1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بيتر سلوتراديك ينقل الفلسفة إلى الجمهور عبر الشاشة

رشيد بوطيب٣٠ يونيو ٢٠٠٧

سلوتردايك، الفيلسوف الألماني الذي أقام الدنيا ولم يستطع أن يقعدها، نجح في العودة بالفلسفة إلى عموم الجمهور، ليس فقط عبر برنامجه التلفزيوني، ولكن أيضا عبر كتبه التي ما برحت تثير الكثير من التساؤلات والنقاشات الجدلية.

https://p.dw.com/p/B72w
سلوتردايك، حين يتحول فيلسوف إلى نجم إعلاميصورة من: picture-alliance/ dpa

أليست الفلسفة في موقع الملك لير بمسرحية شكسبير، الذي تخلى عن كل ممتلكاته لبناته وطرد نفسه إلى الشارع لأنه رجل عجوز لا فائدة منه ومثير للمتاعب؟ هكذا تساءل فيلهلم فندلباند، مؤسس مدرسة بادن الكانطية الجديدة، في زمن كثر في الحديث عن موت الفلسفة، خصوصا مع صعود المذهب الوضعي، الذي اعتبر أن كل مشكلات الفلسفة هي مشكلات وهمية. لكن حملة الوضعيين هذه، انتهت بهزيمة منكرة. لقد تبين أن الأسئلة التي تطرحها الفلسفة، أسئلة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للإنسان. لكن كثيرا ما تعجز الفلسفة عن التواصل مع العالم وتتراجع إلى ما وراء جدران الجامعة، منشغلة بتمحيص النصوص القديمة واستعادة اجتهادات السلف والانتصار لفيلسوف على آخر أو مفهوم ضد مفهوم، فيتجاوزها التاريخ، لتستيقظ على كارثة وتعيد شحذ سلاحها النقدي من جديد وتعاود الانفتاح على زمنها. "إن الفلسفة زمنها وقد صيغ في أفكار" يقول الفيلسوف الألماني هيغل، إنها بنت زمنها وعصرها، وليست "حنينا" كما كتب الشاعر الرومانسي نوفاليس.

"المربع الفلسفي" تفكير في الراهن

Regeln für den Menschenpark Peter Sloterdijk Buchcover
قواعد لحديقة البشرية، الكتاب القنبلة

خرج الفيلسوف الألماني سلوتردايك الذي بلغ الستين مؤخراً بالفلسفة من الجامعة إلى شاشة التلفزيون، ساحة أثينا الجديدة. برنامجه "المربع الفلسفي"، الذي يديره برفقة المؤرخ الفلسفي الأكثر نجاحا في ألمانيا رويديغر سفرانسكي مرة كل شهرين على قناة "تسي دي ف" الألمانية، والذي يستقبل فيه ضيوفا من كل طيف فكري، لا يناقش قضايا فلسفية ولكن قضايا حياتية من وجهة نظر فلسفية، مثل كرة القدم، الاستغلال السياسي للدين، ظاهرة جيل الثورة الطلابية 68 الخ.

ليس فقط بسبب هذا البرنامج ولا بسبب تدخلاته في الصحافة ومحاضراته التي تقوده إلى كل مكان تحول سلوتردايك إلى نجم إعلامي كبير تخطب وده الصحف والقنوات التلفزيونية، ولكن خصوصا بسبب طريقة كتابته، وطبيعة الأفكار التي يعالجها وخصوصا بفضل معجمه الفلسفي الجديد وقدرته على خلق تراكيب ومفاهيم جديدة وعلى افتضاض اللغة الألمانية وتخريبها من الداخل. سلوتردايك صنع لغة جديدة، حتى أن قارئه يشعر بأنه أمام فنان يكتب الفلسفة.

بفضل كل ذلك استطاع سلوتردايك المولود سنة 1947 في مدينة كارلسرووه أن يصبح من أشهر الفلاسفة الألمان المعاصرين، وحتى وإن لم يستطع التأسيس لمدرسة فلسفية شأن المدارس الفلسفية الكثيرة المنتشرة في الجامعات الألمانية. ورغم ان فكره اقترب أكثر من التحليل النفسي منه إلى الفلسفة، إلا أنه يظل أحد أبرز الفلاسفة المعاصرين الذي استطاعوا نفض الغبار عن الفلسفة وفتحوا آفاقا جديدة لها، سيرا على درب الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي ما برح يؤكد بأن "الفلسفة سياسة". أجل سلوتردايك يحشر أنف الفلسفة في كل قضية، من تقنية الجينات، مرورا بالعولمة وانتهاء بتشريح ظاهرة الإرهاب الدولي وأبناك الغضب الجديدة، وهو يقترب في ذلك كثيرا من الفيلسوف الفرنسي جان بودريار وهو يحلل مجتمع الاستهلاك وامتهان جسد المرأة أو وهو يتحدث عن الجذور الفلسفية للإرهاب أو عن أسباب ثورة الضواحي في باريس.

"قواعد لحظيرة البشرية" ـ نحو إنسان جديد!

Buchcover Peter Sloterdijk Zorn und Zeit
الغضب والزمن، آخر كتب سلوتردايك.

لكن الظهور الإعلامي الكبير لسلوتردايك يعود إلى محاضرته التي ألقاها في الخامس عشر من يونيو 1997 في مدينة بازل السويسرية في إطار أيام دراسية حول الفيلسوف ملرتين هايدغر. المحاضرة صدرت في كتاب عن دار سوركامب بعنوان:"قواعد لحديقة البشرية. جواب على رسالة هايدغر حول الأنسنة". المحاضرة أشعلت رحى حرب إعلامية في ألمانيا وصلت أصداءها إلى خارج ألمانيا. سلوتردايك ينتقد التيار الأنسني، الذي يقوم على الميراث الإغريقي الرومي، معتبرا أنه لم يطمح يوما لأكثر من تدجين الإنسان، وأنه كان وراء الكوارث التي أصابت الإنسانية، مشبها في هذا السياق جمهورية أفلاطون بالحديقة البشرية ومعتبرا أن التفكير الفلسفي ذي النزعة الأنسنية ليس "أكثر من محاولة لخلق السبل الناجعة لإدارة هذه الحديقة وتدجين وتربية سكانها".

سلوتردايك ينطلق في نقده من نيتشه الذي رأى في الأخلاق ورجال الدين مدجنين للبشرية. فشخصية زرادشت لنيتشه لم تستطع الدخول من أبواب البيوت، لأنها كانت أبوابا صغيرة، صنعت على مقاس إنسان النزعة الإنسية وليس على مقاس الإنسان الأعلى الذي يحتفي بالحياة والمتحرر من الوصايا. لكن ما حاولت الأنسنة تحقيقه عبر القراءة وربط الأحفاد بالأجداد عبر التحصيل العلمي لما أنتجه الكلاسيكيون، ستعوضه اليوم التقنيات الجديدة، والمتمثلة خصوصا في الاستنساخ الجيني عبر "الانتقاء". ويصف سلوتردايك ذلك بالانتقال من قدرية الولادة، إلى حرية اختيار المولود، جنسه، شكله وطبيعته.

Jürgen Habermas, Philosoph, Frankfurter Schule
يورغن هابرماس، الفيلسوف الألماني يتدخل علنا للرد على سلوتردايكصورة من: dpa

أفكار الكتاب أثارت موجة غضب عارمة في ألمانيا، وشبهها بعض النقاد بأفكار النازية، التي كانت تمجد العرق الآري ضد الأعراق الأخرى. "إنه خطاب فضائحي"، كتب عنه توماس آسهويه في جريدة دي تسايت الأسبوعية متهما سلوتردايك بمحاولة دفن الحقبة المعاصرة وتطوير نظرية الإصطفاء البشري. أما فيلسوف ألمانيا الأكبر والمدافع الأول عن قيم مدرسة فرانكفورت يورغن هابرماس فقد انتقد بشدة سلوتردايك وأفكاره، محذرا من خطورة تلك الأفكار، لأن لها "وجهة نظر فاشية مرعبة".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد