1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

باسم يوسف: علاج الإيدز .. ثلاثية الجهل والبجاحة وقلة القيمة

٧ مارس ٢٠١٤

شوفوا! أنا حدخل فى الموضوع على طول. فلا نحن فى حاجة لتلخيص ما حدث فى الأسبوع الماضي ولا نحتاج لأي مقدمات. ده غير إن فيه كلمتين حافظهم من أيام الطب عايز أكتبهم بسرعة!!

https://p.dw.com/p/1BM1v
Bildergalerie Sendung Bassem Youssef
صورة من: Al Bernameg

الجهل

خطورة أن تخرج على الملأ وتدعي أنك وصلت لاكتشاف ما، أن العامة لا يناقشونك فى التفاصيل. ولا أقصد بالعامة هنا الجهلاء أو أنصاف المتعلمين، لكن أقصد أيضاً المذيعين والإعلاميين الذين يستمعون إليك بانبهار ولا يدركون مقدار ما يحمله كلامك من جهل.

لذلك فقبل أن أتكلم عن هذه القضية العلمية سأضطر إلى أن أكتب بعض المعلومات الطبية فى أول النقاش كفيلة بأن تنسف مصداقية الكلام الفارغ الذي كنا نسمعه على مدى هذا الأسبوع.

فمعلش، استحملوني الكام سطر اللي جايين.

يخرج علينا اللواء عبد العاطي ويقول لنا إن فيروس الكبد الوبائي (سي) أقوى من فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لأن فيروس (سي) يحتوي على شريطين (أو سبحتين) من الحامض النووي على عكس فيروس الإيدز. هذه معلومة كفيلة بأن يرسب بسببها طالب في السنة الثالثة في كلية الطب فى علم الميكروبيولوجي. ففيروس (سي) مثل فيروس الإيدز (single stranded) – يعني حمضه النووي "سبحة واحدة" ولكن الفارق أن فيروس الإيدز لديه نسختان من الحمض النووي داخل الفيروس.

ربما تتساءل عزيزي القارئ: يا سلام، جت على دي يعنى؟

أقولك: آه والنعمة، لأن ذلك أشبه بجراح يعلن عن ابتكار عملية جراحية جديدة ثم يخطئ فى أول مبادئ التشريح الذي يعرفه طالب السنة الأولى فى الطب.

طبعاً ده غير أخطاء أخرى بالجملة لا يتسع المجال ولا "الخلق" لذكرها.

فمن الأول كده هذا اللواء لا يعرف أبسط الأشياء عن تركيبة الفيروسات التي يدعي أنه قاهرها.

ثم نأتي للجملة الشهيرة بتاعة الكفتة وهي الجملة التي وجدنا أساتذة كباراً فى مجالهم صغاراً فى علمهم يروجون لها تحت ادعاء أن الجهاز الذى يدمر الفيروس سوف ينتج عنه تفتيت الحمض النووي وبعد ذلك سوف يستفيد منها جسم الإنسان فى صورة أحماض أمينية لأنها تتحول إلى بروتين ولذلك يمنع الدكتور عبد العاطي مرضاه من تناول البروتين الحيواني طوال فترة العلاج.

هذه معلومة لو قالها طالب طب في أي امتحان شفوي لتم طرده من الامتحان وربما منع أي أحد من عائلته أو أقاربه أو بلدته من الالتحاق بكلية الطب إلى الأبد!!

ومن مهازل هذا الزمن أن يجد المرء نفسه مضطراً لشرح هذه الخزعبلات ولكن لا بأس.

فيروس الإيدز يا سادة معروف أنه يقوم باحتلال الخلاية البشرية بطريقة أشبه بحصان طروادة. فبعد أن يستقر الفيروس على سطح الخلية يقوم بحقن حمضه النووي إلى داخلها. ثم يقوم بغزو النواة ويقوم (بحشر) حمضه النووي فى الحمض النووي الآدمي. ثم يجبر الخلية الآدمية على تغيير الشفرة الجينية لها فتقوم بتصنيع المزيد من الفيروسات. فتنفجر الخلية وتقوم الفيروسات بغزو خلايا أخرى.

(طبعا هذا وصف غير دقيق 100% ولكن للتبسيط)

فسؤالنا للواء قاهر الفيروسات: هل جهازك يضرب الفيروس وهو في داخل نواة الخلية فيدمر الخلايا البشرية والفيروس معاً؟ أم يدمره وهو ما زال على سطح الخلية أم يدمره وهو في مجرى الدم أم يدمره وهو في داخل الأنسجة؟ وكيف تدمر هذه الإشعاعات المزعومة الفيروس بالكامل بدون إلحاق الضرر بالخلايا البشرية التي تحتضن الفيروس؟ وكيف بعد معجزة تدميره يستفيد الجسم بالحمض النووي للفيروس وهو له شفرة جينية مختلفة عن الشفرة الآدمية. ولو صحت هذه النظرية الفاجرة، إذن لماذا لا يستفيد الإنسان بعد شفائه من فيروس الإنفلونزا من الأحماض الأمينية ؟ يبدو أن اللواء قاهر الفيروسات وجد حلاً سحرياً لمشكلة الغذاء فى العالم. فبدلاً من أن يذهب الفقراء إلى الجزار فيمكننا أن نحقنهم بفيروسات مثل الإنفلونزا مثلاً وبعد أن ينحسر المرض ويتم تكسير الفيروس داخل الجسم يستفيد المريض بالأحماض الأمينية فيتحول لبروتين فيستغنى عن اللحمة.

إيه الهبل ده؟ إيه النصب ده؟

مازلنا أعزائى القراء مع مسلسل الجهل. ولكن هذه المرة مع جهاز التشخيص وليس العلاج (أيوه التاني أبو إيريال)

يخرج علينا د.أحمد مؤنس وهو من أفراد الفريق (المخترع) فيقول لنا أن الجهاز أبو إيريال "شاور عليه" بعد أن "حضنه" أحد المرضى "فلزقت" بعض الفيروسات فى "الجاكتة". بعيداً عن التريقة، ألا يعلم دكتور الكبد الشهير أن الفيروس يعيش فى دم وأنسجة العيان؟ كيف وصل الفيروس إلى جلد العيان وملابسه ليعلق بجاكتة الدكتور المحترم. فإن صح ذلك فمعنى ذلك أن الفيروس ينتقل باللمس وهو ما لا أعرفه عن فيروس (سي) وربما لا يعرفه أيضاً دكتور الكبد الشهير.

ثم يخرج هذا الطبيب وغيره فيقول إن جهاز العلاج يستطيع أن يعالج جميع الفيروسات (كدا هو) والسرطان، والصدفية وقصور الشرايين والضعف الجنسي، والسكر وكمان مضاد للبكتيريا. وإن صبرت عليهم ربما يعالج أيضاً العقم وتساقط الشعر ويفك الحجاب ويصرف الجن.

هنا خرجنا من دائرة الجهل إلى دائرة أخرى: البجاحة.

البجاحة

البجاحة هي أن تكرر معلومات تنم عن جهل وتضحك بها على البسطاء. البجاحة هي أن تخرج على الناس وأنت فاتح صدرك وتدعي أن جهازك يعالج كل الأمراض بدون أن تقدم دليلاً علمياً واحداً.

البجاحة هي أن تقول أن جهاز التشخيص (أبو إيريال) تم عرضه في المجلات العلمية ثم تعطي لنا رابطاً لموقع علمي تنشر فيه أبحاث الدجل والنصب.

نعم يا سادة فموقع (WASET) هو موقع يستطيع أي شخص أن ينشر بحثه فيه حتى لو كان تلفون تتصل به بالكائنات الفضائية. والمجلة الأخرى التي يدعون أنهم نشروها فيها وهي مجلة أمراض الكبد الأوروبية، تم النشر بها كملصق (بوستر) وليس كورقة بحث مقبولة.

البجاحة أن تدلس على الناس وتقول إن جهاز التشخيص تم قبوله وهناك وثيقة تخرم عين العدو تقول بكل ثقة أنه تم رفض براءة الاختراع لأن اللغة العلمية ركيكة ولأنه لا يوجد دليل علمي مقبول لقدرات الجهاز المزعومة، منها مثلاً أن الجهاز يستطيع أن يرصد مريض الفيروس من على بعد أكثر من نصف كيلومتر. (يا أخي أحيه).

رجوعاً لجهاز العلاج بتاع الكفتة، فبعد كورس الجهل اللطيف وجدنا أن الجهل تحول إلى بجاحة إلى فيلم من أفلام جيمس بوند. فمرة يقولون إن الجهاز تم اخفاؤه عن دول العالم لمدة عشرين سنة ومرة يقولون إن الجهاز تم عرضه فى مؤتمرات علمية وهذا كذب ولم يحدث. البجاحة تستمر فيقولون إنه تم عرض ملياري دولار على اللواء عبد العاطي (أو عشرين مليون دولار بحسب رواية د. أحمد مؤنس) حتى يتنازل عن الجهاز.

وهو ما أراه غريباً لأن اللواء عبد العاطي كان يقدم برنامجاً للعلاج بالقرآن منذ ثماني سنوات فقط على قناة الناس. فهل كان يعمل كعميل سري للمخابرات فى قناة الناس بالليل ثم يذهب إلى مقر عمله بالهيئة الهندسية في الصباح؟

لن أخوض في موضوع أن اللواء عبد العاطي كان يعالج بالأعشاب وأن عيادته تم غلقها ثم هرب، فربما كان ذلك كله جزءاً من خطة التمويه التي وضعتها له المخابرات ولكنني سأتكلم عن نوع آخر من البجاحة هو أن تواجه أي محاولة للنقاش العلمي بأعذار مثل أنك عدو للجيش وتريد أن تقتل الأمل بل ويتهمونك أنك جزء من مخطط دولي ومخابراتي لهدم الدولة وأنك تعمل لحساب مافيا الأدوية العالمية.

ده على أساس أن مافيا الأدوية سوف تتهدد من كمية الجهل المطبق الذي طفح على الجميع من هذا الفريق.

والآن تجد نغمة بجحة جديدة تقول إننا يجب ألا نعرض الجهاز للتقييم العلمي لأن دول العالم ستسرقه منا، فيجب الحفاظ عليه كسر عسكري.

يعني من الآخر الجهاز ما يتخيرش عن العلاج بالزار الذى يخرج الموهومون منه بأنه شفاهم ولكن محروم على الأجانب أن يعرفوا أسراره. فيمكنك أن تدعي أنك شفيت المئات والآلاف وليس هناك دليل على ذلك إلا شهادات من تستأجرهم ونتائج المعامل التي تسيطر أنت عليها.

البجاحة هي أن تقول بعلو صوتك أن الفاصل بيني وبينك هو مرض ومريض ولتذهب الأبحاث العلمية والاعتراف العالمي للجحيم لأنهم طبعاً يتآمرون علينا.. البجاحة هي أنه بعد هذه الفضيحة تدفع بأشخاص ليدلوا بشهادتهم فى التلفزيونات ويقولون إن الجهاز قد شفاهم فتستمر فى جريمة إيهام المرضى، فأنت هنا لا فرق بينك وبين ضحايا العلاج بالجن والسحر الذين يحلفون بكرامات "سيدنا الشيخ" بعد أن فك السحر عنهم.

هل رجعنا إلى العصور الوسطى دون أن ندري؟

البجاحة هى أن تتاجر بآمال المرضى والملايين من حاملي المرض مش فيروس (سي) بس، لكن الإيدز والسكر والصدفية والسرطان وقصور الشرايين والضعف الجنسي وأي مرض معدٍ سواء فيروسياً أو بكتيرياً.

البجاحة هي أنك تستمر في عندك وتتستر بعباءة الجيش التي لطختها أنت بجهلك ونظريات الكفتة.

البجاحة أن تدعي أن هذا كشف علمي لا يفهمه الأطباء لأنهم معتادون على معالجة الأمراض كيميائياً ولكن هذه العلاجات الأسطورية تعتمد على نظريات فيزيائية لم يتوصل إليها العلم الحديث. وكأن كليات العالم التي تدرس الهندسة الطبية وتبدع فى علوم التكنولوجيا والأجهزة الطبية تقوم بتدريس مادة التدبير المنزلي. وكأن أجهزة التشخيص من سونار إلى رنين مغناطيسي إلى أشعة مقطعية ليست لها علاقة بالفيزياء.

البجاحة هي أن تتمسخر على جملة القرد والقرداتي أيام مرسي ثم لا يهتز لك شعرة فى فضيحة الكفتة.

البجاحة كانت عالية جداً لدرجة أنني لم أشهد انتفاضاً للأطباء ولا نقابتهم ولا وزارتهم لمواجهة هذا العبث وهذا الجهل الذي يفوق جريمة العلاج بالحجامة أو بول الإبل. كيف يواجه الأطباء والأساتذة طلابهم فى مدرجات الجامعة ولا يجرؤ أحد منهم أن يصرخ كل يوم في برامج التلفزيون أن هذا نصب واحتيال؟

البجاحة أن تجد كتيبة الإعلام الوطنية تطارد كل من تسول له نفسه انتقاد هذا الدجل. وإذا لم يطبل الإعلامي للاكتشاف الفضيحة يحاول حفظ ماء وجهه ويقول إن العيب ليس في الاختراع ولكن في الاستعجال وطريقة الإعلان. لا يا سيدي فحتى لو أقمت مؤتمراً عالمياً وتكلمت بشياكة في موضوع العلاج بالسحر الأسود سيظل سحراً أسود. فالجهل لا يمكن تجميله. وإذا أعطينا الفرصة لهذا النصب فمن باب أولى أن نعطي فرصة لكل من هب ودب لأن يثبت نظريته من أول شاي دكتور مينج لجلسات تحضير الأرواح. فما بني على جهل فهو جهل والاستمرار فيه بجاحة.

البجاحة هي أن تهاجم عصام حجي الذى صمم عملية هبوط مركبة المريخ وتقول إيش فهمه أصله فلكي، وتهاجم زويل وتقول إيش فهمه ده أمريكاني، ثم تأخذ جانب معالج قناة الناس وطبيب الأعشاب ودكاترة كبد خانوا مهنتهم لأسباب غير معلومة.

البجاحة أن يتم تكميم الأفواه بدعوى الحفاظ على الجيش حتى لو كان الثمن هو الدفاع عن دجل ونصب، فلا فارق إذن بينكم وبين الكنيسة التي عاقبت غاليليو لأنه رفض نظريتها "العلمية" بأن الأرض هي مركز الكون وبدلاً من مناقشته علمياً تم اتهامه بالكفر والهرطقة.

وبعد البجاحة تيجي قلة القيمة

قلة القيمة التي جعلت شعب أم الدنيا لا يختلف عن سكان الكهوف الذين يؤمنون بالخرافات وفي أي لحظة يمكن اللعب على مشاعرهم الدينية والوطنية ليحملوا المشاعل لحرق العلماء على أنهم سحرة أو كفرة أو خونة.

أنتم لا تختلفون عن الإخوان الذين إذا انتقدناهم اتهمونا بأننا نهاجم الدين. فالإخوان تسببوا في تشويه صورته كما تسببتم أنتم فى تشويه صورة البلد كله بهذه الفضيحة.

الجيش أكبر من الهيئة الهندسية وأكبر من عبد العاطي ومصر أكبر من الجميع. فتوقفوا عن ابتزاز الناس باتهامات مملة عن العمالة وكره الجيش.

الوعد الذي قطعتموه على أنفسكم في علاج هؤلاء المرضى المساكين تسبب في أن الآلاف توقفوا عن أخذ العلاج. وليه التعب والمصاريف؟ فالعلاج جاي جاي من الجيش.

هذا الوعد ليس مجرد وعد بالعلاج. فمئات المليارات التي ينفقها العالم على الأبحاث والتشخيص والعلاج على نصف الأمراض المذكورة كفيلة بأن تجعل مصر أغنى بلد فى العالم.

هذا ليس وعداً بسيارة تسير بالطاقة الشمسية أو اختراعاً مرفهاً مثل البيتزا التي اخترعها الجيش الأمريكي لتظل طازجة لمدة ثلاث سنوات. هذا وعد بالجنة، فلا مرض ولا ألم ولا حتى شكة إبرة. ولا شيء آخر غير أنهار العسل والدولارات.

حين لا يتحقق هذا الوعد، وحين تنكشف أكاذيب هؤلاء الدجالين، وحين تفضح مصر على رؤوس الأشهاد، فلا تحدثني عن التشكيك والتقليل من الجيش. فأنتم الذين تسببتم فى الفضيحة والعار وقلة القيمة للبلد كله.

المصدر: صحيفة الشروق

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=04032014&id=bd08af0b-b815-486d-9c0a-f95150a320e8

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد