1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: مش مهم، أنت في برلين!

١٤ يونيو ٢٠١٧

زائر برلين أو من يختار العيش فيها يلفت نظره نمط الحرية والتسامح في الحياة، تقول الكاتبة الصحفية رشا حلوة في مقالها* لـDWعربية، وتتوقف عند ظاهرة تنغص الشعور بالحرية والدفء في هذه المدينة "النموذجية" بالنسبة لإمرأة عربية.

https://p.dw.com/p/2egJX
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

 

"الحلق اللي في منخارها شكله مقزز، مش قادر أطلع على منظرها"، بهذه الكلمات قرر أحد مواطني العالم الافتراضيّ، وفيسبوك في مثل حالتنا تحديدًا، أن يعلّق على رابط مقالي في DW عربية عبر صفحة الموقع الإلكترونيّ الرّسميّة، حيث أُرفق للمقال، ومن ثم رابطه عبر فيسبوك، صورتي الشّخصيّة، والتي في مثل هذه الحالة تضمّ الصّورة شكليّ الحقيقيّ وكما أبدو في هذه المرحلة التاريخيّة: بوجهي وأنفي وفمي وأذني اليُسرى وعيناي وشعري، وبما في ذلك الحلق الذي في أنفي (التوضيح في الصّورة المرفقة).

عندها، ولا زلت الآن، لا أعطي أي اهتمام للتعليق الذي أقل ما يمكنه قوله بأنه ذكوريّ وسطحيّ لشخص كل ما أثار اهتمامه في المقال، هو صورة كاتبته.. لا عفوًا، الحلق الذي في أنف صورة كاتبته. المهم، تطرقت لهذا التعليق لأنه متعلّق بموضوع هذا المقال: إلى أي مدى يشبه الفضاء الافتراضيّ شوارعنا اليوم؟ وكيف يمكن أن تكون شوارع بعض المدن أكثر أمانًا وراحةً بعلاقة الفرد مع نفسه وشكله وحضوره في الفضاء العامّ، مقارنة بشباك في الفضاء الافتراضيّ؟

قصص كثيرة بإمكانها أن تُسرد لحالات تحرش واعتداءات تعرضت لها نساء عبر الفضاء الافتراضيّ، فيسبوك على وجه الخصوص، سواءً بعد تعبيرها عن موقفها من قضية شخصيّة و/أو عامّة، والحديث هنا لا يدور فقط عن قضايا متعلقة بالنساء، إنما قضايا من كافة المجالات الحياتيّة؛ سياسيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة وغيرها.. بالإضافة إلى ذلك حالات تحرش كثيرة سببها هو لكونها امرأة ولأن الجسد الذي وُلدت فيه هو جسد امرأة، وبجزء منه، للمظهر الذي اختارت أن تكونه وتخرج به إلى الفضاء العامّ؛ سواء من ملابس، لون شعر، حلق في الحاجب، إلى آخره... وكثير منّا يعرف الحروب التي يخوضها الفرد عمومًا لكي يكون ما يريد، سواء بمجتمعاتنا أو بالعالم عامّة. وأحيانًا الحاجة إلى الهروب تكون حاضرة أكثر من الحروب؛ الهروب إلى فضاءات تقع على هامش الحياة، في فقاعات بعض الأماكن والمدن، والتي تتيح نوعًا ما مساحة من حرية التعبير عن الذّات.

منذ وصلت إلى برلين، وقبل ذلك وخلال زياراتي إليها، لفتت نظري راحة الأفراد، سواء كانوا رجالًا أم نساءً، لظهورهم في الفضاء العامّ وإن كان مختلفًا عن ما يُسمى "بالسّائد"، هذا من جهة، ومن جهة أخرى في أن يتصرف ويكون كلّ منهم ومنهن في الفضاء العامّ، كما يشاء وكما تشاء.

أذكر جيدًا خلال إحدى زياراتي إلى برلين في العام الماضي، كنت في بيت صديقة، وفي صباح اليوم التالي كان عليّ أن أذهب إلى جلسة عمل، وكان الوقت صيفًا عندها، لبست ثيابًا اعتقدت أن الدمج بينها غير ملائم، وسألت صديقتي عن ذلك، فأجابتني: "مش مهم، أنتِ في برلين". أصبحت هذه الجملة بمثابة نكتة نتداولها فيما بيننا، نقصد بها بأننا بإمكاننا أن نظهر في الفضاء العامّ كما نشاء، بلا أي أحكام أو نظرات من أحد. هي نكتة أضحكتنا، لكنها كانت حزينة أيضًا. إحدى الصديقات التي انتقلت للعيش في برلين، كتبت قبل فترة عبر صفحتها في موقع فيسبوك: "منذ أن وصلت إلى برلين، أشعر بأني أريد أن أحضر كل أنثى جميلة لطيفة وحقيقيّة إلى هذا المكان. أرغب بأن أحضرها إلى هُنا، كي تكون كيفما تشاء وتحبّ.. وليس ما هو مطلوب منها أن تكون!".

حديثي المتكرر عن برلين هو حديثي عن مدينة أعيشها اليوم واخترت الحياة فيها، في وقت نرى كيف تنهار مدن كثيرة من حولنا، ومنها مدننا الأولى. عن مدينة، كبرلين، تشكّل نموذجًا اليوم في عصرنا تحاول فيه أن تحتضن الفرد بكامله وتمنح مساحة لممارسة حرياته الفرديّة كما الجماعيّة، من خلال احتضانها للثقافات القادمة من كل العالم. هو مدح لمدينة في زمن نحاول أن نبرر ونتفهم الواقع الذي تعيشه بلادنا، لكننا وعلى الرغم من أننا نشير بأصبع الاهتمام إلى أماكن وسلطات وقوى عديدة في المنطقة العربيّة والعالم، لكننا لا يمكن أن نزيل أصبع الاهتمام عن مسؤوليتنا كأفراد وجماعات تجاه انعدام مساحات الأمان والحريّة في بلادنا. الحريات لا تتجزأ، أليس هذا ما نردده منذ سنوات؟

أن أحمل شالاتي الشتويّة إلى القاهرة، في منتصف الصّيف، هذا أمر موجع. أن أمشي في شارع بمدينة نابلس مع صديقة وصديق ويمر رجل غريب بجانبنا، يتحدث إلى صديقي – الذكر- كي "يهدينا" أنا وصديقتي بموضوع الملابس، هذا أمر موجع. أن نعيش حياة هروب ومليئة بالأسرار، لأن السّر أقل اتعابًا للنفس من حرب المواجهة، هذا من أكثر الأشياء وجعًا. أن نكون كما نشاء ونختار ونحبّ في مدينة مثل برلين، على الرّغم من كونه جميلًا ومريحًا ومنفسًا للذات، هو لا زال أمرًا موجعًا، لربما أكثر من كونه سعيدًا. خاصة، لأننا نعرف جيدًا، من قصص الجدّات، القصص التي نصدقها، عن مدنٍ كالقاهرة وبغداد ونابلس وطنجة، كانت يومًا تعيش كلّ الحريات فيها.

قبل حوالي أكثر من شهر، وبعد حفل اختتام مؤتمر حول الثقافة الرقميّة في برلين، تركت المكان ووجهي مليء بزينة المهرجان: ملصقات من قلوب، رسومات والكثير من الزينة اللامعة. في الطريق من موقع المؤتمر إلى المترو، انتبهت بأني أخرج من فضاء الاحتفال إلى الفضاء العامّ بوجه مليء بالزينة، وبأني لن أمرّ على مغسلة أغسل فيها وجهي، سأصل بنفس الشكل إلى البيت، وبكامل الراحة. لمرات قليلة جدًا، ولربما نادرة، شعرت بأن وجهي - في الفضاء العامّ - كان ملكي وحدي. وكان هذا المشهد بمثابة شعورٍ احتفاليّ خاصة مع الزينة التي تملأه! خسارة، لم أتصوّر صورة "سيلفي" أرفقها إلى المقال.. أحيانًا يكون الفضاء العامّ أكثر رحمة من الافتراضيّ وتعليقات البعض فيه.

 

الكاتبة: رشا حلوة

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد