عربيات في ألمانيا يواجهن التحديات ويحققن أحلامهن
٢٩ أكتوبر ٢٠١٦موثقة للتراث المطبخي
باريش سورية ذات ٣٥ ربيع تعيش في فرانكفورت. أتت إلى ألمانيا للعمل كمصرفية، لكن ظروف الحرب منعتها من العودة فأصبحت لاجئة. وسرعان ما شعرت أنها تفتقد الالتفاف حول المائدة وسط الأهل، كما تفتقد مذاق الوجبات السورية. وقررت أن تقوم بمبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث أنشأت مجموعة "مطبخ غربة"، الذي يجمع وصفات للطبخ من السوريين الذين يعيشون في كل أنحاء العالم. ووصل عدد المشاركين في المجموعة بالوصفات والطبخات إلى أكثر من 6 آلاف شخص، كما أصبحت باريش الآن معروفة بين أوساط السوريين بـ"طباخة الغربة".
وفي طريقها الطويل نحو توثيق الوصفات السورية، بدأت باريش أولى خطواتها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنشر الوصفات مع القصص التي يرويها الناس عن تلك الأطباق السورية، محاولة أن تثبت للجميع أن الطبخ وسيلة للتعبير. "اللاجئات في مراكز اللجوء هنا لا يستطعن الطبخ لأكثر من سنة، وهن يفتقدن طعم ورائحة بيوتهن وقصصهن التي يروونها عن الطعام وهذا ما أحاول توثيقه". لا تعتبر باريش الطبخ مجرد وسيلة لإشباع الجوع أو تناول ما لذ وطاب من مأكولات، لكنها تسميها "الذاكرة المطبخية"، وتوضح: "إن ذاكرتنا تحتاج إلى تعبير عاطفي وفني عما يدور داخلها وكثير من النساء السوريات لا يعرفن اللغة ولا البلد، لا يعرفن إلا مطبخهن، و تلك الذاكرة يجب أن توثق".
باريش التي عملت بترجمة الأدب أحيانا ترى أنه لا يمكن ترجمة صفحة فيسبوك مليئة بصور وحكايات الطبخ فعليها إقناع المملوين بمشروعها باللغة العربية. ورغم أنها هي نفسها تتخطى حاجز اللغة، إلا أنها ما زالت تعاني حياة أقل اجتماعية مما اعتادت عليه في الوطن وروتينا أصبح "حكاية يومية مملة" كما تصفه وعائقا صعبا أمام إكمال مشوارها في النجاح. تحاول باريش الآن جمع شتات السوريين المشتاقين إلى مشاركة الطعام، و تنوي طباعة كتاب يحتوى على قصص الوصفات، فتكون جمعت بين الثقافة و الفن والمطبخ.
متمردة بالخيال على أرض الواقع
هبة أمين فنانة بصرية مصرية ومحاضرة في جامعة برلين للعلوم التطبيقية وجامعة بارد الأمريكية في برلين، تهتم بكسر الصور النمطية التقليدية، فتخرج دائما إلى المناطق غير المألوفة. تعشق أمين التجريب في الفن بكل أشكاله، وشاركت بأحد أفلامها القصيرة هو "حينما تحلق الطيور" على هامش مهرجان برلين السينمائي.
ومن ضمن تجاربها المتمردة في الفن، كانت تجربة اختراق مسلسل، فقد قامت أمين مع فنانين آخرين هما الألماني دون كارل والمصري كرم كاب باختراق ديكور مسلسل "هوم لاند" أو "الوطن" الأمريكي الشهير أثناء تصوير إحدى حلقاته في برلين، ورسم الفنانون على ديكور المسلسل جملة "الوطن بطيخ"، ساخرين من المسلسل والصورة التي يقدمها عن العرب. وتوضح أمين ما دفعهم للقيام بذلك قائلة: "ينشرون صورا نمطية مغلوطة عن العرب و اللاجئين، و كان على أحد أن يجعلهم يشعرون أنهم على خطأ".
"الوطن بطيخ" جملة انتشرت بعد ذلك، ووتناقلتها وسائل الإعلام الكبرى والبرامج الأمريكية الساخرة وما زال الحديث عنها مستمرا في الأوساط الفنية والثقافية، حيث فتحت نقاشا مجتمعيا مهما حول العنصرية ضد العرب في بعض المجتمعات الغربية. وهذا ما تراه أمين نجاحا: "أنا أعمل على الفن السياسي ونجاحي الحقيقي هو فتح الحوارات لأن الحوار طريق لحل مشكلاتنا."
وعن التحديات التي تواجهها أمين ببرلين تقول: "علاقتي مع المدينة علاقة حب وكره، أحبها لأنها منحتني حرية في التعبير عن نفسي و فرصة للتعرف على مجتمع فني، لكنني أكره وضعي في قالب وهو ما حدث بعد الثورة المصرية فأنا فنانة والتحرر من القوالب مهم بالنسبة لي ".
حجاب ممنوع في تونس..مسموح في ألمانيا
ومن شرق المنطقة العربية ووسطها ننتقل إلى امرأة من مغربه، هي التونسية كوثر التابعي. جاءت إلى ألمانيا منذ ما يزيد عن عشرين عاما لتعيش في ميونخ.
تعتبر نفسها من المحظوظين، فلم تواجه عقبات مادية حيث جاءت بمنحة للدراسة وبالرغم من اختلافها في المظهر -حيث كانت ترتدي الحجاب آنذاك- إلا أنها شعرت بالترحيب من المجتمع الجديد وهي تصف تلك الفترة بالجميلة من حياتها. "أتيت لكي أدرس وأمارس ديني بحرية، ذلك كان هدفي"، موضحة أنها ارتدت الحجاب في ألمانيا "عندما كان ممنوعاً في تونس"، لتختصر بذلك كيف منحتها ألمانيا الحرية. وامتدت هذه الحرية لتشمل مجالات أخرى وتمنحها فرصة للتفكير فيما كانت متأثرة به، وتوضح: "جئت متأثرة بالتيار الإسلامي وكنت أفكر بطريقة - الإسلام هو الحل- بعد سنوات من التفكير والبحث، عرفت أن الإسلام دين فقط و ليس حلا."
وتكمل التابعي: "لقد منحتني ألمانيا فرصا كثيرة أهمها تطوير ذاتي"، وترى أن علاقتها بالمجتمع الألماني وحياتها في مدينة مفتوحة مثل ميونخ ساهمت كثيراً في هذا التطوير. نشأت التابعي في بيت أدبي، حيث كان والدها كاتبا، لكن دراستها لهندسة الكمبيوتر أبعدتها قليلا عن هذا المجال، فناضلت كي توفر بعض الوقت لتعود إلى منطقتها المحببة في الكتابة. وهي الآن تقوم بالكثير من الأنشطة الثقافية آخرها مبارزة أدبية تحت سماء ميونيخ في إطار مبارزات أدبية مع الشاعرة التونسية نجاة العدواني. وتهتم بشكل خاص بقضايا المرأة، حيث قامت في أكتوبر/تشرين الأول الجاري بقراءة أدبية تبعتها مناقشة حول "النظرة إلى المرأة".
ولا تقتصر حياة التابعي الأدبية على اللغة العربية التي تعشقها، لكنها أصبحت أيضاً تكتب بالألمانية: "نمت علاقتي باللغة الألمانية فأصبحت أكتب بها رغم أني لم أكن أتصور ذلك لأن علاقتي باللغة العربية عميقة جدا وعلاقتي بوطني الأم وطيدة". صدر للتابعي كتاب باللغة العربية وكتابين باللغة الألمانية هما ثورة الياسمين من تونس إلى أوروبا عام 2014 وحياة المرأة التونسية الذي صدر عام 2004 وكلاهما من القصص القصيرة التي كتبتها متأثرة بتجربتها الذاتية في التطور والتغير إلى ما هي عليه الآن.