1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"اتفاق أوسلو مازال حياً لكنه داخل غرفة الإنعاش"

هشام العدم ١٣ سبتمبر ٢٠٠٨

في الذكرى 15 لاتفاق أوسلو لا تزال الآمال بحل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مجرد حلم ضاع في دهاليز السياسات الدولية والأجندات الإقليمية وتاه في معمعة العنف. موقعنا استطلع آراء بعض السياسيين والمراقبين حول إرث أوسلو.

https://p.dw.com/p/FHHN
مصافحة تاريخية مازالت تنتظر نتائجها التاريخية!صورة من: AP

في مثل هذا اليوم، في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول 1993، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في حديقة البيت الأبيض في واشنطن إعلانا للمبادئ، حمل اسم "اتفاق أوسلو"، جاء التوصل إليه بعد مخاض طويل من المفاوضات الماراثونية والسرية في العاصمة النرويجية. وقد وقع هذا الاتفاق عن الجانب الفلسطيني رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات، وعن الجانب الإسرائيلي، رئيس الوزراء إسحاق رابين.

اتفاق أوسلو اعتبر نقطة تحول تاريخية ومنعطفا مهما في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كان من المتوقع أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. فبعد عشرات السنوات من عدم الاعتراف المتبادل وإنكار الحق بوجود الآخر اعترف طرفا الصراع ببعضهما بعضا. كما أن هذا التطور شكل نقطة تحول سياسية مهدت الطريق لفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة والوصول إلى حل سلمي عادل وشامل لـ"أم الصراعات الشرق أوسطية".

ولكن وبعد مرور خمسة عشر عاماً على توقيع الاتفاق يتساءل المرء عما حققه هذا الاتفاق وإلى أين انتهى؟ ألم يكن من المفترض أن يغير هذا الاتفاق طبيعة العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين؟

"اتفاق أوسلو في غرفة الإنعاش"

Dschibril Radschub
اللواء جبريل الرجوب، عضو المجلس الثوري لحركة فتح ومستشار الأمن القومي للرئيس الراحل عرفات وخليفته عباسصورة من: AP

اللواء جبريل الرجوب، عضو المجلس الثوري لحركة فتح ومستشار الأمن القومي للرئيس الراحل عرفات وخليفته عباس، يرى في حديثه لموقعنا أن اتفاق أوسلو "مازال حيا غير أنه دخل في غرفة الإنعاش بسبب السياسات الإسرائيلية المتمثلة بالتوسع الاستيطاني وسياسة الاعتقالات والإغلاقات والتنصل من المراحل الاستحقاقية لاتفاق أوسلو". في حين رأت الباحثة في معهد دراسات السلام والأبحاث الأمنية في جامعة هامبورغ، مارجريت يوهانسن، في حديثها لموقعنا أن اتفاق أوسلو "لم يحقق شيئا على أرض الواقع؛ فالاحتلال مازال موجودا والفساد على الجانب الفلسطيني قد استشرى والكراهية بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي قد زادت".

غير أن الرجوب أشار في الوقت ذاته إلى ثغرات في طبيعة نصوص صياغة اتفاقية أوسلو، التي اتسمت ـ على حد قوله ـ بالعمومية وخاصة فيما يتعلق بمسألة الاستيطان، الأمر الذي أتاح للجانب الإسرائيلي استغلال هذه الثغرات لتكريس التوسع الاستيطاني، الذي يلقى معارضة دولية واسعة، حسب تعبير المسؤول الفلسطيني. وتتفق الباحثة يوهانسن مع هذا الرأي، حيث أكدت أن "غياب نصوص صريحة في اتفاقية أوسلو فيما يتعلق بومضوع الاستيطان أتاح استمرار النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية ". أما الصحافي الإسرائيلي والمعلق السياسي لصحيفة "هآرتس" عكيفا ألدار فقد أشار في رده على سؤال لموقعنا بهذا الخصوص إلى أن "التعقيدات التي طالت عملية السلام وخاصة في ظل زيادة النشاط الاستيطاني الإسرائيلي قد جعلت من اتفاق أوسلو مجرد أفكار نظرية لا ترقى إلى التطبيق".

واقعية اتفاق سلام منظور؟

Yitzhak Rabin
رابين دفع حياته ثمنا لتوقيعه اتفاقية السلامصورة من: AP

وفي رده على سؤالنا حول قدرة توصل الرئيس الفلسطيني عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، إلى اتفاق سلام مع نهاية هذا العام، أعرب الرجوب عن تشاؤمه إزاء هذا الأمر، مؤكدا أن الحكومة الإسرائيلية لا تعمل مع الجانب الفلسطيني "كشريك حقيقي في العملية السياسية". ومن جهته شاطر الصحفي الإسرائيلي الرجوب هذه النظرة، موضحا أن هذا الأمر "مجرد أحلام في ظل غياب إرادة سياسية إسرائيلية حقيقية تسعى إلى تسوية شاملة". غير أن الصحفي الإسرائيلي أشار في الوقت ذاته إلى وجود قوى في الجانب الفلسطيني غير معنية بعملية السلام كحركة حماس، التي لا تعترف بإسرائيل وكذلك إقليميا هناك حزب الله الذي لا تخدم مصالحه أي تسوية سلمية في المنطقة.

أما الباحثة يوهانسن فقد رأت أن "التشكك والريبة" من قبل طرفي الصراع إزاء الآخر قد ألقى بظلال سلبية على هذا الاتفاق. كما رأت في قراءتها النقدية لإرث أوسلو أن مثل هذه الظروف وغياب نتائج ملموسة على الأرض شكلت "تربة خصبة" لازدياد نفوذ حركة حماس على سبيل المثال وتشجيعها على القيام بعمليات انتحارية داخل الأراضي الإسرائيلية، وهو ما حوّل مبدأ المفاوضات إلى "سلام مقابل وقف الإرهاب بدلا من سلام مقابل سلام".

"غياب التكافؤ بين طرفي الصراع"

Israelische Siedlung in Ost-Jerusalem
الاستيطان يشكل عائقا أمام عملية السلامصورة من: AP

وعلى الرغم من أن اتفاق أوسلو "كان فكرة صحيحة وجوهره قيام دولة فلسطينية مستقلة بوصف ذلك أحد أكبر إيجابيات هذا الاتفاق"، كما أوضح الرجوب، إلاّ أن المجتمع الدولي ما يزال ـ في رأي الرجوب ـ يتلكأ في دعم هذه الرؤية بكل جدية وفعالية. صحيح أن هناك مبادرات دولية تهدف إلى تحقيق هذه الرؤية من خلال خارطة الطريق ومؤتمر أنابوليس واللجنة الرباعية، إلا أن الجانب الفلسطيني يفتقد إلى "مظلة قوية" تدفع نحو تحقيق هذه الاستحقاقات الطبيعية لاتفاق أوسلو، على حد تعبير المسؤول الفلسطيني.

وفي هذا السياق بيّنت يوهانسن أن "غياب التكافؤ في موازين القوى" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي جعل من التوصل إلى اتفاق سلام شامل أمرا شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية. ورأت أيضا أن "الحل القائم على أساس دولتين فقد الأرضيّة التي قام عليها" من خلال مواصلة الاحتلال من الجانب الإسرائيلي واستمرار العنف من الجانبين.

أين الاتحاد الأوروبي من استحقاقات أوسلو؟

لم تكن عملية السلام الشرق أوسطية واتفاقية أوسلو بعيدة عن أروقة صناع السياسة الأوروبية، لاسيما في ظل شعور دول الاتحاد الأوروبي بقلق كبير من خطر انفجار الأوضاع في المنطقة وانعكاسات ذلك إقليميا ودوليا. من هنا سعى الاتحاد الأوروبي إلى بذل جهود لدعم عملية السلام. غير أن هذه الجهود لم يكتب لها أن تؤتي ثمارها بما هو مرجو بسبب "غياب سياسة أوروبية موحدة تجاه الشرق الأوسط وتضارب المصالح بين الدول الأعضاء"، كما قال الصحفي الإسرائيلي ألدار. أما يوهانسن فأوضحت أن "عدم قدرة الأوروبيين على منح إسرائيل ضمانات أمنية تتعلق بوجودها ومستقبلها مقارنة بالأمريكيين" تضاف إلى معوقات أي دور أوروبي فاعل في الصراع الشرق الأوسطي.

من ناحيته أوضح الرجوب أن الدور الأوروبي في المنطقة يصطدم "برفض إسرائيلي كبير وبرغبة أمريكية بالتفرد في هذا الملف". ولذا طالب المسئول الفلسطيني السابق الاتحاد الأوروبي بألاّ يقتصر دوره على "تقديم المساعدات المالية، بل بأن يتحول إلى قوة سياسية فاعلة قادرة على التدخل والتحرك واتخاذ المواقف بعيدا عن الفلك الأمريكي".

وفي ضوء هذا فإن تقييما موضوعيا لاتفاق أوسلو يظل صعبا، إذ إن الحكم بنجاحه أو فشله يختلف وفق المعطيات والمتغيرات وموازين القوى التي تحرك هذا الصراع وتغذيه ووفق الظروف الإقليمية والدولية التي ولد في إطارها الاتفاق. ولكن ما تبقى من إرث أوسلو يتمثل في أن هذا الاتفاق ضمن اعترافاً إسرائيلياً رسمياً بالشعب الفلسطيني وبحقوقه الشرعية، حيث لم تعد قضيته تُختزل في إطار قضية لاجئين. كما أعطى إسرائيل اعترافا بأحقيتها في الوجود في هذه المنطقة ضمن حدود دولية معترف مقر بها.