1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تاريخ عائلتي اليهودية

هادي جلو مرعي٩ مايو ٢٠١٣

بكلمات رقيقة يتأمل هادي جلو مرعي في تاريخ اليهود في وطنهم العراق، واصفا بدقة مؤثرة مأساة تهجيرهم وانتزاع هويتهم العراقية منهم.

https://p.dw.com/p/18UmJ
صورة من: DW/M. Al-Saidy

كان وليد يلعب كرة القدم بفريق شعبي في مدينة الصدر شمال بغداد، وكان الملعب يسمى(الاشتراكية) يقع خلف محطة وقود الداخل جوار المقبرة الكبيرة التي كانت نقلت إليها رفات الموتى للتو من مقبرة لليهود وسط بغداد تقرر إزالتها تحسبا للتوسعة الكبيرة التي شهدتها العاصمة مطلع السبعينات. لم يكن وليد مهتما بالجنازة، لكنه نظر إلى وجوه المشيعين الحزينة، وخطواتهم البطيئة، والى التابوت الذي يرقد فيه ميت. أنثى أو ذكر ليس مهما، لكنه ميت على أية حال، اقترب وليد، وكان رجل دين يهودي يقف صامتا، قال له، الموت نهاية كل بشر يا ولدي. عاد الطفل الصغير إلى اللعب بحماس كبير بينما كان الميت يوارى الثرى في المقبرة الحديثة التي بدأت للتو تستقبل رفات الموتى الذين تقرر نقلهم إليها.

في تلك الأثناء كان المواطنون اليهود الذين هاجروا قسرا ما زالوا يبكون على وطنهم، وعلى فراق إخوانهم المسلمين من السنة والشيعة والمسيحيين الذين يشاطرونهم العذاب ويعانون كثيرا وهم في ديار غربة بعد أن مارست معهم السلطات العراقية حماقات لا توصف وقامت العصابات الصهيونية بتفجير محلاتهم وبيوتهم واغتيال بعض منهم ليوهموهم إن الذين يستهدفونهم هم المسلمون وعليهم الرحيل.

كبر وليد، وصار صحفيا ومازال يتذكر حكايات جدته عن أحد زعماء اليهود العراقيين (ديفيد فيليب) لكنه يتحدث بحنين، ويرى أن مؤامرة كبرى تمارس مع الدولة العراقية لتفريغها من أبنائها، كما حصل بعد إعلان الدولة اليهودية في فلسطين، وجمع المؤمنين بالديانة اليهودية من أصقاع الأرض ليكونوا شعب دولة إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني (باراك أوباما زار في جولته الشرق أوسطية الأخيرة متحف البحر الميت في القدس، وإطلع على ما أوهمه مدير المتحف إنه من آثار بني إسرائيل، وما يشكل حلقات وجودهم وأحقيتهم بأرض الميعاد المغتصبة من العرب) واليوم يهاجر المسيحيون إلى بلاد أخرى بحثا عن حياة جديدة لا يتعرضون فيها للتهديد وهم مهددون في العراق ومصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا ولبنان.

Judengräber in Bagdad
مقبرة اليهود في مدينة الصدرحاليا ( الثورة، صدام، الرافدين سابقا ) ببغداد.صورة من: DW/Hadee Jalu Maree

قصة الأديبة آمنة

أمنة عبد العزيز أديبة عراقية لم تتخل عن يهوديتها برغم تعاقب الأجيال وزوال أسباب البقاء، ولم تنس حي الشعب في شمال بغداد الذي غادرته إلى حي آخر، وتحلم بالسيدة أم حامد اليهودية التي توفيت نهاية سبعينات القرن الماضي، وكذلك أبناءها، ومنهم (حامد) الذي تزوج ثم لم يعد له من ذكر، وفي إيحاءات الكلمات إشارات لوجود يهودي بيننا لا نشعر به لكنه موجود على أية حال فاليهود في كل مكان بآثارهم في (بابل والنجف وبغداد والموصل والبصرة وكركوك وصلاح الدين وديالى) وهاهي مقبرتهم التاريخية في مدينة الصدر شاهد على التصاقهم بالعراق كبقية الطوائف وهم يلعنون المقادير التي مجدت لدولة اقتلعتهم من الجذور وأبعدتهم عن الوطن.

آمنة عبد العزيز اختارت نيسان وحين يقدح (المشمش) في البساتين لتتحدث عن عذرية حبها لوطنها ومن فيه من بشر ومكونات انتزعت منه ونفيت قسرا إلى المجهول الذي يسمونه وطنا.. لكني أعذرها طويلا فهي مازالت تعيش على ذكريات مفعمة بالألم وحكايات (أم حامد) التي يتردد صداها في الأحياء القديمة من بغداد، قالوا لآمنة، إن (أم حامد) دفنت في مقبرة (محمد سكران) شمال بغداد.

نيسان جميل حتى في أكاذيبه، وآمنة ليست يهودية بل هي من عشيرة الخزاعل المعروفة، وتعتز بدينها، وكونها مسلمة متعصبة للاعتدال، لكنها تحن لعراق يحوي كل البشر.