1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

باد غودسبيرغ... قصة حي ألماني بصبغة عربية

أ.ع١٢ سبتمبر ٢٠١٦

باد غودسبيرغ أحد أحياء عاصمة ألمانيا السابقة بون وكان يغص بالهيئات الدبلوماسية. اليوم تحول الحي إلى تجمع يقصده المهاجرون واللاجئون العرب ليجعلوا منه وجهاً عربياً للمدينة. كيف يتقبل الألمان والعرب هذا التنوع الثقافي؟

https://p.dw.com/p/1JtjI
Bilder aus Bonn Bad Godesberg
صورة من: DW/A.Alojayli

أصواتُ أناسٍ تتعالى وهم يلعبون "طاولة الزهر" اللعبة المشهورة، وعلى بعد أمتارٍ قليلةٍ مطعمٌ تفوح من مطبخه روائح المأكولات العربية، وزبائنٌ جلسوا إلى طاولاتٍ يرتشفون أكواب الشاي. منقّباتٌ بزيّهنّ الأسود وأخريات بملامح عربية محجّبات أو غير محجّبات. رجالٌ بلباسهم العربي التقليدي، وآخرون ارتدوا الجينز أو ملابس الصيف. محالٌ تجاريةٌ رفعت لافتاتٍ كُتبت باللغة العربية؛ في مشهدٍ يُشعرك لوهلة أنك في مدينة عربيةٍ، إلى أنْ ترى من بعيد فتاةً شقراء تقود دراجتها الهوائية فتتنبه من جديد إلى أنّك في ألمانيا، وفي حي باد غودسبيرغ بمدينة بون.

مقاهي الشيشة...أجواءٌ شرقيّة وأمورٌ أخرى

تنتشر داخل باد غودسبيرغ كثيرٌ من المطاعم العربية، تُقدّم المأكولات العربية، إضافةً إلى مقاهي الشيشة التي تغصّ باللاجئين العرب. سامان أبوداليا صاحب أحد المقاهي، حدّثنا عن سبب إقبال اللاجئين على هذا الحي، قال: "وجود المحلات العربية يوفّر للمهاجرين احتياجاتهم التي لا تتوفر في المحلات الأخرى، ومن جهة أخرى يُعطي طابعاً شرقياً للمكان يُسهم بزيادة إقبال السائحين على المنطقة".

Bilder aus Bonn Bad Godesberg
تنتشر داخل حي باد غودسبيرغ كثيرٌ من المطاعم العربيةصورة من: DW/A.Alojayli

وهنا تحديداً يكمن السبب وراء إقبال اللاجئين على هذا الحي. أبو سفيان لاجئ سوري حصل أطفاله وزوجته على الإقامة، بينما مازال هو ينتظر البت في طلب لجوئه منذ أكثر من سنة. عن سبب قدومه إلى هذا الحي قال: "أتسوق وأشتري المأكولات التي اعتدنا عليها في بلادنا، كما أقوم بترجمة أوراقي ومتابعة شؤوني عن طريق المترجمين العرب هنا".

صادف تجوّلنا داخل الحي وجود الشرطة الألمانية وهي تفتّش إحدى المقاهي بحثاً عن مطلوبين، كما قالت لنا. وحسب تعليقات الحضور فإنّ هذه الظاهرة ليست الأولى من نوعها، وهناك مخاوف من انعكاسات مثل هذه الظواهر على أوضاعهم كلاجئين.

وعن واقع حي باد غودسبيرغ تحديداً تحدّثت سيّدة ألمانية رفضت ذكر اسمها: "لقد تغيّر حي باد غودسبيرغ كثيراً منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وعلى الرغم من أنّ تنوّع الثقافات مهمٌ جدا،ً إلا أنّ الأمر قد ينعكس سلباً في بعض الأحيان". في إشارةٍ منها إلى مشاكل بدأت تظهر داخل الحي، مما يؤثّر على باقي أفراد الجالية العربية.

Bilder aus Bonn Bad Godesberg
عناصر من الشرطة أثناء تفتيش إحدى المقاهي العربية في حي باد غودسبيرغصورة من: DW/A.Alojayli

الجدل حول النقاب وانعكاساته على اللاجئين

يكثر في هذا الحي بخلاف غيره من أحياء مدينة بون أن تصادف امرأةً منقبةً تتجول في المحلات، إلى جانب أخريات محجّبات أو غير محجبات، الأمر الذي يعكس تنوع الثقافات داخل هذا الحي؛ وتبعاً لهذا التنوع تنوّعت الآراء حوله أيضاً. هناك من يرى فيه إثراءً للمجتمع الألماني، لكن هذه الآراء تتأثر بشكل طبيعي بالجدل الدائر في البلاد حول مسألة النقاب والدعوات لحظره.

ماريّا مُدرّسة اللغة الألمانية في إحدى المدارس ذكرت إنّها مع فكرة التنوع الثقافي داخل المجتمع؛ وعن النقاب والجدل الدائر حوله، قالت: "لا أرى في النقاب ما يزعجني، لكن برأيي يجب أن تحظى المرأة بحريّة القرار في ارتدائه أو خلعه".

Bilder aus Bonn Bad Godesberg
الجدل حول النقاب يلقي بظلاله على موضوع اللاجئين بألمانياصورة من: DW/A.Alojayli

بينما اكتفى آخرون بالقول إنّه حرية شخصية، ولا يسبب مشكلة بالنسبة لهم، كما في رأي إيلينا النادلة في أحد المطاعم الإيطالية حيث قالت: "يأتي إلى المقهى كلّ يوم كثيرٌ من العرب، ولا مشكلة لدى الآخرين معهم، كما أنّه لا مشكلة في النقاب مادام بناءً على رغبة المرأة وقناعتها".

والرأي ذاته لا يختلف عند نور وهي مهندسة تُحضّر رسالة الماجستير في إحدى الجامعات الألمانية، فلديها مخاوف من تأثير هذه التجمّعات على واقع اللاجئين، خصوصاً في ظل استغلال بعض المتطرفين لأيّ مشكلة يتسبب بها أحد اللاجئين، تضيف: "إنّ الجدل الدائر حول مسألة النقاب في وسائل الإعلام بات يؤثّر على المنقبات وغير المنقبات، وصرنا نشعر كما لو أننا متهمون".

الانعزال يُضعف قدرة اللاجئين على الاندماج

ازدادت في الآونة الأخيرة حدّة النقاشات حول إمكانية اندماج اللاجئين داخل ألمانيا، كما أُثيرت مخاوف من أن يؤدّي تجمّع اللاجئين داخل أحياء خاصّة بهم إلى تشكّل مجتمعات موازية قد تؤثّر سلباً على علاقاتهم مع الآخرين.

Bilder aus Bonn Bad Godesberg
يقصد حي باد غودسبيرغ أيضا سياح عرب مثلا للعلاج أو للتسوقصورة من: DW/A.Alojayli

بعض اللاجئين يرى في صدور قرارات جديدة فيما يخصّ اللاجئين سببه مثل هذه التجمّعات، حيث يقول أحمد المصري وهو لاجئ سوري: "أتيت من ولاية أخرى وأرغب بالانتقال إلى ولاية شمال الراين ويستفاليا وبعد إنهاء تسجيلي في مكتب العمل ومدرسة اللغة، أخبرني الموظف في مكتب الأجانب بقرار إعادتي إلى الولاية التي أتيت منها". يهدف القرار – برأيه - إلى منع تجمّع اللاجئين في مدن وأحياء خاصّة بهم.

يعيش في باد غودسبيرغ كثيرٌ من اللاجئين العرب، وافتتحوا مدارس ومطاعم ومساجد خاصّة بهم. الأمر الذي بات يثير استغراب بعض الألمان خشية فقدان الحي هويّته الألمانية. وقد عبّرت عن ذلك السيدة بياتا وهي ألمانيّة مُقيمة داخل الحي: "لا أظنّ أنّه من الجيّد أن ينعزل المهاجرون داخل تلك الأحياء، فهم سيكونون بعيدين عن اللغة، والعادات، والقوانين الألمانية؛ وسيكونون غرباء داخل ألمانيا".

لكن هناك من ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، إذ يرى أنّ اللاجئ يمكنه الاندماج في إطار حفاظه على هويّته واحترامه قوانين البلد، وهو ما ذكرته كارولين صاحبة إحدى المحلات بقولها: "العرب كغيرهم من الشعوب يوجد فيهم الجيّد والسيّئ، فالأمر نسبي. لكن في المجمل هم قادرون على الاندماج إذا ما رغبوا في ذلك".

من جانبه يؤكّد سليمان الشمّري القادم من الكويت لغرض العلاج على ذلك، حيث قال: "الجالية العربية تستطيع الاندماج مع الحفاظ على هويّتها وتقاليدها، والمهم أن يبقى الجانب الإنساني ناظماً لعلاقاتها مع المجتمعات الأخرى".

قد يكون من الطبيعي أن ينجذب المهاجرون الجُدد إلى أبناء جلدتهم، ويحاولون العيش إلى جانبهم، حيث يرى بعضهم أنّ وجودهم مجتمعين يُعزز من اندماجهم دون التخلّي عن هويّتهم. إلا أنّ آراء أخرى رأت أنّه يؤثّر سلباً عليهم، ويجعلهم غرباء يعيشون داخل جزر منفصلة عن محيطهم.