1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: المصريون يبدأون رحلة العودة للمنتج المحلي

عماد الدين حسين
٢١ سبتمبر ٢٠١٧

قرار الحكومة المصرية تعويم الجنيه يبدو أنه بدأ يؤتي أكله خصوصا بالنسبة للمستهلكين، يقول الكاتب الصحفي عماد الدين حسين في مقاله* لـ DW عربية، لكنه يتساءل هل يعني ذلك أن المنتوج المصري كسب معركة المنافسة ضد المستورد؟

https://p.dw.com/p/2kSEF
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

زوجة أحد الأصدقاء طلبت منه أن يشترى لها نوعا من الشيكولاتة المستوردة التي تستخدم في صناعة السندويتشات الخفيفة للأطفال. ذهب الرجل للمتجر، لكنه لم يجد النوع المستورد، ووجد نوعا قريبا منه، لكنه مصنوع فى مصر. اتصل بزوجته، فرفضت بإصرار أن يشترى المنتج المصرى. وفى اليوم التالي طلبت منه أن يذهب إلى سلسلة متاجر مواد غذائية شهيرة وكبيرة، ليبحث عن المنتج المستورد، لكنه لم يجده أيضا. وعندما سأل بعض العاملين في السلسلة، قالوا له: إننا لم نعد نستورده، لأن سعره صار مرتفعا جدا، بعد تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية فى 3 نوفمبر تشرين ثان الماضي.

بعدها بأيام عثر الزوج على المنتج المستورد، فى سلسلة غذائية أخرى، ولم يعرف هل هو من بقايا كميات مستوردة قديمة، أم تم استيراده حديثا. لكن في كل الأحوال فإن السعر زاد عن الضعف مقارنة بفترة ما قبل التعويم.

المثال السابق يكاد يتكرر مع أصناف ومنتجات غذائية مستوردة كثيرة، لم تعد متواجدة في الأسواق المصرية في الشهور الأخيرة.

أسباب ذلك أن الدولار الأمريكى الذى كان يساوي رسميا أقل من ثمانية جنيهات مصرية قبل قرار التعويم، ارتفع بعده إلى أكثر من 17 جنيها، ووصل في بعض الفترات إلى أقل من عشرين جنيها بقروش بسيطة.

نتيجة لهذا فإن السلع المستوردة صارت غالية الثمن جدا، وصار كل شخص مصري يسافر للخارج يفكر أكثر من مرة قبل شراء أي سلع.

أحد الإعلاميين المصريين دخل، أحد سلاسل الملابس الشهيرة في دولة أوروبية، وكان ذلك بعد قرار التعويم بقليل. اشترى ما تيسر له من سلع. وحينما انتهى وعاد للفندق، وصلته رسالة من البنك المصري الذى يتعامل معه، اكتشف خلالها أن سعر اليور بعد إضافة الضرائب والرسوم والتغيير، قد صار يساوى حوالى 26 جنيها.

فى السفرية التالية، قال لي هذا الصديق الإعلامي إنه قرر التوقف شبه التام عن الشراء من الخارج. وانه صار يحسب الأمر بهدوء شديد، بعد أن اكتشف أنه من الأفضل له أن يشتري من مصر، حيث صارت العديد من السلع أرخص كثيرا فى ظل ارتفاع أسعار المستورد.

هذا القرار الطوعي من كثير من المصريين بالتوقف عن شراء العديد من السلع المستوردة، تراه الحكومة المصرية عموما، والبنك المركزي خصوصا نقطة تحسب لصالحهم تماما، وإحدى علامات النجاح على سياستها الاقتصادىة وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذى وقعته قبل شهور مع صندوق النقد الدولي، وأتاح لها الحصول على قرض ضخم يصل إلى 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

في المقابل فإن بعض التجار الذين تخصصوا في استيراد السلع والبضائع المستوردة، لم يتوقفوا عن نشاطهم، خصوصا فيما يتعلق بالسلع غير الأساسية أو التي يطلق عليها بعض المصريين "السلع الترفيهية او الاستفزازية".

هؤلاء كانوا يحققون أرباحا ضخمة من تجارتهم قبل قرار التعويم، وظلوا يحققون أرباحا معقولة بعد التعويم، خصوصا لتلك السلع القادمة من الصين، وكان البعض يصنفها بأنها ذات نوعية رديئة وتفتقد لمقومات الجودة.

من أجل هؤلاء التجار، لجأت الحكومة إلى عشرات الإجراءات لتعويق وتصعيب نشاطهم. أحد أبرز هذه الإجراءات كانت الحصول على شهادات منشأ من المصانع والشركات الرسمية والمعتمدة التي يتم الاستيراد منها، ولأن غالبية هذه التجارة كانت تتم مع مصانع صغيرة أو غير قانونية، أو كما يطلق عليها المصريون "مصانع بير السلم"، فقد انخفضت الكميات المستوردة كثيرا، مقارنة بفترة ما قبل التعويم.

ما الذي كسبته مصر وحكومتها من قرارات تعويم الجنيه وخفض الاستيراد؟!.

فى تقدير د. أسماء المغربل المحللة المالية الدولية بوكالة بلومبرغ فإن هذا التوجه ساعد في تخفيف الضغط على العملات الأجنبية. في حين أن الدكتورة علياء المهدي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، ترى أن هذه الإجراءات وفرت نوعا من الحماية للمنتجات المحلية حتى لو تم ذلك بشكل غير مقصود، لكنه في المقابل فقد كان هناك ضرر غير مقصود أيضا، وهو أن بعض السلع والمستلزمات الإنتاجية التي توقف استيرادها تحتاجها الكثير من الصناعات كمواد خام أو مكملة، مما يعني صعوبات تواجه العاملين بمجال الصناعة.

فى تقدير مصادر مسؤولة بالبنك المركزي فإن القطاع المصرفى وفر 109 مليار دولار لتلبية احتياجات السوق من النقد الأجنبى خلال 21 شهرا من نوفمبر 2015 وحتى يوليو 2017. كما أن تقليل فاتورة الواردات يدعم تخفيض العجز الكبير في الميزان التجاري.

وبحسب مصدر مسؤول بالبنك المركزي، فإن البنك أنهى جميع طلبات النقد الاجنبي من قبل المستوردين والشركات الاجنبية منذ تطبيق قرار تحرير سعر صرف الجنيه، وهو ما يدل على أن الاقتصاد المصري قد تعافى من نقص الدولار، وفقا لما نقلته وكالة بلومبرغ. وبحسب المصدر، فإن البنك قام بتلبية طلبات على العملة الامريكية بقيمة 49 مليار دولار لتنفيذ معاملات تجارية منذ تعويم الجنيه وحتى أغسطس اب الماضى.

لا توجد بيانات رسمية نهائية عن الانخفاض في فاتورة الاستيراد، لكن هناك تقديرات غير رسمية، تشير إلى أنها وصلت إلى عشرة مليارات دولار منذ تعويم الجنيه.

وهناك بيانات رسمية في بعض القطاعات، فوزير الصناعة طارق قابيل قال إن المستورد من المستلزمات الطبية انخفضت قيمته من 1.5 مليار دولار إلى 800 مليون دولار، إضافة إلى تصدير مستلزمات بقيمة 250 مليون دولار. كما انخفضت الواردات من الهند بنسبة تصل إلى 10 في المائة.

وأظهر تقرير التجارة الخارجية الصادر فى نهاية شهر أغسطس الماضى، تراجع فاتورة استيراد عشر سلع أساسية خلال الفترة من يناير إلى يونيو الماضي.

حيث تراجعت واردات اللحوم بنسبة 51 % والدواجن بنسبة 12 % والذرة بنسبة 19 % والزيوت النباتية بنسبة 46 % والأسماك والقشريات بنسبة 22 % والألبان ومنتجاتها بنسبة 39 % والفول 46 % والقمح 1 % والحيوانات الحية 48 % والياميش 65 %، في حين زادت واردات السكر بنسبة 126 % وفول الصويا 36 %، وإجمالا فقد انخفضت فاتورة استيراد السلع التموينية بنسبة 28.2 % لتسجل 4.4 مليار دولار.

وبصفة عامة فقد انخفضت وارادات السلع المصنفة "استفزازية" أو غير أساسية بنسب كبيرة في مقابل الإقبال على السلع المصنعة محليا التي كان لها سمعة جيدة جدا في الماضي، وتعرضت لتحديات كثيرة.

هذه السلع المحلية وجد بعضها طريقه إلى الأسواق الخارجية بسبب الميزة التنافسية المهمة وهي انخفاض قيمة الجنيه. لكن السؤال الجوهري الذى يحتاج إلى إجابة تفصيلية هو: هل الصناعة المصرية مؤهلة لتقديم منتجات منافسة، وهل القضية فقط فى السعر المنخفض أم الجودة، أم عوامل كثيرة متداخلة؟!. سؤال يحتاج إلى مناقشة مستفيضة، خصوصا انه يقع في صلب مستقبل الاقتصاد المصري.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد