1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عراقيات تحت وطأة العنف والإهمال

٩ يناير ٢٠١٢

مئات النساء العراقيات يتعرضن للقتل سنويا بسبب "غسل العار" الذي يصيب العائلة التي تكتشف أن البنت تقيم علاقة مع شخص ينوي التقدم لخطبتها. وتعاني المعنفات العراقيات من المتزوجات وغيرهن من غياب ملاجئ النساء كمأوى.

https://p.dw.com/p/13gaM
صورة من: Munaf Al-saidy

استمرت ترتيبات لقاء مروة حمد جبار، وهو اسمها المستعار طويلاً، من أجل الاطمئنان إلى مكان آمن. كانت أول كلماتها بعد أن تحقق اللقاء: "أشعر بالخوف مما يخفيه لي القدر. حياتي مهددة بالقتل في أي لحظة بمجرد أن تكتشف عائلتي مكاني". تعد مروة نموذجاً حياً للمرأة المعنفة في العراق في ظل غياب الملاجئ الخاصة بالنساء كموقع إيواء. ووجدت الشابة مروة البالغة من العمر 26 عاما نفسها مهددة بالقتل من قبل عائلتها المتمسكة بالعادات والقيم العشائرية، عندما اكتشفت أنها على علاقة عاطفية مع أحد الأشخاص. وعليه قررت مروة الفرار من بيت عائلتها خوفاً من القتل، واللجوء إلى أحد المنازل للعمل فيه كمربية أطفال منذ أربعة أعوام.كانت مروة تعيش قصة حب استمرت شهورا قليلة مع شخص يكبرها عمراً بثلاث سنوات، تعرف عليها في إحدى الأسواق التجارية في منطقتها آنذاك، حيث وعدها بالتقدم لخطبتها فور أن يهيئ نفسه مادياً، إلا أن الأيام مضت واكتشف أخوها أمرها، وبدأ يعد العدة لقتلها "غسلاً للعار" الذي أصاب العائلة. وذهبت أحلام مروة في تكوين أسرة صغيرة أدراج الرياح.

مروة تتذكر تفاصيل تلك الفترة والدموع تكاد لا تنقطع من عينيها، وتضيف بصوت فاتر طغى عليه الحزن: "قررت الهروب من المنزل بعد أن أيقنت بأن شقيقي خطط لقتلي بدافع الشرف"، مبينة أنها لجأت بعدها إلى إحدى المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في العاصمة بغداد حيث قامت بإيوائها ثم إرسالها إلى عائلة متمكنة مادياً لتعمل كمربية أطفال عندهم من أجل إعالة نفسها،وكانت حينها تبلغ الـ 22 من العمر.

الغلبة للتقاليد

Gewalt gegen Frauen im Irak
دلال الربيعي نائبة رئيسة منظمة"حرية المرأة" في بغدادصورة من: Munaf Al-saidy

وتعاني المعنفات العراقيات من المتزوجات وغيرهن من غياب الملاجئ الخاصة بالنساء التي تقدم لهن المأوى بعد اختيارهن العيش بعيداً عن بيت العائلة إثر تعرضهن إلى العنف الأسري، سواء كان من قبل الأب أو الزوج. وعلى الرغم من مطالبات الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والجهات المعنية بمنح تراخيص لفتح مثل هذه الملاجئ لإيواء النساء المهددات بالقتل أو العنف، إلا أن هذه الجهات لا تزال على موقفها الرافض لإعطاء هذه الرخص، مهددة باللجوء إلى القضاء، وبالتالي لا تبقى سوى إمكانية العثور على ملجأ أو ملاذ ما "بصورة غير شرعية".

لكن هذا المنع يقتصر على محافظات جنوب العراق ووسطه، أما في إقليم كردستان العراق فالوضع مختلف. فقد بلغ عدد ملاجئ النساء اللواتي يتركن عائلاتهن هرباً من العنف في إقليم كردستان العراق نحو خمسة ملاجئ، تم تأسيسها وفق طلب تقدمت به المنظمة "اسودا" (الطمأنينة) الكردية في محافظة السليمانية عام 2000. وأسس الإقليم نهاية عام 2009 مجلساً أعلى يعنى بشؤون المرأة والحد من تقليصها إلى ضحية للعنف.

ضحية أخرى..

ولم يكن حال مروة أفضل من حال هدى عبد الرزاق سعد، وهذا اسمها المستعار، ذات الـ 24 ربيعاً، والتي تعتبر هي الأخرى إحدى ضحايا العنف الأسري في مدينة محافظة ديالى، فقبل سنوات لجأت هدى إلى إحدى منظمات المجتمع المدني كملاذ آمن خوفاً من القتل بدافع الشرف بعد أن عجزت عن البحث في مؤسسات الدولة التي تعنى بشؤون المرأة عن مأوى يحميها من "شبح القتل".

في بادئ الأمر رفضت هدى الحديث مع دويتشه فيله عن تلك اللحظة التي وصفتها بــ"المشؤومة"، خوفاً من اكتشاف مكانها. لكنها وبعد لحظات من الصمت والتردد قررت الحديث معنا بقولها: "لم ارتكب جرماً أو ذنباً فضيعا، كل ما في الأمر أن أبي اكتشف بأني على علاقة مع شخص أراد أن يتزوجني. ولم أكن حينها أتجاوز ربيعي الـ21، حتى انهال علي بالضرب المبرح، ثم أخذ يعاملني بقسوة وعندها قررت الفرار من البيت".

وتطالب الشابة هدى السلطات بالتدخل الجاد والفعال "من أجل القضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة، وكذلك فتح دور إيواء آمنة للنساء المعنفات اللواتي يتعرضن للعنف الجسدي والمعنوي"، على حد تعبيرها. وغالباً ما تزداد أعمال العنف بين النساء غير المتعلمات أو اللواتي يعملن لدى العائلات كخادمات في المنازل ومربيات الأطفال، فضلاً عن الفتيات اللواتي يجبرن على الزواج المبكر أو غير المتكافئ، بالإضافة إلى النساء اللواتي يعملن بأجور في المعامل والمحلات وغيرها.

Gewalt gegen Frauen im Irak
إحدى الملصقات الداعية إلى وقف العنف ضد المرأةصورة من: Munaf Al-saidy

"نظرة المجتمع الدونية للمرأة" أبرز الأسباب

وتفسر دلال الربيعي نائبة رئيسة منظمة"حرية المرأة" في بغداد سبب تنامي ظاهرة العنف ضد النساء في المجتمع العراقي بجملة من الأسباب، أبرزها "نظرة المجتمع الدونية للمرأة بسبب هيمنة الأعراف والتقاليد العشائرية التي تولي اهتماما كبيرا بالذكور دون الإناث". وتضيف الربيعي في حوار مع دويتشه فيله أن"التفسير الخاطئ للكثير من المفاهيم الإسلامية من قبل المجتمع قد لعب دوراً كبيراً في تنامي الظاهرة"، منوهة "فبدل أن تحث تلك التقاليد على حفظ كرامة المرأة وحريتها بالتعليم ومشاركة الرجل في بناء المجتمع أخذت تضيق عليها الخناق وتكبت حريتها".

وتكشف الناشطة في مجال حقوق المرأة عن وجود الكثير من المطالبات التي تقدمت بها منظمتها إلى الجهات المعنية لمنح تراخيص من أجل فتح ملاجئ آمنة للنساء المعنفات أو عدم تعرض من يفتح مثل هذه الملاجئ إلى المساءلة القانونية. وتفيد الربيعي أنه "لم يُستجاب لهذه المطالب برد من أي جهة". وتكمل مستطردة أن "ما لمسناه من بعض الجهات هو أننا مجتمع إسلامي وعشائري يناهض مثل هذه المطالب". وتشير الربيعي إلى أن المنظمة أجرت خلال العام الماضي مسحاً ميدانياً لمعرفة عدد النساء اللواتي قتلن بدافع "جرائم الشرف"، شمل محافظات وسط العراق وجنوبه. وكشفت الدراسة أن هناك 300 إلى 500 امرأة يُقتلن سنوياً". وتضيف الناشطة الحقوقية أن "التحقيقات الطبية-الجنائية تظهر أن أغلبهن عذراوات"، معلقة على النتائج قائلة: "أي بمعدل جريمة قتل واحدة لكل يوم". وتنوه الربيعي إلى ضرورة اضطلاع الجهات الرسمية بدورها "للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة عبر سن القوانين التي تجرم من يقتل بدافع الشرف ومعاقبته أشد عقوبة".

Galerie 50 Jahre Amnesty International AI Demonstration gegen Gewalt gegen Frauen
حملة توعية ضد العنف الممارس ضد المرأة في العالم. (منظمة العفو الدولية)صورة من: picture-alliance/Photoshot

لكن ماذا يقول المسؤول؟

اتجهت دويتشه فيله إلى"لجنة المرأة والأسرة والطفل" في البرلمان العراقي للسؤال عن سبب الامتناع عن إقامة مثل هذه الملاجئ لإيواء النساء اللواتي يتعرضن للعنف، فأجابت رئيسة اللجنة النائبة انتصار علي الجبوري بالقول إن "لجنتها تعمل بالتعاون مع وزارتي المرأة والداخلية ومنظمة الأمم المتحدة في هذا الموضوع". وتضيف الجبوري : "ننتظر طرح مشروع قانون فتح ملاجئ للنساء المعنفات من قبل وزارة المرأة لمناقشته داخل قبة البرلمان". وبينت النائبة العراقية أن "اللجنة أخذت بعين الاعتبار عادات وتقاليد المجتمع وقيمه الدينية في فتح هذه الملاجئ، مستفيدين بذلك من تجربة إقليم كردستان العراق"، على حد تعبيرها. يُذكر أن المادة 29 الفقرة 4 من الدستور العراقي تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع، إلا أن ذلك لا يقف حاجزا أمام تزايد العنف ضد المرأة العراقية.

مناف الساعدي ـ بغداد

مراجعة: محمد المزياني

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد