1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

شباب سيدي بوزيد المهمشة مستعدون للخروج في ثورة أخرى

١٦ ديسمبر ٢٠١١

بعد مرور سنة على حادثة إحراق البوعزيزي لتفسه، ما تزال الثورة مشتعلة في أماكن عديدة من العالم العربي. وفي سيدي بوزيد مدينة البوعزيزي ما يزال الشباب غاضبون، ويقولون إنهم سيخرجون للثورة من جديد إذا لم يتغير شيء في واقعهم.

https://p.dw.com/p/13TqL
شبان من سيدي بوزيد يعتصمون للمطالبة بالعمل، ويرفعون صورة البوعزيزيصورة من: DW




لم يطرأ أي تغيير على الطريق الرابطة بين تونس العاصمة ومحافظة سيدي بوزيد مهد الثورات العربية. فالمسالك الوعرة هي نفسها والبنية التحتية المتواضعة لم يتغير شكلها. والأراضي الزراعية الممتدة الجرداء لم نر فيها أي مشاريع جديدة رغم اتساع مساحاتها التي قد تكون مركزا لمشاريع فلاحية ضخمة ومصانع كبيرة.

عندما تدخل سيدي بوزيد عاما بعد الثورة التي أطاحت بنظام الدكتاتورية. تجد شيئا واحدا قد تغير فالمكان الذي صادر فيه أعوان التراتيب البلدية عربة فواكه محمد البوعزيزي ومنعوه من الانتصاب فيه أصبح سوق خضار ولا احد يصادر فيه غلال و خضر الباعة.

إضراب للجوع و غضب متواصل

Tunesien Sidi Bouzid Bouazizis Heimatstadt
حق العمل، مطلب رئيسي لأهالي سيدي بوزيدصورة من: DW

تقدمت قليلا حيث المكان الذي أقدم البوعزيزي على حرق نفسه فيه أمام أعين الأهالي فكان نارا التهمت نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. خيام منصوبة تحت برد الشتاء ستة من أصحاب الشهادات العليا وأصحاب المشاريع المعطلة يخوضون منذ قرابة شهر إضرابا عن الجوع يطالبون بالتشغيل والكرامة وخلق مناصب عمل لشباب سيدي بوزيد العاطلين.

محمد القدري أستاذ في التاريخ بدت عليه علامات الإجهاد من كثرة الجوع وإمضاء الليالي داخل خيمة تحت سماء شتاء بارد. قال محمد لموقع دويتشه فيله بحزن شديد:"لا فرق عندي بين سيدي بوزيد الآن أو العام الماضي. كل شيء على حاله بل لعلنا أفقر وأكثر حزنا. سرق ثورتنا أصحاب السياسة المتكالبون على الكراسي. هذه الحكومات المؤقتة المتعاقبة لا تعير أي اهتمام لمشاغلنا. نحن هنا نشن إضراب جوع منذ حوالي شهر و لم يلتفت لنا احد و لم يزرنا أي كان من المسؤولين ليسأل عن مطالبنا أو مجرد مواساتنا...".

على مقربة من مكان إضراب الجوع الذي يشنه أصحاب الشهادات المعطلين يمر شباب آخرون يطمئنون عن الوضع الصحي للمحتجين. تجمعوا حولنا ففي جعبتهم الكثير من الغضب والشكوى. كل واحد من هؤلاء يريد أن يقدم لنا مأساته و يشرح وضعه الذي لم تغير منه الثورة شيئا، كما يقولون. فاضل زعفوري احد شباب الجهة صرخ عاليا وقال لموقع دويتشه فيله:"إنهم يعتبرون سيدي بوزيد خارجة عن خارطة البلاد التونسية. ليس لدينا معامل ولا استثمارات. هناك من يعاقبونا لأننا صنعنا الثورة. لا يريدون أن تتطور سيدي بوزيد ."

Tunesien Sidi Bouzid Bouazizis Heimatstadt
سيدة من مدينة سيدي بوزيد تصرخ من أجل الاهتمام بالمنطقةصورة من: DW

سألت فاضل عن إمكانية أن يكون النقص في الاستثمارات نابعا عن نقص الأمن في جهات الجنوب التي شهدت انفلاتا امنيا متعاقبا ما جعل المراقبين الاقتصاديين يعيدون قلة الاستثمار في هذه الجهة لهذا العامل. رد فاضل :" ما يقولونه من غياب الأمن أمر غير صحيح هذه زوبعة في فنجان نحن نعيش في سلام و كل الوضعية متاحة للاستثمارات و بعث مشاريع نحتاج إليها فنسب البطالة هنا مرتفعة جدا. الحكومات المتعاقبة لم تجد حلا لمشاكلنا. هؤلاء الذين يروجون لهذه الأسباب الواهية لا يريدون لسيدي بوزيد الخير."

فاكر جمني، أستاذ فلسفة متخرج منذ 6 سنوات عاطل عن العمل، من عائلة فيها أربعة من أصحاب الشهادات المعطلين. يشن إلى جانب رفاقه إضراب الجوع. يؤمن فاكر أن المطالبة بالعمل حق شرعي بعد أكثر من خمسين سنة من التهميش لمحافظة سيدي بوزيد. وهو يقول لموقع دويتشه فيله:" يقول الكثيرون أننا مستعجلون للحصول على حلول لوضعيتنا لكن لا احد يستعجل من اجل الحياة لقد صبرنا عقودا و نحتاج الآن أن نعمل ". اما الاهي محمد الطاهر من منطقة محافظة سيدي بوزيد فقد اصبح احد نواب المجلس الوطني التأسيسي بعد ترشحه للانتخابات. وجدناه في احد المقاهي يجالس أصدقاء له فهو يهتم كثيرا بمشاغل أهل الجهة حتى يكون امتدادا لمطالبهم داخل المجلس التأسيسي.

يتحدث الاهي محمد الطاهر لموقع دويتشه فيله عن دوره في المجلس التأسيسي:"نحن نطالب بالتشغيل و خلق مناطق صناعية بهدف تشجيع الاستثمار في جهتنا. ولعل أكثر ما نعاني منه اليوم هو الحاجة لمنطقة صناعية فهناك الكثير من المستثمرين الذين أعربوا عن استعدادهم للاستثمار. غير أن المشكل الوحيد هو عدم وجود تجاوب من الدولة لتمنح المستثمرين منطقة صناعية يبعثون عليها مشاريعهم فالآليات القانونية القديمة لبعث مناطق صناعية تتطلب خمس سنوات ولكننا نحتاج لوقت اقل من هذا حتى نخرج عن هذه الوضعية المزرية". و يضيف الإعلامي مختار كحولي في ذات هذا السياق:" سجلنا استعدادات العديد من المستثمرين لتركيز مشاريع بهذه الجهة تكريما لها على ما قدمته خلال الثورة، لكن العائق الوحيد هو الأراضي المخصصة لمثل هذه الاستثمارات. هناك 15 مشروعا معطلا لمستثمرين يريدون الاستثمار و السؤال لماذا كل هذا التلكؤ في حل هذه الإشكاليات؟"

"محمد بوعزيزي، تشيغفارا العالم العربي"


Tunesien Revolution Sidi Bouzid
شعارات شباب الثورة في ساحة البوعزيزي في سيدي بوزيدصورة من: DW

أمام مقر الولاية في سيدي بوزيدي ارتفعت صورة محمد البعزيزي بعد أن تم إنزالها عديد المرات سابقا. ففي فترة ما تعمد بعض الشباب إعدام صور البوعزيزي من شوارع مركز سيدي بوزيد. واتهم بعض أهالي الجهة عائلة البوعزيزي "باستغلال الوضع والاثراء والمتاجرة بقضية الجهة واخذ أموال طائلة على حساب المعطلين و شهداء الثورة ". هذه المواقف تغيرت باقتراب الذكرى الأولى لثورة الكرامة و الحرية والتشغيل. فقد ارتفعت صورة البوعزيزي وبدا على سكان سيدي بوزيد أن إيمانهم بابن بلدتهم الذي حرق نفسه بدأ يعود إلى قلوبهم.

سألت شباب المنطقة كيف ينظرون إلى شخصية البوعزيزي عاما بعد الثورة فأجاب محمد القادري قائلا:"البوعزيزي هو تشيغفارا العالم العربي. فهو رمز لكل ما يطرأ على العالم من متغيرات و ثورات قلبت ومازالت تقلب الأنظمة الدكتاتورية". ويضيف القادري "الثورات تؤرخ ببداياتها و ليس بعد شهر من بداياتها. سيدي بوزيد كانت دائما سباقة في إخراج الاستعمار وفي تفجير ثورات العالم العربي ولا احد يعترف لها بذلك. الناس نسوا اليوم بوعزيزي ليقولوا ثورة 14 جانفي وهذا مؤلم و محزن و ظلم في حق شهداء سيدي بوزيد."

لم يكد محمد ينهي كلامه عن البوعزيزي، حتى تدخلت بشكل فجائي و متوتر لطيفة زينوبي التي واكبت كل لحظة خوف العام الفارط في مثل هذا الوقت وعاشت رعب القنص وخوف الأم على أولادها حين كانوا عرضة لرصاص أصاب الصدور و دمر الرؤوس خلال الاحتجاجات الشعبية. عبرت لطيفة عن حرقتها بلوعة في القلب :"نحن من لقينا صدورنا للرصاص 13 يوما من الاضطراب والقنص و الغازات المسيلة للدموع في سيدي بوزيد العام الفارط. تحت القنص والقمع مات أولادنا وأزواجنا. لكنهم اليوم يحاولون سرقة ثورتنا لنبقى نحن على فقرنا و خصاصتنا". واضافت قائلة:"حذار من سيدي بوزيد فنارها مازالت تشتعل وأهلها تعودوا الألم ولن تصعب عليهم ثورة أخرى لتصحيح المسار و تذكير أهل السياسة أننا نحن من دفع الثمن غاليا من دمنا و دموعنا".

Tunesien Sidi Bouzid Bouazizis Heimatstadt
عاطلون عن العمل يحتشدون أمام مقر بلدية سيدي بوزيدصورة من: DW

ولا يقل عصام نصيري غضبا عن لطيفة زينوبي فهو أيضا يقول:"سيدي بوزيد هي من صنعت الثورة وأنهت نظاما فاسدا. لكن المناصب والعمل يعطى اليوم لشخصيات نافذة والفقراء يبقون عل فقرهم و بطالتهم. نحن نطالب بتحقيق تنمية عادلة ففي القصرين وقفصة تحققت بعض المطالب لكن سيدي بوزيد لم يتغير فيها شيء. انتبهوا لسيدي بوزيد نحن عشنا خمسين سنة تحت القهر والظلم ومستعدون لتأجيج ألف ثورة أخرى فسيدي بوزيد فيها اليوم 400 ألف محمد بوعزيزي آخر وحذار من غضبنا ...".

و يتفق كثير من أهالي محافظة سيدي بوزيد أنهم لا يهتمون بهذه الحكومات المؤقتة المتعاقبة بل إن ما يهمهم هو تشغيل العاطلين وحفظ الكرامة والعدالة الاجتماعية ومن يحققها لهم "مرحبا به قائدا للبلاد أما من يحيد عن أهداف الثورة فسنقول له ديقاج(ارحل)" على حد تعبير احد شباب الجهة.

مبروكة خذير - سيدي بوزيد

مراجعة: منصف السليمي