روسيا والصين.. منظمة شنغهاي مظلة لمواجهة نفوذ الغرب في آسيا؟
١٤ سبتمبر ٢٠٢٢يقوم الرئيس الصيني شي جين بينغ بأول رحلة خارجية منذ أكثر من عامين بهدف إظهار نفوذ بكين الجيوسياسي قبل انطلاق المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وخلال زيارته لكل من كازاخستان وأوزبكستان، سيلتقي الرئيس الصيني مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تنطلق يوم الخميس (15 أيلول/ سبتمبر 2022) في أوزبكستان. ومع تدهور علاقات روسيا مع الغرب بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تتراجع بكين عن دعم موسكو، بل عزز البلدان تعاونهما الاقتصادي.
وكانت آخر قمة بين الرئيسين الصيني والروسي في بكين على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين قبل وقت قصير من بدء التوغل الروسي في أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي. وخلال ذلك اللقاء، دشن بوتين وشي شراكة "بلا حدود" بين البلدين بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي ظل العقوبات الغربية على روسيا التي حرمت الاقتصاد الروسي من الأسواق الأمريكية والأوروبية، قدمت الصين الدعم الاقتصادي لموسكو بما في ذلك شراء صادرات الطاقة وتصدير السيارات وغيرها من المنتجات إلى روسيا.
الحرب في أوكرانيا.. وقوف الصين إلى جانب روسيا
يشار إلى أنه في التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، عقد لي انشو، المسؤول البارز في الحزب الشيوعي الصيني، لقاءات مع أعضاء في البرلمان الروسي حيث أعرب عن دعم بلاده لموسكو، منتقدا في الوقت نفسه العقوبات الغربية. ونقل بيان للبرلمان الروسي عن المسؤول الصيني قوله "نتفهم بشكل تام حتمية الإجراءات التي اتخذتها روسيا لحماية مصالحها الرئيسية ونقدم مساعدتنا". وأضاف "فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، نرى أن (الغرب) وضع روسيا في موقت مستحيل. وفي ضوء ذلك، اتخذت روسيا خيارا مهما وردت بشكل صارم".
وذكرت وكالة الأنباء الحكومية الصينية (شينخوا) أن المسؤول الصيني شارك في المنتدى الاقتصادي الشرقي في مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرقي روسيا الذي انطلق في السابع من سبتمبر/ أيلول قبل زيارته للعاصمة الروسية موسكو .وأفادت الوكالة أن لي التقى بالرئيس الروسي حيث وجه الشكر لموسكو "لدعمها القوي لبكين فيما يتعلق بقضية تايوان".
وفي ذلك، قال شين يو شيه، الخبير في شؤون آسيا الوسطى بمعهد الدفاع الوطني وأبحاث الأمن في تايوان، إن التوترات بين الغرب وروسيا من جهة وبين الغرب والصين من جهة أخرى سوف تدفع موسكو وبكين إلى تعزيز التعاون، رغم أن الصين تسعى إلى كسب نفوذ في بلدان آسيا الوسطى التي تعد منطقة نفوذ تقليدية لروسيا. وأضاف في مقابلة مع DW "سيجبر الوضع الراهن كلا البلدين على الوقوف معا والعمل ضد العدو المشترك".
من جانبها، ترى نيفا ياو، الباحثة البارزة في "أكاديمية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"- مركز بحثي متخصص في الشؤون الخارجية ومقره قرغيزستان، أن التحالف الروسي-الصيني جرى إنشاؤه لتحقيق هدف مشترك يتمثل في إيجاد بديل للنظام العالمي الذي يقوده الغرب.
ورغم ذلك، فإنها تعتقد أن هذا التحالف ليس "مطلقا" في ضوء مساعي روسيا إلى إعادة تشكيل مجالات نفوذها في آسيا، مضيفة "أن الشيء الذي لا تدركه الصين هو أن هدف روسيا ليس إسقاط الغرب وإنما إحياء الاتحاد السوفيتي". وقالت إنه مع تطور الأحداث، فإن الصين "ستستيقظ على جرس إيقاظ"، مشيرة إلى أنه الصين في المستقبل ستكون في حاجة إلى إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا بشكل سريع وفقا للمستجدات الجيوسياسية.
ما أهمية آسيا الوسطى؟
الجدير بالذكر أن الصين وروسيا تسعيان إلى زيادة نفوذهما في بلدان آسيا الوسطى، لا سيما كازاخستان وأوزبكستان حيث تنظر بكين إلى المنطقة باعتبارها ركيزة هامة في مشروع الحزام والطريق. أما روسيا، فهي الأخرى تحاول الحفاظ على دورها كشريك استراتيجي واقتصادي أساسي في منطقة آسيا الوسطى التي كانت في السابق جزءا من الاتحاد السوفياتي.
ورغم ذلك، تشير نيفا ياو إلى أن بلدان آسيا الوسطى تبحث عن شركاء جدد سوءا في العالم العربي وجنوب آسيا نظرا لأنها لا ترغب في الاعتماد بشكل كبير على الصين أو روسيا في ظل تصاعد التوتر في أوكرانيا وتايوان.
وتضيف أن الحرب الروسية في أوكرانيا "تعد مصدر قلق لآسيا الوسطى"، مشيرة إلى أن روسيا والصين ترغبان في ضمان عدم انخراط هذه الدول في تحالفات مع شركاء جدد. وترى أن قمة منظمة شانغهاي ستكون بمثابة فرصة "كي تعبر الدول الأعضاء عن مصالحها والخطوات التي بمقدورها اتخاذها".
وفيما يتعلق بكازاخستان، فتعد شريكا هاما للصين في منطقة آسيا الوسطى، نظرا لكونها مصدرا حيويا للمعادن والفلزات وموارد الطاقة فضلا عن موقعها الاستراتيجي لحركة النقل بين أوروبا والصين.
"رحلة رمزية"
من جانبه، يرى برادلي جاردين، المحلل السياسي والزميل في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن، أن جولة شي المرتقبة "رمزية".
ويضيف بأن كازاخستان "كانت المكان الذي أعلن فيه الرئيس الصيني عن مبادرة الحزام والطريق عام 2013 فيما تعد المبادرة نقطة محورية في سياسته الخارجية، لأنها تظهر تنامي الموقف الصيني على الساحة الدولية".
ورغم ذلك، فإن الوضع السياسي في كازاخستان لا يزال هشا عقب موجة الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها البلاد في يناير/ كانون الثاني بعد رفع أسعار الغاز ما أسفر عن مقتل 200 شخص.
ومع تصاعد أعمال العنف آنذاك، تدخلت روسيا بناءً على طلب الرئيس قاسم جومارت توكايف للمساعدة في إنهاء الاضطرابات، في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا والتي تعد بمثابة تحالف عسكري مكون من ست دول سوفياتية سابقة وتأسس بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وتقول الباحثة نيفا ياو إن الصين تقدمت آنذاك بعرض لدعم توكايف، لكن الأخير لم يتجاوب مع المبادرة الصينية، مضيفة أن هذا الأمر أثار قلق بكين حيال سياسة رئيس كازاخستان تجاه بكين. وتضيف بأن "هذا الأمر يجعل كازاخستان دولة مهمة للغاية بالنسبة للصين لتكون محطة الرئيس الصيني في ضوء التعاون الثنائي والمتغيرات الدولية".
الجدير بالذكر أن الصين لا تزال نشطة في تعزيز تنمية كازاخستان الاقتصادية منذ وقت طويل، فيما يتوقع أن تركز المباحثات بين رئيسي البلدين على الاستثمار في الصناعات غير النفطية والغاز .
قضية الأويغور
لكن من المتوقع أن يكون وضع أقلية الأويغور المسلمة في منطقة شينجيانغ الصينية، قضية ذات حساسية، حيث تعد كازاخستان موطنا لأبناء أقلية الأويغور فضلا عن أنها تتقاسم حدودا مشتركة مع إقليم شينجيانغ.
وفي ذلك، تقول ياو إن الصين ترى أن علاقاتها مع بلدان منطقة آسيا الوسطى "تتطلب دائما الصيانة بشكل مستمر لضمان عدم تقديم دعم لمجتمع الأويغور في الشتات. وتعرف كازاخستان ذلك جيدا، لذا فهي ليست على استعداد لتقديم تنازلات بشكل علني، لكن من وراء الأبواب المغلقة، فإن حكومة كازاخستان تساعد الكثير من أفراد الإثنية الكازاخية القادمين من الصين".
وتصيف أن الشيء الوحيد الذي سيكون على جدول أعمال شي يتمثل في دفع "كازاخستان للتأكيد مجددا على أنها ستدعم الصين عندما يتطرق الأمر إلى شينجيانغ، لكن ذلك سيثير تساؤلات حيال المدى الذي سيذهب إليه توكايف في ضوء كونه شخصا وطنيا يدعم وحدة الإثنية الكازاخية".
وليام يانغ/ م ع