جيل الميدان

"أنا اليوم حر أكثر من الماضي"، يقول نازاري سوفسون، الذي يعد مع مجموعته الشابة من الفنانين والناشطين السياسيين، من أوائل المتظاهرين في ساحة الاستقلال في كييف. شيء واحد يجمعه ومعظم أصدقائه المقربين، الذين لا يزالون في منتصف العشرينات: جميعهم يدرسون في أكاديمية موهيلا في كييف، في حي بوديل، الذي يعد المركز التاريخي لمدينة كييف. ما تُعرف بالمدينة السفلية تقع على نفس مستوى نهر دنيبر الكبير. وقد تأسست الجامعة بعد سقوط الستار الحديدي بمساعدة أوكرانيي الخارج المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وهي تقع على مقربة من حوض بناء السفن والميناء في العاصمة الأوكرانية. ومنذ البداية كان هدف الجامعة إعداد نخبة أكاديمية تحمل فكراً جديداً مع نهاية الشيوعية السوفييتية. ومن خلال العديد من فروع العلوم الإنسانية: خرجت أكاديمية موهيلا مع مرور الوقت عددا كبيرا من الباحثين في مجال العلوم الثقافية والفنانين. على بُعد 20 دقيقة فقط، أنشأ طلاب ومدرسون سابقون في الأكاديمية مركز كييف للثقافة البصرية، الذي أصبح أحد أهم المواقع الرئيسية لحرية التفكير، وفسحة للمناقشات في كييف.

تشجيع النقاش

بعد إطلاق سراحها ظهرت هنا أيضاً ناديا شفتشنكو، الجندية الأوكرانية والبطلة القومية، التي كانت في المعتقلات الروسية منذ عام 2014، ولم يُطلق سراحها إلا بعد ضغوطات دولية على الكرملين. ومنذ ذلك الوقت لفتت الأنظار إليها من خلال التصريحات القومية وغير الديمقراطية، الأمر الذي يُعتبر إهانة إلى جمهور المركز اليساريين التقدميين. لكن الناشطون يريدون تعزيز هذا الاحتكاك بالضبط – في سبيل الحوار الديمقراطي في أوكرانيا.
وفي حي بوديل أيضاً أُنشئ المركز الثقافي إيزوليازيا في منطقة الميناء، حيث تُقام في أربعة طوابق معارض وحفلات موسيقية وقراءات أدبية، وتنشأ أعمال فنية. حتى أن بمقدور الفنانين الشباب استخدام "مختبر" يحتوي على جميع الأجهزة، بما في ذلك طابعة ثلاثية الأبعاد.

حوض التشكيلات: حي بوديل في كييف

تأسس في صيف 2016 هنا معرض "العقد المجتمعي"، الذي يتناول الخلاف القائم حول التعامل مع الماضي الشيوعي لأوكرانيا السوفييتية. وهي واحدة من تلك النقاشات العاطفية التي كانت الحكومة الأوكرانية من خلالها، طيلة شهور، تصرف نظر الناس عن الوضع الاقتصادي الكارثي. إلى أن جاء ناشطو الفن في إيزوليازيا وأتاحوا إقامة نقاش مفتوح عن أسلوب التعامل مع الفن السوفييتي القديم والنصب التذكارية التي تعود إلى تلك الحقبة، وتعد تحفاً فنية أيضاً. نقاشات كتلك التي أثيرت في وسط أوروبا في التسعينيات. مجموعة إيزوليازيا تأسست في الأصل في مدينة دونيتسك في شرقي أوكرانيا. أي في منطقة الفحم والمعادن في حوض دونيتس، حيث الحرب بين أوكرانيا والانفصاليين الموالين لروسيا مستعرة منذ عام 2014. تعين على الفنانين الهرب – وحطوا الرحال مرة أخرى في حي بوديل في كييف. هناك على الأقل يوجد المجلس الثقافي البريطاني ومعهد غوته الألماني. مديرته بياته كولر مقتنعة بأن الفن والثقافة في أوكرانيا سيلعبان دوراً سياسياً أكبر بكثير، مقارنةً بمعظم دول أوروبا الشرقية الأخرى. خصوصاً في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق يعد القطاع الثقافي المجال الذي تبدأ فيه التغيرات المجتمعية، وينبثق عنه أناس يطرحون لاحقاً مسألة السلطة. 

التكنو يأخذ طابعاً سياسياً في كييف

من المحتمل أن ينطبق ذلك على مستقبل أوكرانيا بشكل خاص. حتى الناشط السياسي نازاري سوفسون يعمل لصالح مركز الثقافة البصرية في حي بوديل في كييف، وفي الوقت ذاته شارك في صيف 2016 في تنظيم فعاليات سلسلة حفلات "سكيما". واليوم يرى ابن الثامنة والعشرين عاماً ذلك الأمر من منظور سياسي: "الجمهور، الذي يأتي لحضور حفلات "ريف" لموسيقى التكنو، يطوّر مجتمعاً كالذي نتمناه اليوم"، يقول وبكل ثقة بالنفس إنه يرى نفسه ودائرة ضيقة من زملائه كطليعة تطور، بدأت ذات يوم في ميدان كييف، وفي نهاية المطاف قد تطرح مسألة السلطة على الحاكمين حالياً. خصوصاً وأن أغلب السياسيين، الذين وصلوا إلى السلطة عن طريق الثورة، هم ذات الوجوه التي يراها المرء منذ عشرين سنة في التلفزيون: تارةً كمعارضة شكلية للقوى الموالية لروسيا الملتفة حول الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش وأطاحت به احتجاجات الميدان في فبراير 2014، وتارة كجزء من القيادة الجديدة حول الرئيس الحالي وحاكم القلة بيترو بوروشينكو، الذي كان وزير الاقتصاد في زمن القوى القديمة. أي النخب، التي كان المرء يتطلع إليها ذات يوم، يعبّر نازاري سوفسون عن ذلك بقوله: "انتهى ذلك منذ الميدان."

عمل فرانك هوفمان من عام 2014 ولغاية عام 2016 كأول مراسل دائم ومدير ستديو دويتشه فيله في العاصمة الأوكرانية كييف، ورافق أوكرانيين شباب من "جيل الميدان" طيلة صيف عام 2016. فكانت النتيجة فيلماً وثائقياً لقناة دويتشه فيله بعنوان "حلم الميدان – انتقال كييف إلى المعسكر الأوروبي الغربي"، وهو عبارة عن بورتريه للعاصمة كييف وشعور الحياة بالنسبة للجيل الشاب بعد احتجاجات الميدان في شتاء 2013/2014.