1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: اللجوء وتفاصيل حياتية لم تعد مفهومة ضمناً

رشا حلوة
٩ مايو ٢٠١٨

في مقالها* لـ DW عربية تتناول الكاتبة الصحفية رشا حلوة التفاصيل اليومية لحياة اللجوء في ألمانيا، وكيف تبدأ هذه الرحلة بصعوبة اختيار أسماء المواليد لتستمر إلى تفاصيل عادية، كانت مفهومة ضمنًا في سياق البلدان الأصلية.

https://p.dw.com/p/2xPxc
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

قبل فترة، قرر صديقان من سوريا يعيشان في برلين، أن يشاركا أصدقائهما بالبحث عن اسم لمولودهما الجديد، وهذا طبيعي للأمهات في مسار بحثهم عن اسم لطفلها أو طفلتهما قبل الولادة. لكن مع الاقتراحات التي توافدت على سؤالهما، تكرر عدة مرات رفضهما لاسم ما لسبب يتعلّق بصعوبة لفظه في ألمانيا، أو بسبب احتوائه على أحرف بالعربية سوف تُلفظ بشكل مختلف باللغة الألمانية، مما يجعل الاسم بلفظه غير العربي، مختلف عن اللفظ الأصلي.

ومؤخرًا أيضًا، التقيت بأصدقاء من بلاد عربية يعيشون في برلين، انتقلوا إليها بسبب اللجوء القسري أو الاختياري، وطُرحت أيضًا في أحاديثنا قضية الأسماء بالعربية، والصراع المعاش، الطبيعي من جهة، والمضاعف من جهة ثانية في حال أراد الأهل أن يطلقوا على أبنائهم و/أو بناتهم اسمًا عربيًا، وإن اختار الأهل اسمًا عربيًا احتوى على أحرف عربية "إشكالية" اللفظ باللغة الألمانية، عملوا بحثًا مطولًا لكيفية كتابته باللغة الألمانية على أن يصل لفظه إلى أقرب لفظ أصلي له. مثلًا، في حال اختيار الأهل اسم "وسيم"، كيف سيُكتب بالألمانيّة على أن لا يتحوّل حرف "الواو" إلى لفظ "V"، وكيف سيُكتب حرف "السين"، كي لا يتحوّل إلى "زين" عند اللفظ؟

عن هذا الموضوع، وفي حديث مع صديقة سورية، أمّ لطفلة تبلغ من العمر عاميْن وُلدت في برلين بعد أن لجأت الصديقة وشريكها إلى ألمانيا، قالت: "أردنا اسمًا عربيًا، ومع التفكير بأسماء عديدة، تحوّلت بالألمانية من خلال لفظها إلى أسماء أخرى، مثلًا أردنا اسم "جود"، ولكن طريقة كتابة الاسم يجعله بالألمانية "يود". من ثم قلنا، لنختار اسمًا بالألمانية كي نحلّ المعضلة، لكننا أردنا اسما عربيًا ممتدًا من ثقافتنا، كي لا ننقطع نحن وابنتنا عنها، وكان الحلّ هو بإيجاد اسم له معنى ويضم أحرف قابلة للفظ باللغة الألمانية".

 

استمرارًا لنفس الفكرة، في حديث مع صديق سوري مقيم في برلين، عن معضلة بحثه هو وشريكته عن اسم لطفلتهما، قال مبتسمًا: "أنا نصف عربي ونصف كردي، وشريكتي ألمانية، أنجبنا طفلة وأردنا اسمًا نحبّه ويكون سهلًا للفظ باللغات العربية والكردية والألمانية والإنجليزية. ولم يكن الأمر سهلًا أبدًا، لأنه بالإضافة إلى مكان معيشتنا، لدينا أفراد في العائلة لا يمكنهم لفظ بعض الحروف في الكردية أو العربية أو الألمانية، فأخذ مسار البحث أشهر عديدة من العمل الشاق، إلى أن وجدنا اسمًا جميلًا محايدًا".

الصراع حول البحث عن أسماء، يشبه حالات عديدة من الأسئلة التي يعيشها البشر في سياق اللجوء والهجرة، الاختياري والقسري، والتي لم تكن "لا عَ البال ولا عَ الخاطر" من قبل. أي، هنالك تفاصيل عادية في حيواتنا، كانت مفهومة ضمنًا في سياق بلادنا ومعيشتنا فيها، لكن مع حركة اللجوء والهجرة، والانتقال إلى بيئة مختلفة وجديدة تمامًا، من حيث اللغة والعادات والتقاليد وحتى المناخ الطبيعي والجغرافيا، تحضر أسئلة وأفكار علينا التعامل معها بشكل مختلف، مقارنة بزمنٍ ما لم تأخذ عندها حيزًا كبيرًا من تفكيرنا.

بالإضافة إلى الأسماء، يفكر غالبًا الناس في المهجر/ الشتات/ المنفى بمسألة الطعام، والبحث من جهة عن محلات تبيع الأكل العربي، وفي برلين هنالك مطاعم عديدة تقدّم المأكولات الشامية، كالسورية والفلسطينية واللبنانية، حيث تخفف قليلًا مسألة الحنين إلى طعام البلد الأمّ.

ومن جهة أخرى، البحث عن المقادير والبهارات والتوابل اللازمة لتجهيز أكلة ما. هنالك أصدقاء مقيمين في أوروبا، وفي حال تسنت لهم زيارة بلادهم، يحملون معهم التوابل والبهارات والزيت من هناك ويحضرونها إلى أماكن إقامتهم الجديدة، وأصدقاء آخرون لا يمكن لهم العودة إلى بلادهم بسبب الظروف السياسية، يجدون طرقًا دومًا لإحضار البهارات من هناك، من أجل تجهيز وجبة طعام تحتوي على نفس الروائح التي يعرفونها من بلادهم.

عن موضوع الأكل، وفي حديث مع صديقة لاجئة من سورية ومقيمة في برلين، قالت: "هُنا في برلين، أبحث عن الأكل السوري أكثر مما بحثت عنه في سوريا، أصبح يعنيني أكثر. هناك، عندما كنا نخرج لتناول العشاء مع أصدقاء، كان اختيار المطعم عفوي، اليوم نحتاج إلى التخطيط، البحث عن مكان فيه أكل سوري، أو البحث عن محلات تبيع مقادير أكلة ما نشتاق إليها".

منذ حوالي شهر، تعيش برلين في مناخ ربيعي وصيفي، مع الحضور القوي للشمس، يتغيّر شكل المدينة، وتمتلئ الفضاءات العامة بالناس. الشمس، لمن جاء من بلاد تمنح حرارة الشمس خلال فترات واضحة من أيام السنة، تتحول إلى هاجس وحديث يومي في بلاد باردة الطقس عادة.

قبل أن أنتقل إلى برلين، لم أكن أفحص بتاتًا حالة الطقس في اليوم التالي عبر تطبيق الهاتف، كما أفعل هنا يوميًا وقبل الخروج من البيت. إنّ حضور الشمس في بلدي، هو مفهوم ضمنًا ومواعيده معروفة، تشبه بالمبدأ فكرة البحث عن اسم لمولودة جديدة، حيث مسار البحث يحتوي صراع آخر عدا عن كيف يُلفظ في لغات أخرى، والأكل كذلك، فإن روائحه الأصلية متوفّرة بسهولة ومفهومة ضمنًا.

قبل أن أكتب هذا النص، كنت أجلس مع أصدقاء وصديقات في مقهى تحت الشمس، وكما كل يوم، فإن الحديث عن الشمس قائم، عندها قالت صديقة في تعبيرها عن سعادتها بالشمس في برلين: "حاسة حالي كأني في الشام".

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.