1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ضرورة تشجيع المنتوج المحلي العربي أسوة بنظيره الألماني

ابراهيم محمد
١٨ ديسمبر ٢٠١٦

تعرّض المنتوج الزراعي والحرفي في الدول العربية للاندثار تارة وللإهمال تارة أخرى لأسباب لا تقتصر فقط على الاستخفاف بقيمته الفعلية. فما هي تلك الأسباب وكيف يمكن تطوير هذا العنصر أسوة بدول متطورة مثل ألمانيا؟

https://p.dw.com/p/2UO46
Bildergalerie Internationale Grüne Woche Arabische Beteiligung
صورة من: DW/A.Bendrif

في العالم العربي يستخف الكثير من المستهلكين بمنتوجهم المحلي بحجة ضعف الجودة وغياب جمال المظهر. ومقابل هذا الاستخفاف تراهم مفتونون باستهلاك كل ما هو مستورد من أغذية وألبسة ومواد تجميل وغيرها من متطلبات الحياة اليومية. أما صناع القرار فإن غالبيتهم مسحورة بوسواس العظمة والفخامة التي تجسد البذخ والإسراف بشكل يتعارض مع العقلانية الاقتصادية. ومن هنا تجدهم يتباهون بخططهم لبناء أعلى ناطحات السحاب وأكبر المجمعات السياحية  وأوسع المطارات وأضخم الصالات بأحدث التقنيات، أما السؤال حول الجدوى الاقتصادية من ذلك فأمر ثانوي. ولهذا فإن أجزاء من هذه المشاريع تتحول إلى خرائب أو أطلال بعد مرور فترة وجيزة على تشغيلها، ليس فقط بسبب صعوبة توطين التكنولوجيا الخاصة بها، بل أيضا لعدم الحاجة إلى طاقاتها الكاملة. ومن أحدث الأدلة على ذلك مشروع توسيع قناة السويس بتكلفة 8 مليارات دولار دون عائد اقتصادي يعادل ولو جزءا بسيطا من تكلفة المشروع حتى الساعة. وفي الجزائر تحولت أجزاء من المصانع التي أقيمت في مجال السيارات والمعدات الزراعية والآلات إلى أشباح وخرائب، يغطيها الغبار والصدأ.

أهمية التعلم من التجربة الألمانية

Deutschland Bauernproteste Berlin
ألمانيا بلد صناعي بامتياز وهي تتفوق أيضا على الدول العربية في الانتاج الزراعيصورة من: picture-alliance/dpa/P. Zinken

هذا في العالم العربي، أما في بلد صناعي متقدم مثل ألمانيا فهناك ميول إلى التوفير والتعامل مع الموارد بعقلانية حتى ولو كانت متوفرة بكثرة. على سبيل المثال، يستهلك الألمان في المتوسط أقل من 80 بالمائة من مواردهم المائية المتوفرة بكثرة بفضل ترشيد الاستهلاك والوعي بأهميته. ويفضل الألمان المواد الغذائية المحلية والعمل في شركات صغيرة بدلا من الكبيرة والمتعددة الجنسية . كما إنهم يفضلون المنتجات المحلية على المستوردة، وهو الأمر الذي يشجع الاقتصاد القروي والمحلي ويجعل البلاد محصنة إزاء التأثيرات الخارجية المرتبطة بارتفاع الأسعار وتراجع المحاصيل أو الإنتاج في الخارج، مثلا لأسباب مناخية وظروف غير ملائمة أو بسبب الكوراث والحروب. فوائض الإنتاج التي يتم تخزينها أو تصنيعها بكميات تكفي عادة لأكثر من موسم أو سنة، تؤدي إلى الرفع من درجة الحصانة . ويأتي في مقدمتها فوائض الحبوب من قمح وشعير وذرة. أما فوائض الخضار والفواكه فإنها تحفظ أو يتم تحويلها إلى عصائر يمكن الحصول عليها بأسعار مناسبة في فترات لاحقة.

المنتج المحلي عصب الاقتصاد الألماني

Bildergalerie Teppiche aus Tunesien Tunis
في بعض الدول العربية مثل تونس ما يزال هناك حضور لبعض الحرف التقليديةصورة من: Lionel Bonaventure/AFP/Getty Images

يعتقد الكثيرون أن بلدا مثل ألمانيا يعتمد اقتصاديا على الصناعات الكبيرة. غير أن البيانات المتوفرة تشير إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشغّل أكثر من 70 بالمائة من قوة العمل وتنتج أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، كما تدرب أكثر من 80 بالمائة من الشباب على مختلف المهن والحرف. وعلى سبيل المثال، فإن 94 بالمائة من المزارع هي صغيرة وعائلية في ألمانيا. أما منتجاتها فتباع داخل ألمانيا وخارجها بشكل أساسي من خلال مؤسسات وجمعيات تعاونية متخصصة، من خلال تقديم الاستشارة والدعم التقني والترويج والتسويق. ومن المعروف أن ألمانيا ومعها دول الاتحاد الأوروبي تدعم الإنتاج الزراعي المحلي في مجال المحاصيل الإستراتيجية والحليب ومشتقاته بأكثر من 50 مليار يورو سنويا، لكن ماذا بالنسبة للإنتاج المحلي ودور الشركات العائلية والصغيرة في الدول العربية؟

هل جاءت استفاقة الدول العربية متأخرة!

Grüne Woche 2014 Berlin
في المغرب تعتمد حرف كثيرة على المنتج الزراعي، الذي لا يحظى بدعم لافت من الدولةصورة من: DW/A.Bendrif

استفاقت بعض الدول العربية أوائل القرن الجاري على تراجع مريع في دور المنتوج المحلي والعائلي وغياب المؤسسات الصغيرة التي تشكل حجر الزاوية للاقتصاديات المتطورة والنامية. وجاء هذا التراجع على ضوء الهدر المريع للموارد في مشاريع كثيرة لقطاعات الدولة وأخرى خاصة متواطئة مع صناع القرار الفاسدين والمفسدين. كما يعود السبب إلى سياسيات منتهجة تعمل على تشجيع الاستهلاك المستورد من خلال الدعم الحكومي لأسعار السلع الأساسية والتسهيلات الجمركية لها إضافة إلى وجود منافذ التهريب المزدهرة عبر الحدود. أما المنتج المحلي الصغير فتُرك وحيدا ومحروما من الدعم والتسهيلات بشكل أدى إلى توقف الجزء الأكبر منه عن الإنتاج. وهو الأمر الذي دفعه للهجرة إلى أطراف المدن على أمل توفير حياة أفضل له من حياة المزرعة أو الحرفة الصغيرة. وعلى ضوء هذا التراجع المخيف خرجت مبادرات وطنية كثيرة بدعم محلي ودولي لإقامة صناديق تمويلية متخصصة في دعم المشاريع الصغيرة والحرفية.

في عام 2009 جاءت مبادرة القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية لإنشاء صندوق مهمته تمويل ودعم مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة تحت إدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. غير أن هذه المبادرات لم يكتب لها النجاح لأسباب عدة، أبرزها ضعف البنى التحتية في الأرياف وغياب الإطار التنظيمي والاستشارات الضرورية لأصحاب المشاريع، إضافة إلى معوقات التمويل والفساد في الإدارات الحكومية وإجراءات تقديم القروض. وزاد الطيب بله تلك الاضطرابات التي تجتاح العديد من الدول العربية وفي مقدمتها ليبيا وسوريا والعراق ومصر واليمن. وسممت هذه الاضطرابات مناخ الاستثمار والعمل في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عطل الكثير من هذه المبادرات أو أجل تنفيذها.

الأهمية الحيوية لإحياء المنتوج المحلي

حاليا تطال الاضطرابات السياسية والأمنية والحروب والإرهاب جميع الدول العربية بشكل أو بآخر، في وقت تستمر فيه أسعار النفط والمواد الأولية في الانخفاض. وبعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية فمن المتوقع أن يشهد العالم مزيدا من التشدد في السياسات الحمائية. ويعني ذلك تراجع إيرادات الدول العربية وانخفاض قدراتها على استيراد الأغذية والألبسة وغيرها من متطلبات الحياة اليومية. ولتلافي تلك التبعات السلبية فإن تشجيع المنتج المحلي في الزراعة والأنسجة والحرفة هو الخيار الأنسب على المدى المنظور. يقول قاموس الصناعات الشامية إن دمشق على سبيل المثال، عرفت حوالي 350 حرفة أوائل القرن الماضي. ومع أوائل القرن الحالي لم يبق فيها سوى بعض العشرات من تلك الحرف. وعليه فإن التحدي الأكبر يكمن في إعادة تشجيع وإحياء المنتوج المحلي لوقف التوسع الذي تشهده دائرة الفقر والبطالة في الدول العربية وتحسين مستوى المعيشة فيها.

Ibrahim Mohamad Kommentarbild
ابراهيم محمد كاتب ومحرر
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد