما سواه.

UN Waffeninspekteure im Irak passieren Zugang zur Atombehörde in Tuwaitha
المفتشون الدوليون على اسلحة الدمار الشامل في العراق عام 2002صورة من: AP

خطر الأسلحة النووية على البشرية يضل هو نفسه سواء كان من يمتلك هذه الأسلحة دولا عظمى أو قوى إقليمية صغيرة أو حتى منظمات إرهابية. ولا يكمن الحل سوى في تخلص جميع الدول العظمى منها والصغرى من هذه الأسلحة وتمتنع عن إنتاجها. ولكن ما يحصل هو العكس حيث تسعى دولا أخرى للحصول على أسلحة الدمار الشامل مما يعني أن العالم مهدد طالما ومازال إنتاج هذه الأسلحة مستمر حتى وان كان إنتاجها لأغراض دفاعية وقائية كما تزعم بعض الدول الساعية إلى ذلك. لان الأمر في كل الحالتين سيان فالسلاح النووي هو وقائي وهجومي نفس الوقت والخطر على العالم قائم في كلا الحالتين. كما أن المشكلة تكمن في أن الدول التي لم توقع على اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لا تسري عليها تلك الاتفاقيات الدولية. وقد سعت وتسعى قوى إقليمية مثل الهند وباكستان، إسرائيل وكوريا الشمالية إلى إنشاء لإنتاج أسلحة الدمار الشامل أو يمكنها أن تستخدم في إنتاج هذه الأسلحة. وقد تعاملت وتتعامل القوى العظمى ووكالة الطاقة الدولية مع هذه الدول النووية الفتية بمعايير مزدوجة ووفقا لسياسة الكيل بمكيالين.

نحو شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل

Dossier Nordkorea Mohamed El Baradei in Nordkorea, Atom
الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاترى ولاتسمع ولاتعلمصورة من: AP

لقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربا على العراق تحت مبرر امتلاكه أسلحة تدمير شامل تهدد الأمن والسلام العالميين وهو ما لم يثبت صحته. وحاليا هناك أزمة حول سعي إيران إلى تخصيب اليورانيوم وأزمة أخرى مع كوريا الشمالية بسبب امتلاكها قدرات نووية. لكن الأمر يختلف بالنسبة لإسرائيل التي ظلت ولازالت خارج إطار الجهود الحثيثة لمنظمة الطاقة الدولية وبعيدا عن مراقبتها أو تدخل مجلس الأمن الدولي. وهذا لا يعني أن الخطر من الأسلحة النووية لهذه الدول غير موجود، بل إن موازين القوى الدولية هي التي تحدد متى وأين يكمن الخطر. ففي الوقت الذي تلتزم فيه الدول العربية بالاتفاقية الدولية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتخضع لشروط ومراقبة قاسية من الأسرة الدولية ووكالة الطاقة تظل القدرات النووية الإسرائيلية، التي تمثل خطرا على أمن المنطقة والعالم أجمع، خارج نطاق أي مراقبة دولية.

د. عبده جميل المخلافي