1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

البحث عن جذور الشر في"الشريط الأبيض"

١٨ ديسمبر ٢٠٠٩

يمكن اعتبار ميشائيل هانيكه مخرج 2009. بفيلمه "الشريط الأبيض" اكتسح جوائز السينما الأوروبية مقتنصاً ثلاثاً منها، مثلما حصد من قبل سعفة "كان" الذهبية. ما سر جاذبية هذا الفيلم؟ وهل هو فيلم نخبوي أم للجمهور العريض؟

https://p.dw.com/p/L8Pi
اكتسح المخرج النمساوي ميشائيل هانيكه (من مواليد 1942) سوق الجوائز هذا العام، وآخر الجوائز التي اقتنصها كانت في مسابقة الفيلم الأوروبي.صورة من: DPA

يبدأ "الشريط الأبيض" بعبارة يقولها معلم القرية التي تجري فيها أحداث الفيلم، وهي: "لا أعرف ما إذا كان كل ما سأحكيه يتطابق مع الحقيقة أم لا. كما أنني لا أتذكر على وجه الدقة أشياء كثيرة." منذ المشهد الأول إذن يغذي المعلم شكوك المشاهد ويجعله يتساءل حول صحة ما يراه. الراوي يعود بالمشاهد إلى عام1913، أي عشية الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد إلى قرية بروتستانتية صغيرة في ولاية مكلنبورغ - فوربومرن، حيث تحدث عدة حوادث غامضة فظيعة تهز القرية، فيتعرض طبيب القرية إلى حادث مدبر يودي بحياة حصانه ويلقي به في المستشفى لأيام طويلة. ثم تموت قروية على نحو غامض، كما يتعرض طفل البارون إلى الضرب، أما ابن القابلة المعاق فيتعرض للتشويه. من فعل هذه الأحداث الشنيعة؟ لا أحد يعرف.

الخوف يحفر في النفوس بعمق

Szenenbild aus dem Film Das weiße Band von Michael Haneke Flash-Galerie
القس (بوركهارد كلاوسنر) يربي أطفاله تربية صارمة تزرع الخوف عميقاً في نفوسهمصورة من: X Verleih AG

عن الصور المختلفة للعنف وعن أسباب نشأته يدور فيلم "الشريط الأبيض" للمخرج النمساوي ميشائيل هانيكه Michael Haneke الذي كثيراً ما طرح في أفلامه قضايا مشابهة. في "الشريط الأبيض" يطرح هانيكه تلك القضايا عبر ثلاث شخصيات رئيسية، هي شخصية البارون والطبيب والقس. البارون يعامل العاملين لديه معاملة ظالمة، والطبيب يعالج أطفال القرية وفي الوقت ذاته يهين القابلة التي تحبه وتعمل لديه كما أنه يغتصب ابنته القاصرة، أما القس فبدلاً من أن يكون بلسم رحمة، فإنه فيزرع في نفوس أطفاله الصغار الخوف من الخطيئة، ويعاقبهم بالضرب على ارتكاب أهون الأشياء، ويعلق على ملابسهم شريطاً أبيض رمزاً للعفة والنقاء وتجنب الرذيلة.

يعتقد معلم القرية، وهو راوي الفيلم، أن العنف الذي يتعرض له الأطفال يحفر عميقاً في نفوسهم، ويجعلهم يبحثون عن الأضعف لينتقموا منه، ويصل في النهاية إلى أن الأطفال هم الذين دبروا سلسلة الجرائم التي هزت أركان القرية. غير أنه لا يستطيع إثبات نظريته، بل يثير السخرية والاستهزاء والغضب لدى القس عندما يصارحه بذلك.

تشريح النفس البشرية

Szenenbild aus dem Film Das weiße Band von Michael Haneke
يرى النقاد في التربية السلطوية أساساً للإرهاب النازي الذي اندلع في ثلاثينات القرن العشرينصورة من: X Verleih AG

الفيلم مصور بالأبيض والأسود، وهو ما يجعل عديداً من مشاهده باردة، ثقيلة الوطأة على نفس المشاهد. ويعلل المخرج اختياره بأن صور تلك الحقبة من مطلع القرن العشرين راسخة في الوعي الجماعي بالأبيض والأسود. ويحمل الفيلم كافة سمات أسلوب هاينكه في الإخراج. وكما رأيناها في أفلام مشهورة حازت جوائز عديدة؛ مثل فيلم "عازفة البيانو" الذي يستند على رواية بنفس العنوان للكاتبة النمساوية إلفريده يلينك، أو فيلم "فيديو بيني" و"زمن الذئاب". في كل تلك الأفلام يقوم هانيكه البالغ من العمر سبعة وستين عاماً بتشريح النفس البشرية بكل ما تخبئه من شرور وآثام. وبفيلمه الأخير يحث هاينكه المتفرج على التأمل في قضايا مثل التربية التي تعتمد العنف والقمع، وعواقب تلك التربية التي رأى فيها البعض سبباً للإرهاب النازي في ألمانيا الذي اندلع في الثلاثينات، أي بعد نحو عشرين عاماً من زمن الفيلم، والذي أدى إلى نشوب نيران حرب عالمية أزهقت حياة نحو سبعين مليون من البشر.

دراسة مستمدة من الحياة

Filmstill Das weiße Band
تجري أحداث الفيلم في قرية بروتستانتية في شمال ألمانيا، غير أن المخرج يرى أنها يمكن أن تقع في أي مكان في العالمصورة من: picture-alliance/ dpa

لم يكن فيلم "الشريط الأبيض" من وحي خيال هانيكه. هذا ما يؤكده المخرج في حديث مع صحيفة "كولنر شتات أنتسايغر"، إذ يقول إنه قرأ تلالاً من الكتب التي تتناول الحياة وأساليب التربية في القرن التاسع عشر، ومنها استمد أحداث الفيلم؛ فالشريط الأبيض، مثلاً، كان أداة تربوية لتذكير الأطفال بأهمية السلوك المستقيم، أما غيابه فكان يمثل فضحية لهم. هانيكه يعتبر أن هدف الفيلم هو البحث عن جذور الشر والإرهاب في العالم، ولذلك فقد كان بإمكانه – يقول هانيكه – أن يصنع فيلماً مشابهاً تجري أحداثه في بلد إسلامي. النتيجة كانت ستكون بالطبع مختلفة، ولكن الفكرة الأساسية واحدة، مثلما يؤكد المخرج النمساوي.

"الشريط الأبيض" فيلم قاس وبارد ومقبض. ليس هذا فيلماً للجمهور العريض، ولا فيلم تسلية. إنه فيلم يدفع إلى التأمل العميق، يمتاز بروعة التصوير والإخراج، وبأداء تمثيلي مبدع، لاسيما الممثل بوركهارد كلاوسنر الذي برع في تأدية دور القس.

(س ج/ د ب أ، رويترز، د ف)

مراجعة: طارق أنكاي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات