1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

التونسيون يعاقبون حكومة "النهضة" عبر صناديق الاقتراع

طارق القيزاني - تونس٢٨ أكتوبر ٢٠١٤

استيقظ الشارع التونسي على مفاجأة نتائج الإنتخابات التي أظهرت انهيار أحزاب الإئتلاف الحاكم بقيادة حزب "النهضة". الآراء في الشارع التونسي ولدى الخبراء متباينة حول أسباب هزيمة "النهضة" وفوز"نداء تونس" الليبرالي العلماني.

https://p.dw.com/p/1DdLj
Parlamentswahl in Tunesien Anhänger der Nidaa Tounes Partei 28.10.2014
صورة من: Reuters/Zoubeir Souissi

تستعد تونس لدخول حقبة جديدة من الحكم في كنف مؤسسات دائمة منتخبة ديمقراطيا، لكن ضمن توازنات سياسية جديدة أفرزتها صناديق الاقتراع لتضع العلمانيين الليبراليين في المقدمة بعد تجربة قصيرة من حكم الإسلاميين شابتها هزات كادت تقضي على الانتقال الديمقراطي في مهده. وأوضحت عمليات الفرز الجزئية ونتائج استطلاعات الرأي المرافقة لها، أن حزب نداء تونس العلماني والذي تأسس منذ سنتين، يتصدر فقط قائمة الأحزاب الفائزة متقدما على حركة النهضة الاسلامية التي اكتسحت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011.

وحملت الانتخابات التشريعية التي ستمهد لتركيز مؤسسات دائمة بعد فترة انتقالية امتدت على أكثر من ثلاث سنوات، العديد من المفاجآت أبرزها السقوط المدوي لأحزاب التحالف القديم( الترويكا) بقيادة النهضة ما يمهد عمليا لتغيير جذري في المشهد السياسي المقبل بتونس.

ويوضح الطالب نذير عبيد لـDW عربية من أن نفاد صبر التونسيين من الوعود وغياب أي تغيير ملموس على الأرض طيلة السنوات التي تلت انتخابات 2011 انعكست آليا على نتائج الانتخابات، مضيفا ان "الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية كانت السبب الأول في صدور النتائج على ذلك النحو". ويوضح عبيد "لم تخسر حركة النهضة الكثير من الأصوات لكن الخسارة الكبرى التي استثمرتها الأحزاب الفائزة تكبدتها الاحزاب الأخرى. وعموما كل الثورات تحتاج الى تضحيات قد تمتد إلى سنوات لكن التونسيين يفتقدون الى الصبر".

Tunesien Wahlergebnisse
أجواء الاقتراع في تونس يوم الأحد 26 اكتوبرصورة من: DW

تصويت عقابي

وأوضح المحلل السياسي والخبير في شؤون المغرب العربي رشيد خشانة في حديثه لـDW عربية بأن الذين اقترعوا لصالح "النهضة" في 2011 وعزفوا عنها اليوم مانحين أصواتهم لأحزاب منافسة لها، "كان دافعهم الأول خيبة الأمل من أدائها وحليفيها في الائتلاف الثلاثي الحاكم".

وأضاف خشانة "تكفي المقارنة بين النسبة التي حصدتها في انتخابات المجلس التأسيسي (37 في المئة) والنسبة الحالية (26 في المئة) لندرك أن هناك قطاعا واسعا من الناخبين غاضب من وعودها التي لم تتحقق على أرض الواقع على الرغم من بقائها في الحكم أكثر من سنتين من دون وجود منافس قوي يضاهي وزنها (كانت تسيطر على تسعين مقعدا من أصل 217)".

وحتى وقت قريب كان ينظر الى تجربة حكم الاسلاميين مع حزبين محسوبين على التيار العلماني سابقة في العالم العربي غير أنه لم يكن ممكنا تجاهل سخط قطاع واسع من التونسيين مع محاولات الدفع بنموذج مجتمعي مغاير، وهو أمر بدا ملموسا في اللباس وتعدد الجمعيات الدينية وسيطرة التيارات المتشددة على المساجد.

وفي بلد يعد رائدا في الحداثة بالمنطقة العربية منذ خمسينات القرن الماضي مع تأسيس دول الاستقلال وتحرير المرأة وتعميم برامج التعليم والصحة واصدار مجلة (قانون) الأحوال الشخصية وغيرها، فإنه لم يكن خافيا شعور الصدمة لدى شق واسع من التونسيين ازاء محاولات الدفع بنموذج مجتمعي مختلف سواء من قبل حركة النهضة الاسلامية او فصائل اسلامية أخرى أكثر تشددا.

Tunesien Wahlergebnisse
مكتب اقتراع في تونس العاصمةصورة من: DW

ويوضح خشانة "إن التجربة التي اعتبرها البعض رائدة في العالم العربي والتي دافعت عنها الإدارة الأمريكية بقوة بوصفها تحالفا ناجحا بين الإسلاميين والعلمانيين أظهرت محدوديتها إذ أنها سقطت في امتحان أول انتخابات حرة وشفافة في دول الربيع العربي".

ويرى مراقبون أن حركة النهضة دفعت بشكل خاص في صناديق الاقتراع ثمن التراخي في لجم الجماعات المتشددة ومظاهر العنف والإعتداءات التي سيطرت على المراحل الاولى من حكمها ضد المثقفين والاعلاميين لتتحول في وقت لاحق الى عمليات ارهابية منظمة ضد الأمن والجيش والسياسيين عبر الاغتيالات السياسية.

النهضة خسرت في مناطق الثورة

وعدا حضورها التقليدي في محافظات الجنوب التي تعرف بمجتمعاتها المحافظة وبميلها الى التدين، تعطي النتائج الجزئية للانتخابات دلالة واضحة عن أداء النهضة الانتخابي في معقل الثورة التي انطلقت منها الاحتجاجات ضد النظام السابق تحديدا في سيدي بوزيد والقصرين وقفصة والمناطق الفقيرة غرب البلاد اين تسجل نسب البطالة ارتفاعا قياسيا يتجاوز الاربعين بالمئة في بعض المناطق.

وتستند حالة السخط الاجتماعي المتفشية في تلك المناطق من غياب برامج التنمية والتشغيل وأي حلحلة للأوضاع الاقتصادية خلال فترة كانت مليئة بالوعود والانتظارات بعد الثورة وبعد انتخابات 2011.

وانعكست تلك الحالة على نسبة إقبال التونسيين على مراكز الاقتراع وعزوف الشباب بشكل عام حيث بلغت حدود 60 بالمائة من بين أكثر من خمسة ملايين مسجلين اراديا بينما يبلغ تعداد المؤهلين للتصويت ثمانية ملايين من بين قرابة 11 مليون نسمة.

Tunesien Wahlergebnisse
إيناس بكري وكرامة الجريبيصورة من: DW

وقالت ايناس بكري وهي استاذة جامعية في مراحلها الأولى من التعليم لـDW عربية "لم أمنح صوتي يوم الاقتراع وسلمت ورقة الاقتراع بيضاء لأني لا املك ادنى فكرة عن البرامج الانتخابية للأحزاب". وتضيف بكري "المهم بالنسبة للتونسيين ان تنجح الحكومة المقبلة في تغيير أوضاع البلاد إلى الأفضل".

ويوضح المحلل السياسي نور الدين المباركي لـDW عربية أن "نتائج الانتخابات في ملامحها العامة بتونس لم تكن مفاجئة، فأحزاب الائتلاف الحاكم التي حكمت بعد انتخابات 23 أكتوبر2011 تأثرت شعبيتها سلبا بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتداعيات العمليات الارهابية". ويضيف المباركي "يمكن القول أن عملية التصويت في هذه الانتخابات كانت بمثابة العقاب لهذه الأحزاب على أدائها في الحكم وتعاطيها مع الملفات الكبرى".

هل هي عودة النظام السابق؟

لكن إلى جانب تراجع النهضة، هل تطرح القوى الجديدة التي أفرزتها صناديق الاقتراع بديلا ناجعا لتطلعات التونسيين عموما. التحليلات تبدو متضاربة في هذا الاتجاه اذ تبدي الأحزاب الخاسرة ضمن التحالف القديم والتي اختفت تماما من المراكز الأولى واقتصر حضورها على هامش ضعيف من المقاعد داخل البرلمان من عودة قوية لأركان النظام السابق الذي يتموقع بعض رموزه في صفوف حركة نداء تونس.

وذهب الأمر بعدد من السياسيين ضمن أحزاب تعرف نفسها بحاملة "لواء الثورة" مثل النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو إلى حد الاعلان عن وقوع "فاجعة" في يوم الديمقراطية، بسبب النتائج غير المتوقعة للانتخابات التشريعية والسقوط المدوي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل من أجل العمل والحريات خاصة الشريكان في حكم الاسلاميين إلى جانب الأداء الضعيف للأحزاب الأخرى التي تدور في فلكها.

وبخلاف نداء تونس الذي يمثل حزبا جامعا لتيارات ليبرالية ويسارية ونقابية ورموز من النظام السابق، فعلى أرض الواقع أخفقت الأحزاب ذات الصلة الصريحة بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي في الوصول إلى مراكز متقدمة في الانتخابات، مثل الحركة الدستورية وحزب المبادرة وأحزاب أخرى صغيرة جاء أداءها ضعيفا وبعيدا عن انتظاراتها المعلنة في الحملات الانتخابية.

وفي تشبيه ساخر يوضح رشيد خشانة في تحليله لـDW عربية أن هذه الأحزاب التي لم تحصد سوى عدد ضئيل من المقاعد ينطبق على مصيرها عنوان كتاب ظريف للأديب الساخر عبد القادر المازني "قبض الريح".

وأضاف خشانة موضحا "لهذا الموقف دلالات مهمة سياسيا فرغم تبرم التونسيين من أداء الترويكا الذي جعل بعضهم يحن في الأحاديث العامة إلى العهد السابق، وخاصة بعد التهاب الأسعار، فإنهم في لحظة الإقتراع المصيرية استطاعوا أن يضبطوا اندفاعهم ويلجموا غضبهم واضعين أهداف الثورة التي كسرت قيودهم، نصب أعينهم. ومن هذه الزاوية شكلت الانتخابات البرلمانية التونسية لحظة متقدمة من الوعي السياسي ندر أن نجد مثيلا لها في البلاد العربية".

لكن مع نجاح الانتخابات بشهادة تقارير أغلب المراقبين المتابعين لها، فإن الصعوبة الكامنة التي تتصدر المرحلة المقبلة ترتبط بنوع الاجراءات العاجلة التي يتوقع اتخاذها من قبل الحكومة الجديدة. وتقول الشابة المدرسة كرامة الجريبي لـ DW عربية ان الأولوية تتجه في الوقت الحالي إلى تغيير صورة تونس التي تردت خلال الفترة الماضية وإعادة ترتيب العلاقات مع الخارج والعمل على جلب الاستثمارات. وتضيف الحريبي "ستكون فترة صعبة. لكن نحتاج الآن لاستعادة الثقة والعمل".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد