1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الاتجار بالأعضاء البشرية فاتورة يدفعها الفقراء

غوردون هايزه/ علي المخلافي١ يونيو ٢٠١٣

يفتقر كثيرون في العالم إلى متبرع بكليته لإنقاذ حياتهم، وفيما يطالب خبراء بالسماح بتنظيم الاتجار بالأعضاء البشرية لإنقاذ الأرواح، يطالب آخرون بالحد من استغلال عوز الفقراء إلى المال وحاجة المرضى إلى العلاج في هذه التجارة.

https://p.dw.com/p/18h71
صورة من: picture-alliance/dpa

فيرو طفل عمره 13 عاماً يعيش في قرية صغيرة في الهند، على مسيرة ثلاث ساعات بالسيارة إلى الجنوب من مدينة دلهي، حيثيسهل تشغيل الأطفال واستغلالهم. فيرو يحصل شهرياً على 2500 روبية، أي حوالي 38 يورو فقط، من عمله في مصنع للحقائب اليدوية ويجب عليه تركيب 200 حقيبة في اليوم الواحد وإلا فإنه سيقع في ورطة مع صاحب المصنع.

يقول فيرو: "حين أكبر سأصبح غنياً، فأنا أنوي بيع إحدى كليتيّ وعندها لن يكون علي العمل من جديد في هذا المكان"، فوالده، الذي لم يره فيرو منذ أربع سنوات، فعل الشيء ذاته. ويعتقد هذا الطفل بذلك خصوصاً بعد انتشار أخبار في الأحياء الفقيرة للمدن الهندية الكبيرة بأن التبرع بالأعضاء هي طريقة جيدة للتخلص من الفقر. تكلفة الكلية الواحدة في السوق السوداء الهندية 55 ألف روبية، أي حوالي 800 يورو فقط، وهذه بمثابة ثروة لكثير من الهنود الفقراء.

ورغم أن الدولة في الهند حظرت تجارة الأعضاء البشرية وقامت قبل بضع سنوات بزيادة عقوبة ذلك من سنتين إلى خمس سنوات سجن، إلا أن هذه العقوبة قلّما تكون رادعة لتجّار الأعضاء البشرية.  فهذا العمل مربح جدا لهم، كما أن احتمال إلقاء القبض عليهم ليس كبيراً، وخصوصاً أن كل ما على المانح لعضو من جسده في الهند هو أن يصرّح بأنه صديق للمتلقي وأن المال الذي يحصل عليه هو مجرد هدية. وبهذا فإن الاستجواب الذي تقوم به أية لجنة حكومية رسمية في الهند حول دوافع التبرع يكون عادةً مجرد مهزلة.

سياحة زرع الأعضاء

وبالفعل فقد أشارت خبيرة الأنثروبولوجيا نانسي شيبر في مجلة "لانسيت" الطبية المتخصصة الصادرة عام 2003 إلى أن سياحة زرع الأعضاء في البلدان الفقيرة باتت تتطور إلى عامل اقتصادي حقيقي، وبيّنت أنّ اتجاه المانح والمتلقي للأعضاء البشرية يكون دائماً وفي كل مكان في الاتجاه ذاته، أي: من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، ومن الفقراء إلى الأغنياء، ومن البشر الداكني لون البشرة إلى البشر ذوي البشرة الأكثر بياضاً.فتكلفة الكلية الهندية أو الإفريقية حوالي 1000 دولار، وتكلفة الكلية الرومانية أو المولدافية 2700 دولار، وتكلفة الكلية التركية تصل إلى 10 آلاف دولار، في حين يربح تجار الكلى في الولايات المتحدة ثلاثين ألف دولار في الصفقة الواحد وأحياناً يتضاعف هذا المبلغ المالي عشر مرات.

Symbolbild Transplantation Organspende-Kontrolle
الأطباء في كل أنحاء العالم يزرعون الأعضاء البشرية لمرضاهم حتى ولو كان مصدرها هو تجارة الأعضاء البشريةصورة من: picture-alliance/dpa

سوق واسعة ضحاياها الفقراء

في عام 2011، تم زرع حوالي 110 ألف عضو بشري في جميع أنحاء العالم، منها 76 ألفاً من الكلى، كما يفيد بذلك الطبيب لوك نويل، أحد المسؤولين عن سلامة زرع الأعضاء البشرية في منظمة الصحة العالمية، في حديث لـ DW.

ويضيف نويل: "منذ عام 2006، انخفض عدد عمليات زرع الأعضاء غير القانونية بشكل واضح، فمنذ ذلك الحين شرَّعت الكثير من البلدان قوانين خاصة بهذا الشأن". لكن في بلدان أخرى مثل مصر وباكستان، انتقلت هذه التجارة بشكل كامل للسوق السوداء. ويقول: "وفق تقديراتنا فإن عمليات زرع الأعضاء البشرية المدفوعة الثمن خارج إطار المؤسسات الرسمية تمثل عشرة في المئة من جميع عمليات زرع الأعضاء".

تجارة الأعضاء البشرية واستغلال عديمي الضمير لآمال المرضى وليأس الفقراء مازالت تشكل صفقات بمليارات الدولارات. ووفقاً دراسات منظمة "مراقبة الأعضاء البشرية" Organs Watchفإن متوسط أعمار المتلقين للأعضاء البشرية، مثلاً في الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وأستراليا، يقارب الـ 48 عاماً، ويبلغ متوسط دخلهم المادي 53 ألف دولار سنوياً. وفي المقابل يقترب متوسط أعمار المانحين لأعضائهم البشرية، وهم مثلاً من الهند والصين والبرازيل ومولدافيا، من 29 عاماً، ولا يتجاوز متوسط  دخلهم السنوي 480 دولاراً.

ويقوم الأطباء بعمليات نقل الأعضاء في أي مكان لا توجد فيه رقابة كبيرة. وإذا ما أغلق أحد المشافي الباب في وجههم سيذهبون إلى دولة أخرى. والآن أكثر العيادات المحبوبة لإجراء هذه العمليات موجودة في قبرص وكازخستان.

وفي ألمانيا، تتم معاقبة من يقوم بعمليات نقل أعضاء بشكل غير قانوني بالحبس لمدة قد تصل إلى خمس سنوات. ويوقع العقاب حتى في حال إتمام العملية الجراحية خارج ألمانيا.

Spenderniere während Transplantation
كلية أحد المتبرعين أثناء تحضيرها للزرع في جسد أحد المرضى في ألمانياصورة من: picture-alliance/dpa

التبرع بالأعضاء في ألمانيا

ينتظر حالياً حوالي  8 آلاف مريض في ألمانيا للحصول على كلية جديدة. ويتم تنظيم إجراءات التبرع بالكلى في ألمانيا وفي ستة بلدان أوروبية أخرى، عبر مؤسسة زرع الأعضاء الأوروبية ومقرها في هولندا. ووتقوم المنظمة بإنشاء قوائم انتظار وقاعدة بيانات حاسوبية بالحالات الطبية للمرضى المحتاجين إلى عضو بشري بديل. وحين تتوفر، مثلاً، كلية من أحد المتبرعين يتم البحث في قاعدة بيانات الكمبيوتر عن المريض المناسب طبياً لتلقي هذه الكلية.

الدول الأعضاء في هذه المنظمة، بالإضافة إلى ألمانيا، هي النمسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وكرواتيا وسلوفينيا. والتعاون بين هذه الدول القريب بعضها من بعض هو تعاون جيد جداً وذلك أمر هام لأن نجاح عملية زرع العضو البشري يعتمد على مدى سرعة وصوله من المتبرع إلى المتلقي. ويوضح لوك نويل أن التعاون الناجح في هذا المجال عبر حدود هذه البلدان لم يكن وراءه السياسيون بل الأطباء الذين اكتشفوا أن احتمال العثور على العضو المناسب للمريض المناسب لا يكون عالياً إلا إذا توفرت قاعدة بيانات كبيرة لهذه الأعضاء يمكن الانتقاء منها.

ما الأفضل: السماح بتنظيم الاتجار بالأعضاء أم منعه؟

وفقا لبعض الخبراء، فإنه ينبغي أن يكون في جميع أنحاء العالم المزيد من المتبرعين الأحياء، فحتى إن صرّح جميع سكان ألمانيا بأنهم على استعداد للتبرع بأعضائهم بعد وفاتهم فسيكون ما زال هناك فجوة وطلب على الأعضاء البشرية. ومن هنا يطالب بعض الخبراء في مجال الصحة والاقتصاد المشرّعين والسياسيين في ألمانيا بالسماح بتنظيم تجارة الأعضاء في البلاد،  مثل فريدريش باير، من جامعة كونستانس، والذي يعلل ذلك بأن وجود سوق حرة متخصصة في هذا الشأن سيخلق فرص عمل وسيسهم أيضاً في إنقاذ أرواح الناس، بل ويرى أن هذا واجب أخلاقي.

في حين يرى البعض الآخر من الخبراء مثل غونتر كيرسته، أحد أعضاء مجلس إدارة مؤسسة زراعة الأعضاء في ألمانيا سابقا، يرى أن الاتجار بالأعضاء البشرية هو شكل خطير جداً من أشكال استغلال الفقراء، وخاصة في العالم الثالث، موضحاً أن الآلاف من الناس في باكستان أو الفلبين تبرعوا بأعضائهم لكنهم باتوا في حالة بائسة يُرثى لها.

أما الصبي الهندي فيرو الذي يعمل في تركيب الحقائب اليدوية  فما زال يحلم ببيع كليته ويقول: "أريد أن أبني بالمال الذي سأستلمه منزلاً"، وهو لا يعرف أن هذا الحلم غير واقعي، بل وقد يهدد حياته بالخطر.