الميزانية الأوروبية عائق على طريق تقدم الاتحاد الأوروبي
من أجل فهم أفضل لمشكلة ميزانية الاتحاد الأوروبي، يتعين القول في البداية إن دول الاتحاد الأوروبي تنقسم بشأن مساهمتها في ميزانية الاتحاد إلى قسمين: دول تأخذ أقل مما تدفع (الدول المُمولة) وهي في الوقت الحاضر 11 دولة تتصدرها ألمانيا ودول تأخذ أكثر مما تدفع (الدول القابضة) وهي اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا. ويحدد الفرق بين المبلغ الذي تدفعه دولة ما في خزينة الاتحاد وبين المبلغ الذي تسترجعه على شكل مساعدات مركزها في هذه اللائحة. وبينما تطالب ألمانيا ودول (مُمولة) أخرى بتخفيض قيمة مدفوعاتها في الميزانية وبإلغاء المساعدات (4,8 مليار يورو سنويا) التي تحصل عليها بريطانيا، تنتقد الحكومة البريطانية حصول دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا على مساعدات من الاتحاد الأوروبي لقطاعها الزراعي. ومن هنا ينبع الخلاف الرئيسي بين بريطانيا من جهة وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى.
بلير يتمسك بموقفه
في حين أصر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير خلال محادثات أجراها في الأسبوع الماضي مع كل من الرئيس الفرنسي شيراك والمستشار الألماني شرودر ورئيس المجلس الأوروبي الحالي يونكر على عدم تخلي بلاده عن مساعدات بقيمة 4,8 مليار يورو سنويا، تمسك الرئيس شيراك بالمساعدات التي تحصل عليها بلاده للقطاع الزراعي الفرنسي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر تمكنت في عام 1984 من إقناع الزعماء الأوروبيين في الحصول على مساعدات سنوية بقيمة 4,8 مليار يورو. وعزت بريطانيا في حينها هذه المطالب بقلة المزارعين في بريطانيا والدور الثانوي الذي يلعبه قطاع الزراعة في الاقتصاد القومي البريطاني. في السياق ذاته أعرب بلير في مؤتمر صحفي عقب قمة جمعته مع الرئيس الفرنسي شيراك عن تمسك بلاده بهذه المساعدات، قائلا إن هناك "خلافات واضحة في الرأي" بين بلاده وفرنسا بخصوص الميزانية. وأكد بلير أنه سيكون "من الصعب" التوصل إلى حلول لهذه الخلافات في القمة التي ستبدأ في بروكسل غدا الخميس. ودافع بلير في لقاء أجرته معه قناة التلفزيون الألمانية الثانية "زي دي إف" بكل قوة عن المساعدات التي تحصل عليها بلاده منذ عام 1984، قائلا إن بلاده تحتل المرتبة الثانية في لائحة الدول المُمولة للاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا.
شرودر بين نارين
على الرغم من أن المستشار الألماني غيرهارد شرودر يواجه مشاكل داخلية قد تكلفه منصبه في الانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها في سبتمر/أيلول المقبل والعجز الذي تعاني منه ميزانية وزير ماليته هانس آيشل، إلا أنه أعرب في الأسبوع المقبل عن استعداد بلاده لتقديم تنازلات بخصوص ميزانية الاتحاد الأوروبي. وناشد شرودر قبل يومين من بدء أعمال القمة الأوروبية الأطراف المتخاصمة بالتخلي عما سماه بـ "الأنانية الوطنية". وقال المستشار الألماني أمس بعد لقاء مع رئيس وزراء البرتغال خوسي صوقراتيس إن أهمية التوصل إلى حلول وسطية في بروكسل بخصوص ميزانية الاتحاد الأوروبي أمر "مهم، ومهم جدا"، مضيفا أن الظرف الراهن "يُحتم على الأطراف المتخاصمة التوصل إلى اتفاق بينها بشكل لم يسبق له مثيل." في الوقت ذاته أكد شرودر على استعداد بلاده لتقديم تنازلات بخصوص الميزانية، رغم الظروف المالية الصعبة التي تمر بها ميزانية الدولة الألمانية، على حد قوله. يشار إلى أن تصريحات شرودر عقبت فشل القمة التي جمعت أول أمس كل من الرئيس الفرنسي شيراك ورئيس الوزراء البريطاني بلير.
يونكر متشائم
بينما تتواصل المشاورات والاجتماعات في العواصم الأوروبية للتوصل إلى خلاف بخصوص الميزانية أهم ملفات المشروع الأوروبي، يبدو أن رئيس المجلس الأوروبي الحالي ورئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر متشائم بخصوص التوصل إلى حلول وسطية. وقال يونكر أمس في بروكسل إنه "متأكد جدا من أن قمة الخميس لن تساهم في توصل الزعماء الأوروبيين إلى حل مشكلة الميزانية." وأضاف أنه سيقترح في القمة اتخاذ إجراءات توفير في جميع المجالات.
تقرير: ناصر جبارة