1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

صموئيل شمعون: العراق الذي أعرفه لم يعد موجودا

١ مارس ٢٠١٠

صموئيل شمعون يحب السفر منذ طفولته. غادر موطنه العراق وهو شاب متجها إلى هوليود. لكن الرحال حط به في دمشق فبيروت ثم باريس ولندن حيث يعيش الآن. حلم طفولته لم يفارقه حتى الآن. وهوليود مازالت تنتظر.

https://p.dw.com/p/MEa6
الكاتب العراقي صموئيل شمعون في برلين. الحياة في هوليود حلم لم يفارقه منذ طفولته.صورة من: AP

بمبادرة من لجنة مهرجان برلين الأدبي وبالتعاون مع فندقِ بلايبتروي (Bleibtreu) انطلق في العاصمة الألمانية العام الماضي مشروع ثقافي يحمل اسم "الغرفة الثقافية" حيث تتم دعوة كتاب عالميين للإقامة في الفندق المذكور لمدة تتراوح بين أربعة وستة أسابيع، يتفرغون خلالها للكتابة وللتعرف على مدينة برلين. ومن بين هؤلاء الكتاب الكاتب العراقي صموئيل شمعون الذي أمضى شهر فبراير/ شباط في العاصمة الألمانية، وبهذه المناسبة أدلي بالحديث التالي لدويتشه فيله.

دويتشة فيلة: في الغرب يعتبرونك كاتبا في المنفى، هل تعتبر نفسك كذلك؟

صموئيل شمعون: لا أعتبر نفسي كاتبا في المنفى. أنا أعيش في أوربا كمهاجر متأقلم مع البلد الذي أقيم فيه. أي في بريطانيا. لا أبالغ إذا قلت إنني منذ السادسة من عمري أردت ترك العراق.

هل ترفض هذه الصفة؟

لا أرفضها تماما. لكني لا أعرف في الحقيقة كيف أفسر معنى المنفى. ربما كنت في فترة ما لا أستطيع أن أذهب إلى العراق، حين كان هناك نظام حكم لا يسمح لي بالعودة، أو ربما كان سيسمح لي بالعودة لكن تحت شروط قاسية كنت أرفضها. أما الآن فأنا أعيش حرا في بريطانيا ولي الجنسية البريطانية. فأنا مقيم هناك ولا أعتبر نفسي منفيا تماما.

هل يعني ذلك أن عودتك إلى العراق أصبحت ممكنة؟

لا أعتقد أنني سأعود ذات يوم إلى العراق. على الأقل إنني لا أفكر في هذا الأمر في الوقت الحاضر. لا توجد عندي هذه الرغبة. ربما في المستقبل، من يدري. كما قلت كنت طيلة طفولتي ومراهقتي وشبابي دائما أحب السفر إلى الخارج. الخارج كان آنذاك يعني بالنسبة لي هوليوود. لم أفكر أبدا أن أشيخ في بلدي. (يضحك)

هل تعتبر نفسك عراقيا؟

أنا طبعا كاتب عراقي وأشعر بذلك. لكني في الوقت نفسه لست عراقيا. أنا ولدت هناك. بالتأكيد كنت أيضا سأكون سعيدا لو أني ولدت في طنجة أو في القاهرة أو بيروت. لا أتوقف عند هذه النقطة كثيرا. العراق في الحقيقة بلد جميل وله ثقافة عريقة ولا بد للمرء أن يشعر بالفخر أنه ولد هناك. لكن العراق الذي أنا ولدت فيه لم يعد موجودا، ومنذ وقت طويل، عمليا منذ تقلد البعثيين الحكم، حطموا ذلك العراق المتعدد الثقافات. العراق الذي أعرفه لم يعد موجودا. هناك فرق كبير بين أبناء جيلي والذين ولدوا في العراق في السبعينيات وغادروه في تسعينيات القرن الماضي. هذه الملاحظة يشاطرني فيها الكثير من العراقيين الذين أعرفهم. فترة الحكم البعثي والإيديولوجية الواحدة، والحرب مع إيران وفترة الحصار، ثم هذا العراق الموجود الآن والذي لا أعرف كيف أسميه، كل هذا ترك آثارا كبيرة على شخصية الإنسان العراقي الحالي، التي تختلف عن شخصية أولائك الذين عاشوا في العراق قبل هذه التغيرات.

طيب لماذا سميت كتابك الأول "عراقي في باريس" وليس "صموئيل شمعون في باريس"؟

كتبت مقالا بنفس العنوان قبل صدور الكتاب بعشر سنوات. المقال كان ردا على فيلم "أمريكي في باريس". حينها فكرت: "إذا كان هناك أمريكي في باريس، فلماذا لا يوجد عراقي في باريس أيضا؟" (يضحك) طبعا هناك فيلم اسمه "بدوية في باريس" وهناك "هندي في باريس" و"أمريكية في باريس" وهو عنوان لطيف وفكاهي. كما أنه كان ناجحا لأنه عنوان عادي وفي نفس الوقت مباشر أيضا.

أين تشعر أنك في بيتك إذن؟

في الحقيقة لم أفكر في ذلك. أعتقد أنه حينما يفكر الإنسان في الموت، ويقول لنفسه: "حينما أموت سوف أهدأ". قبل ذلك لا أعرف ما هو بيتي. أحب أن أموت في هوليود. (يضحك) أنا مولع بذلك المكان منذ طفولتي. إضافة إلى حبي الكبير للفن السابع. سيكون الأمر رائعا إذا كان المكان الذي أنتهي فيه هو نفس المكان الذي كنت أتحدث عنه في طفولتي.

تابعو الجزء الثاني من الحوار مع صموئيل شمعون

Samuel Shimon Schriftsteller aus Iran
الكاتب العراقي صموئيل شمعون في برلين. الحياة في هوليود حلم لم يفارقه منذ طفولته.صورة من: AP

لننتقل إلى نقطة أخرى. أنت عشت في باريس لمدة طويلة، قبل أن تنتقل إلى لندن. هل هذه أول مرة تأتي فيها إلى برلين؟

لا، سبق أن جئت إلى هنا عدة مرات. أنا أحب برلين. لا أعتقد أن هناك شخص لا يحب برلين. على كل حال لم ألتق بشخص لا يحب برلين. أتلقى يوميا، ومنذ أن جئت إلى هنا منذ شهر، رسائل من العديد من الأصدقاء، الذين يقولون لي: "كم أنت محظوظ. نحسدك لكونك في برلين. في تلك المدينة الجميلة". هناك فضاء يشعر المرء أنه مريح دون أن يدري لماذا. أنا أعرف أجزاء من شرق برلين أيضا. عندما جئت إلى برلين بعد سقوط الجدار، كنت أسير في الشارع مع صديق وإذا به يقول لي: "تعرف، نحن الآن في برلين الشرقية". كانت مفاجئة جميلة. هذه السنة أيضا، حينما زرت مهرجان البرليناله وشاهدت أفلاما عديدة في قاعة "فريدريشبالاست"، لم أكن أعرف أن هذا الحي الراقي كان جزءا من برلين الشرقية.

أنت الآن جئت إلى برلين تلبية لدعوة مهرجان برلين الأدبي للإقامة في فندق بلايبتروي والتفرغ للكتابة. ما هي الأنشطة الأخرى التي قمت بها خلال فترة إقامتك في برلين؟

أنا جئت خلال شهر فبراير للتفرغ للكتابة. كنت أكتب روايتي الجديدة حول فترة إقامتي في بيروت أيام الحرب الأهلية. لكني استغللت هذه الفترة أيضا لإتمام فيلمي الوثائقي عن الشاعر العراقي الراحل سركون بولص. فأنا هنا في الغرفة أشتغل يوميا عدة ساعات في ترتيب أشرطة الفيلم. صورت سركون بولص لمدة تفوق الأربعين ساعة وفي فترات مختلفة وفي مدن عديدة أغلبها في ألمانيا، بالإضافة إلى سان فرانسيسكو حيث كان يقيم هو. لكن سركون توفي في برلين منذ سنتين. لذا سأتحدث في الفيلم خاصة عن حب هذا الشاعر العراقي لألمانيا وخصوصا لمدينة برلين.

هل تعرف سركون بولص جيدا، كشخص؟

أعرفه جيدا، سركون كان شاعرا كبيرا. أنا كنت معجبا به كشاعر وأيضا كمثقف. التقيته أول مرة في باريس عام 1985 وتعلمت منه الكثير. إنه يمتلك شخصية آسرة ومعلومات كثيرة في مجال الأدب، ما كنت أفتقره آنذاك. كنت شخصا يحب السينما كثيرا وكانت معلوماتي الفنية والثقافية محصورة إلى حد ما في المجال السينمائي. في منتصف الثمانينات بدأت أحب الأدب، ومع سركون كنت أجد نفسي أتعلم الكثير، فهو كان شخص مطلع جدا على الحركة الأدبية العالمية والعربية. أعتقد أني أصبحت منذ منتصف الثمانينيات إلى الآن خبيرا أيضا بشكل من الأشكال.

هل يمكن أن تتصور نفسك الآن في وضعيته؟ أن يكتب صديق ما رواية عنك أو أن ينجز فيلما عنك بعد وفاتك، طبعا بعد عمر طويل؟

(يضحك) في الحقيقة لست أدري. أتمنى، عندما أرحل عن هذا العالم أن يكون هناك شخص كريم ووفي ويقوم بعمل ما عني. ونحن في هذا الفندق بلايبتروي، ما يعني "كن وفيا". أنا وفي لسركون لأنه كان صديقا عزيزا وكان أخا كبيرا وكان شاعرا عظيما. عندما بدأت أصوره كنت أقول له: "أريد أن أعمل فيلما عنك." كان دائما يضحك ويقول: "لأنك فشلت في السينما وجدت فيّ الضحية كي تنجز فيلمك." كما أنه كان دائما يقول لي أن هذا هو الفيلم الوحيد الذي سأنجزه في حياتي. ربما كان محقا. (يضحك) بدأنا بتصوير الفيلم منذ عشر سنوات. الرجل مات ولم يشاهد الفيلم.

متى تنوي عرضه إذن؟

تحدثت مع إدارة مهرجان برلين الأدبي وتم الإتفاق على عرضه في دورة هذه السنة في شهر سبتمبر المقبل. أيضا سوف أعرض منه مشاهد في مهرجان طيران الإمارات العالمي للأدب في دبي في العاشر من مارس الحالي.

هل سيكون الفيلم جاهزا إلى غاية شهر سبتمبر؟

(يضحك) طبعا. سيكون فيلما جميلا حقا. ليس فقط عن سركون ولكن عن الأدب العربي أيضا.

بخصوص الحديث حول الأدب العربي، هل تعتقد أنك كنت ستصبح مشهورا لو لم تغادر العراق؟

لا أعرف. لم أفكر لحظة واحدة، ومنذ طفولتي أنني سأبقى هناك. لكن هذا لا علاقة له بالشهرة ككاتب. أعرف الكثير من الكتاب العرب كسبوا الشهرة في بلدانهم أولا قبل أن يصبحوا مشهورين في الخارج. خرجت وعمري واحد وعشرين عاما. حينها لم أكن قد كتبت شيئا. حينما بدأت أتشكل ككاتب كنت أعيش في الخارج.

طيب، كيف تقيم الأدب العربي في الدول العربية؟

أعتقد أن الأدب العربي الآن يمر بمرحلة جديدة في جميع البلدان العربية. كما أن هناك تطور كبير على مستوى الكتابة. إذ يوجد الكثير من الشباب الذين يكتبون أعمالا ممتازة. إنها أعمال شيقة وممتعة تعالج مواضيع يعيشونها يوميا في مجتمعاتهم وليس مثل الأدب العربي في الخمسينيات كالرومانسيات والثوريات والتي كانت في الغالب تقليدا للأدب الروسي أو الفرنسي، وفي غالب الأحيان بشكل سيء. أما الآن يعرف الشباب كيف يكتبون عن حياتهم وعن مجتمعاتهم وعن عائلاتهم.

هل هناك دعم كاف لهذا الأدب الجديد؟

أعتقد أنه يجب التخلي عن فكرة البحث عن الدعم لدى مؤسسات الدولة. مثل هذا الدعم ليس ضروريا. الآن هناك اهتمام عالمي وغربي بالأدب العربي، ما بدأ يطور هذا الأدب أيضا. هنا يجب الحديث عن جائزة البوكر العربية. هذه الجائزة العالمية للقصة والرواية شكلت منذ ثلاث سنوات حافزا للعديد من الكتاب الذين بدأوا يكتبون بهدف ترشيح أعمالهم لنيل هذه الجائزة.

هل هناك موضوع خاص ترغب أن تكتب عنه؟

مشاريعي تتغير باستمرار. لكن هناك موضوع يرتبط بحبي للسفر أرغب في الكتابة عنه وقد أحتاج لمدة سنة لإتمامه. وهو العيش في القطارات في أمريكا. أرغب في الانتقال من قطار لآخر والتحدث إلى الناس. الأمريكيون شعب متنوع، ما يعطي مذاقا للحوار معهم. الحاجز الوحيد لتحقيق هذا المشروع هو إقناع زوجتي بالسفر معي، لكي أستغلها وتصورني أحيانا (يضحك) إنها مصورة جيدة.

أجرى الحوار: خالد الكوطيط

مراجعة: حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد