1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الانفجار السكاني عدو التنمية

ابراهيم محمد١٧ يوليو ٢٠١٦

يضع النمو السكاني المنفلت أغلبية الدول العربية أمام حلقة مفرغة في غاية الخطورة. والسؤال هو كيف يمكن الخروج من هذه الحلقة التي تتفاقم فيها مشاكل الفقر والبطالة وتضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي في هذه الدول؟

https://p.dw.com/p/1JPgw
El Ghuri Komplex Kairo Menschen Bevölkerung
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Hackenberg

في مصر ودول عربية أخرى مثل العراق وسوريا والأردن والسعودية يتضاعف عدد السكان كل 20 إلى 25 سنة تقريبا. ففي بلاد النيل على سبيل المثال يقدر هذا العدد حاليا بأكثر من 91 مليون نسمة مقابل أقل من 35 مليون نسمة أواسط سبعينات القرن الماضي. وفي السعودية يزيد عدد السعوديين على 21 مليون نسمة حاليا مقابل 7 ملايين في عام 1974. أما في العراق يقارب عدد السكان حاليا 40 مليون مقابل أقل من 30 مليون نسمة عام 2007 حسب الجهاز المركزي العراقي للإحصاء. بالمقابل يحافظ عدد السكان في البلدان الصناعية والصاعدة المزدهرة على مستواه بسبب معدلات نمو بحدود 1 بالمائة أو أقل.

الانفجار السكاني يلتهم ثمار التنمية

يعد النمو السكاني الذي يتراوح بين 2 وأكثر من 3 بالمائة في أغلبية الدول العربية أبرز الأسباب التي تؤدي إلى انفجار سكاني غير منضبط، حيث لا يمكن استيعابه والسيطرة عليه من قبل أية حكومة كيفما كانت رشادة توجهاتها. وتكمن خطورته الأساسية في التهام ثمار معدلات النمو المتواضعة. كما يجبر الحكومات على إنفاق الاحتياطات واللجوء إلى مزيد من الاقتراض لتوفير متطلبات العيش الضرورية من أغذية وأدوية وألبسة للمواليد الجدد. وهو الأمر الذي يساهم في تفشي الفقر والبطالة والمعتقدات الخرافية وغياب الاستقرار السياسي والاجتماعي. كما يعيق تحديث وصيانة البنية التحتية والتعليمية التي لا يمكن بدونها الحديث عن تنمية مستدامة تكسر دوامة الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي. ومع تزايد النمو السكاني غير المنضبط يتزايد عدد الفقراء الذين يمثلون حاليا ما بين ثلث حتى نصف عدد سكان البلدان العربية، باستثناء البلدان النفطية التي لديها عدد قليل من السكان.

Lebensmittel Krise Ägypten Brot Verkauf in Kairo
أزمات متتابعة، هذا هو ثمن الانفجار السكاني.صورة من: AP

غياب الجرأة في طرح المشكلة

رغم خطورة مشكلة الانفجار السكاني وتبعاتها الكارثية يلفت النظر تهميشها وضعف مناقشتها في برامج الحكومات والنقاش العام وفي وسائل الإعلام في العالم العربي . كما يلفت النظر أيضا مواقف "التردد وغياب الجرأة لدى المسؤولين لدق ناقوس الخطر تجاه هذه المشكلة" حسب تعبير الخبير الاقتصادي ناجح العبيدي. ويعزي العبيدي ذلك إلى أسباب منها "العقلية السائدة لدى بعض قوى الإسلام السياسي المتنفذة التي تراهن لأٍسباب عقائدية أو ربما لحسابات سياسية وطائفية على استمرار نمو عدد السكان دون ضوابط". وفي حال ما تم طرح المشكلة للنقاش، فإن النقاش يتمحور على مقولات التقاليد الاجتماعية الموروثة في مجتمعات متدينة ومحافظة لا تسمح بتحديد النسل. ومن خلال ذلك ينظر إلى الزواج وكثرة الإنجاب، لاسيما من طرف الذكور نظرة مقدسة مدعومة بأحاديث وآيات دينية. ومن أشهرها آية سورة الكهف القرآنية التي تقول بأن "المال والبنون زينة الحياة الدنيا". ويتم إبراز العامل الديني في النقاش على حساب الطرح الموضوعي للمشكلة في السياق التاريخي للتقاليد المذكورة والتي تعود إلى مجتمع القبيلة الذي لعب فيه الذكور الدور المحوري على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

Anti-Terror-Konferenz in Kairo zu Religion und Extremismus 03.12.2014
مؤسسات دينية ترفض تحديد النسلصورة من: AFP/Getty Images/K.Desouki

تجربة تونسية مضيئة

ومع الإقرار بالدور القوي للتقاليد والمعتقدات الدينية التي تدافع عنها مؤسسات وشخصيات دينية ترفض أيضا فكرة استخدام وسائل منع الحمل والحد من الإنجاب، فإن تجارب دول ذات مجتمعات متدينة ومحافظة مثل تونس أظهرت إمكانية التغلب على تأثير الموروث الاجتماعي والديني من خلال نهج سياسة اقتصادية واجتماعية يتم تنفيذها بهدوء ونفس طويل للحد من الانفجار السكاني. وتعتمد هذه السياسة في نجاحها على عوامل عديدة من أبرزها توفير التعليم والعمل والتوعية ووسائل منع الحمل على أساس المساواة في الحقوق أمام القانون وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة.

وتعود هذه السياسة إلى أيام عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وخاصة في ستينات وسبعينات القرن الماضي. ففي ذلك العهد تم اعتماد سياسة ليبرالية منعت تعدد الزوجات وقدمت حوافز للعائلات التي تحد من النسل في سوق العمل. وقد ترتب على ذلك صدامات مع قوى دينية رافضة لسياسة تحديد النسل منطلقة من أن تعاليم القرآن تمنع ذلك. وقد واجه بورقيبة تلك القوى من خلال منع أنشطتها التحريضية ضد سياسته في الجامعات ووسائل الإعلام. وبفضل هذه السياسة تراجع النمو السكاني هناك إلى 1 بالمائة سنويا بعدما كان بحدود 2.5 بالمائة في سبعينات القرن الماضي. وهكذا فإن عدد سكان تونس الذي يقدر حاليا بنحو 11 مليون نسمة لم يتضاعف سوى مرة واحدة منذ أواسط سبعينات القرن الماضي حيث كان بحدود 5.6 مليون نسمة. وقد أدى هذا النمو البطيء إلى تحسين مستوى المعيشة والقضاء على الفقر من خلال ضمان الحد الأدنى لمتطلبات العيش. وهو الأمر الذي جعل من تونس حتى عهد قريب مثالا يحتذى به للتنمية الاقتصادية والضمان الاجتماعي للفئات الفقيرة على الصعيد العربي.

DW Akademie Tunesien
التعليم والتأهيل يعزز فرصة المرأة في العمل والحد من الانجاب.صورة من: DW Akademie

الحل في تعليم المرأة وتوفير العمل لها

وإذا ما أمعن المرء في تفاصيل جميع السياسات الناجحة التي أثمرت نموا سكانيا يمكن استيعابه لخدمة تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة يلاحظ أن ضمان حق المرأة في التعليم والعمل يشكلان "مفتاح الحل لمشكلة الانفجار السكاني في المجتمعات العربية وغيرها" على حد تعبير الخبير العبيدي. فمن خلال ذلك "يمكننا تحريرها من التبعية الاقتصادية للرجل ولعائلتها". وهو الأمر الذي يمكنها من اختيار شريك الحياة المناسب في السن الذي ترغب به بعد الانتهاء من التأهيل المهني والحصول على عمل. ومما يعنيه ذلك تخليصها من الزواج المبكر والقسري المتفشي في الدول العربية قبل سن الثامنة العشرة. ومن تبعات هذا الزواج كثرة الإنجاب وارتفاع معدلات الأمية والفقر بسبب عدم قدرة العائلات على تحمل أعباء التربية والمدرسة.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد