1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المصريون يوظفون النكتة لصالح ثورتهم

٧ مارس ٢٠١١

يُعد تداول النكت في مصر أمرا شائعا للغاية، إذ يستخدمها المصريون للسخرية من واقعهم وحكامهم. وبتغير الواقع المصري حاليا بعد الثورة التي أطاحت بمبارك، تغيرت أيضا طبيعة النكتة السياسية في مصر وأصبحت أكثر جرأة.

https://p.dw.com/p/10TuS
النكتة أصبحت سلاحا في الثورة بعد أن كانت بديلا عنهاصورة من: DW

"سمعت أخر نكته"..هذه الجملة يشتهر بها المصريون، فإطلاق النكت سمة أصيلة في الشخصية المصرية التي تتمتع بروح الفكاهة وإتقان الضحك، والسخرية من واقعها ومن نفسها حتى في أصعب الظروف. وبرع المصريون في ابتداع النكت السياسية التي تعد بمثابة أداة يستخدمونها لنقد واقعهم وأوضاعهم السياسية بصورة ساخرة ولاذعة طالت أيضا حكامهم على مر العقود.

وغالبا ما تطلق النكتة وتتداول بسرعة عبر الألسنة دون معرفة مصدرها أو أول من أطلقها، ولم تخلو الثورة المصرية من النكت بل كانت إحدى سماتها، كما طرأ على النكت ثورة أيضا حيث تحولت بعد 25 يناير/كانون ثاني من حالة رمزية للتنفيس عن الهموم إلى أداة قوية جريئة تتندر بالمصير الذي آل إليه شخص الرئيس السابق مبارك وعائلته، بل وتجاوزته للتندر بمصير وزراء ورجال الأعمال في عهده؛ كما تعدت أيضا حدود الأراضي المصرية لتطال الثورتين التونسية والليبية.

ويرى الكاتب السياسي "سليمان قناوي" في حوار مع الدويتشه فله أن هذه الثورة نسفت النظريات القديمة التي كانت تقول أن المصري يطلق النكت أو ينكت على روحه تنفيسا عن الغضب المكتوم في صدره والذي لا يستطيع إخراجه في صورة احتجاج أو مظاهرة في وجه حاكمه لأنه يخشاه، مشيرا إلى أن هذه النظرية أصبحت في مهب الريح الآن مع الثورة التي كشفت شجاعته، وبدلا مما كان يلجأ إلى التنكيت بديلا عن الثورة والاحتجاج، جمع بين الثورة والتنكيت في نفس الوقت.

النكت من التورية إلى الثورية

Humorvolle Plakate am Tahrir-Platz
النكت من التورية إلى الثوريةصورة من: DW

وقال "المصري كانت يده تهتف وفمه يردد النكتة التي تطورت لتصبح لاذعة حارقة في وجه النظام أي أن المصري بعد الثورة قفز بالنكتة من التورية إلى الثورية والجرأة المباشرة".

ويسرد بعض النكت قبل سقوط مبارك، واصفا إياها بأنها كانت تحمل مرارة وتتداول في التجمعات بحذر حيث كانت تتردد بينما ينظر الجميع لبعضهم في صوت ويقولون "لا ترفع صوتك وإلا ذهبنا وراء الشمس"، في إشارة إلى إمكانية إلقاء القبض عليهم.

ومن بين أشهر النكت التي كانت تتردد قبل سقوط مبارك وتتمحور حول سيطرته وعائلته على كافة مقاليد الأمور في مصر وانتشار الفساد وإحكام قبضته الأمنية، "مبارك على سرير المرض ووصيته لرئيس وزرائه أحمد نظيف:الحكم من بعدي، فأجابه في رقبتي يا ريس..كله تمام، والسلطة هياخدها إبنك جمال. ثم راح في غيبوبة، أفاق منها بعد قليل وقال لأحمد وصيتك الشعب من بعدي، فأجابه: ما تخافش يا ريس..الشعب يأكل الزلط. ثم راح في غيبوبة، أفاق منها بعد قليل وقال له "أحمد ما تنساش تعطي توكيل شركة الزلط لإبني علاء".

وأخرى تقول أنه "اشتكى مبارك لحبيب العادلى إن مرض "حمو النيل " لا يجعله ينام، فبعد ثلاثة أيام اتصل بيه العادلى وقاله تمام يا فندم قبضنا على كل اللى اسمهم حمو وجارى ردم النيل سعادتك".

ومن النكت الأخرى أن ملك الموت عزارئيل قال لمبارك ودع شعبك، فأجابه "لماذا هوا الشعب رايح فين!".

وتحولت النكت أثناء الثورة إلى رسالة شديدة الجرأة تحمل شماتة صريحة في الرئيس المصري الذي يوشك نظامه على السقوط فيما يرفض هو التنحي، وأبرز هذه النكت "أن حكومة مصر استدعت وزير الصحة السعودي لفصل مبارك عن كرسي الرئاسة باعتباره أشهر طبيب عربي متخصص في فصل التوائم"، و"أن الشخص الوحيد الملتزم بحظر التجول هو الرئيس مبارك"، وأيضا "أنه عقد مبارك جلسة مع العادلي وقال له محتدا: منعت الحشيش يا فالح أهو الشعب فاق".

اللجان الشعبية وأحمد عز في النكت المصرية

Ägypten Kairo Proteste
النكات تندرت بالمصير البائس الذي انتهى إليه النظام المصري السابقصورة من: AP

وهناك نكت طالت أيضا اللجان الشعبية التي شكلها المتظاهرون لتنظيم المرور ورعاية منازلهم بعد إختفاء الشرطة ومنها "تعرف الرئيس بيتأخر في خطابه كل مرة ليه؟ علشان بيفتشوه في اللجان الشعبية".

وبعد سقوط مبارك عن الحكم تداولت المزيد من النكت وأنشأت لها عدة مجموعات على موقع الفيس بوك منها أن مبارك اجتمع بالرئيسين الراحلين عبد الناصر والسادات في الحياة الآخرة، فعندما سأله الرئيسان السابقان عن سبب انتهاء حكمه "منصة أم سم؟"، قال مبارك "لا..فيس بوك".

وتجاوزت أيضا مبارك إلى أخرين منهم الرجل الذي كان يقف وراء عمر سليمان أثناء إعلان تنحي مبارك وأيضا إطلاق نكت حول الوزراء السابقين المتهمين في قضايا فساد مثل زهير جرانه والمغربي وأنس الفقي ورجل الأعمال الشهير أحمد عز.

ومنها أن أحمد عز ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي وقعا في السجن عقد بناء "زنزانتي" على غرار المشروع السكني الشهير "مدينتي"، فيما تقول نكتة أخرى إن "عز يبكي لأن أساور قيد السجن ليست مصنوعة من شركته "حديد عز"، وأن أنس الفقي وزير الإعلام السابق يبدأ برنامج جديد بعنوان "السجن سجنك" على غرار البرنامج الشهير في عهده "البيت بيتك".

ومن أشهر النكت أن "الجزيرة تقول أن مبارك سافر إلى دبي، وقناة العربية تقول أنه في لندن والتلفزيون المصري يذكر شرم الشيخ..والحقيقة أن مبارك في بيت الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان".

القذافي سيلغي يوم الجمعة

Humorvolle Plakate am Tahrir-Platz
النكتة السياسية أصبحت أكثر جرأة في مصرصورة من: DW

ولم يسلم يوم الجمعة الذي سبق وشهد رحيل الرئيسين التونسي والمصري من أيادي مطلقي النكت، ومن أبرز هذه النكت "إن القذافي سيلغي يوم الجمعة من أيام الأسبوع، بعد ما شهد هذا اليوم اطاحة رئيس تونس السابق بن علي، ثم مبارك في 11 فبراير الماضي. وأيضا تناولت النكتة ثورات الجيران العرب، فتقول أحداها إن "السلام الجديد بين الزعماء العرب هو "الثورة عليكم ورحمة الله وبركاته" !".

من جهته يرى الخبير الاجتماعي محمود عطية في حوار مع الدويتشه فيلله أن المصري يطلق عليه "ابن نكته" لأنه شعب يجمع كل المتناقضات في وقت واحد، مشيرا إلى أن النكتة لها آثار كبيرة في الحياة السياسية المصرية وتعد أحد أدوات قياس الرأي العام ويهتم بها الحاكم في مصر ويقوم جهاز أمن الدولة بجمعها من خلال أجهزة تحليل وقياس الرأي العام.

ويؤكد أن الرئيسين عبد الناصر والسادات كانا يتلقيان تقارير عن أهم اتجاهات الرأي العام عبر النكت والدليل على ذلك النكتة الشهيرة في وقت الرئيس جمال عبد الناصر حيث أن رجلا من القاهرة سمع أن الأرز متوفر في مدينة الإسكندرية، فسافر في القطار كي يحصل على قوت عائلته، فسأله محصل التذاكر إلى أين تسافر؟ فأجابه إلى الإسكندرية لأشتري الأرز"، ولما وصل القطار إلى طنطا وتبعد عن الإسكندرية حوالى 100 كلم، قال له "إنزل هنا"! فسأله لماذا ولم نصل بعد الإسكندرية؟ فأجابه "مش إنت رايح عشان تشتري الأرز؟ إنزل لأن الطابور يبدأ من هنا".

ويقول عطية أن هذه النكتة آلمت عبد الناصر كثيرًا فاستدعى وزير التموين وأمره بتوفير الأرز للشعب بأي طريقة، الأمر الذي يكشف حجم تأثير النكتة، مستشهدا بعدة كتب تناولت الظاهرة وأشهرها كتاب "كيف يسخر المصريون من حكامهم" للكاتب عادل حموده رصد فيه أهم النكت السياسية خلال حكم عبد الناصر والسادات، ولم يستطع أن يتطرق للنكت في عهد مبارك خوفا من الملاحقة الأمنية، ولكنه ترك عدد من الصفحات البيضاء الخالية في نهاية الكتاب في لفتة ذكية ودعا القراء إلى أن يسجلوا النكت ويكتبوها بدقة من أجل التاريخ ومن أجل الأجيال القادمة.

ويضيف عطية أن المصريين الآن سيقومون بتعبئة هذه الصفحات الخالية بطوفان من النكت بعد سقوط مبارك وخاصة أنه لم يرحل بالصورة التقليدية للرؤساء المصريين عبر الموت ولكنه تم تنحيته في ثورة عظيمة ذات صفات فريدة أبرزها السخرية والنكت.

نيللي عزت ـ القاهرة

مراجعة: هيثم عبد العظيم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد