1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

آمنة النصيري: سنوات نضال تنتظر المجتمعات العربية

٣٠ ديسمبر ٢٠١٥

"رسمتُ (للربيع العربي) لوحة واحدة وشعرت أن الثورات لم تكتمل، وأن سنوات قادمة من النضال تنتظر المجتمعات العربية حتى تلوح بوادر حقيقية للتغيير"؛ هذا بعض ما تقوله الفنانة التشكيلية اليمنية وفيلسوفة علم الجمال آمنة النَصيري.

https://p.dw.com/p/1HTSj
Jemenitische Künstlerin Amna Al-nasiri
صورة من: Amna Al-nasiri

وفيما يلي نص الحوار:

بدايةً كيف تحب آمنة النصيري أن تقدم نفسها للقارئ العربي؟

آمنة النَّصيري: فنانة تشكيلية وناقدة يمنية.

إلى جانب الفن التشكيلي والنقد فأنت أستاذة فلسفة علم الجمال في جامعة صنعاء، أين تجدين نفسك؟

لحسن الحظ أن اشتغالي في العمل الأكاديمي كأستاذة فلسفة ليس بعيداً عن المجال الإبداعي. فالكتابة حول الفن لا تبعد أبداً عن الدراسات الجمالية والفلسفية، والفنان من جهة أخرى يمتلك موقفاً فلسفياً تجاه العالم، ويعكسه في تجاربه الفنية، لذلك يحتاج إلى الكثير من المعرفة. لهذا يصعب عليّ اختيار مجال دون غيره، ذلك أنها مجالات تتقاطع وتكمل بعضها، وإن كنت أجدني أكثر حرية في الرسم والتصوير.

تحتل المرأة اليمنية جانباً واسعاً في أعمال آمنة النصيري، كيف تنظرين إليها من خلال لوحاتك؟ وما الذي يميّز المرأة في أعمالك؟

المرأة عندي ثيمة واسعة تحتمل تعبيرات مختلفة، فهي دلالة عامة على الكائن البشري والحياة، وعالم الإنسان المعاصر (سواء كان رجلاً أو امرأة) بما فيه من قمع وعنف وقهر، حيث أنني في أعمال عديدة أتجاوز بها البعد الاجتماعي لتصبح رمزاً لموضوعات أشمل، وفي مشاريع بصرية أخرى كنت أقصد التركيز على المرأة ومحيطها المجتمعي، والإشارة لمختلف أشكال التهميش والقهر والتغييب التي تعانيها.

لهذا يمكنني القول إن صورة المرأة في تجربتي تبدأ من توظيف هذه الصورة للأسئلة الفلسفية الكلية ذات الطابع الوجودي، ثم تتحول في جزء من التجربة نحو المحيط الاجتماعي بما يتمثله من موروثات، وربما على العكس من الفنانين الذكور. لا أهتم بالتركيز على جماليات العالم النسوي ودمجها بعناصر الموروث المحلي، أي التمركز حول الطابع التزييني، أو الجماليات بمعناها التقليدي، لثقتي أن الدخول في جوهر قضاياه أهم، كما أن لغة النص التشكيلي المعاصر تحمل جماليتها حتى في أشد المضامين قتامة.

Jemenitische Künstlerin Amna Al-nasiri
آمنة النَّصيري: بالنسبة لي النص التشكيلي هو موقف من كل شيء من الحياة بكل تمظهراتها، ولكن في لغة غير مباشرة.صورة من: Amna Al-nasiri

المرأة اليمنية في إنتاجك الفني تمثل عنصراً حيوياً تستلهمين فيها قضاياها ومعاناتها من التهميش والتغييب والإقصاء في ظل الأوضاع المثقلة في مجتمع تقليدي، هل يمكن توضيح ذلك؟

كما أسلفت، اهتمامي بالتعبير عن حياة النساء وربط ذلك بذهنية المجتمع وبمختلف أشكال المعاناة التي تعيشها النساء في مجتمعاتنا هو موضوع تتمثله بعض معارضي، غير أنه لا ينسحب على جميع المعارض، التي عالجت موضوعات أكثر اتساعاً.

أما كيفية تصور المرأة وقضاياها المعاشة، فهو أمر لا يقتضي مني البحث كثيراً، فأنا قبل كل شيء، امرأة عايشت وتعايش هذا الواقع، ولذا يسهل عليّ تعيين شتى صور المعاناة المحيطة بوجودنا كنساء، وأختار لذلك صياغات تعبيرية أو تجريدية أو مفاهيمية. فليس المطلوب بالنسبة لي إنتاج مضامين واقعية داخل منحى تشكيلي واقعي، وإنما التعبير عن الواقع الفعلي داخل لغة تنتمي إلى التشكيل المعاصر، ففي النهاية النص التشكيلي يجب أن يدور حول علاقات جمالية بصرية قبل كل شيء. ولهذا يشغلني الشكل الذي يستوعب الموضوع، وليس العكس. ومن الصعب الحديث تفصيلاً عن جزئيات المضامين التي أشتغل عليها، ولكنها كما قلت تدور حول التغييب والقيود والعنف التي تعانيه النساء بأشكال ودرجات مختلفة، وتحت مبررات متعددة.

هل تؤيدين مصطلح الفنّ النسوي في قدرة المرأة الفنانة التشكيلية على التعبير عن واقع المرأة الاجتماعي أكثر من الرّجل؟

لست من أنصار الفكر النسوي، ولا مع مقولة فن نسوي لأن هذا في اعتقادي يحقق مزيداً من العزل للقضايا الخاصة بالمرأة، وإن كنت أحترم نضالات الحركات النسوية في سبيل تكريس إشكالات النساء في العالم، إلا أن تعميق هذا الاصطلاح في الإبداع أوجد تجارب متطرفة لم تكسب التعاطف المرجو أو الانتباه المتوقع. والفكر النسوي عموماً حول الصراع التاريخي بين القامع والمقموع أو بين السلطة وأدواتها وبين الشعوب إلى صراع بين الرجل والمرأة. صحيح أن التاريخ تحول تدريجياً تجاه عالم الذكورة على حساب وجود الأنثى، لكن دراسة الإشكالية لا تعني عزل المرأة عن كل المؤثرات الأخرى وخارج سياقات التطور المجتمعي. فأنا مؤمنة بأن حركة التطور وتحرير الإنسان من كل مايثقل وجوده هي حركة مجتمعية تشمل الرجل والمرأة، وإن دراسة أوضاع المرأة لا بد من أن تتم داخل السياقات المتعددة. ومع ذلك لا أنكر دور الفكر النسوي في كشف حجم الضرر الذي يلحق بالنساء نتيجة تغييب المفهوم الجوهري للعدالة في كل العالم، لكني لا أفضل الانضواء داخل هذا الفكر عندما أكون أمام اللوحة.

Jemenitische Künstlerin Amna Al-nasiri
آمنة النصيري: لست من أنصار الفكر النسوي، ولا مع مقولة فن نسوي لأن هذا في اعتقادي يحقق مزيداً من العزل للقضايا الخاصة بالمرأة.صورة من: Amna Al-nasiri

تُعد آمنة النصيري من أبرز الفنانين التشكيليين اليمنيين الذين يلجؤون إلى الفن الرقمي في تطعيم لوحاتهم التشكيلية. كيف ترين واقع تأثير تكنولوجيا الاتصال على انتشار ثقافة تبقي الفن التشكيلي؟ وتجربتك الشخصية معها؟

الفنان دوماً بحاجة للتجريب والاكتشاف والبحث عن أدوات جديدة، والفنون المفاهيمية التي دخلت في تجربتي ليست جديدة على المحامل التشكيلية العالمية. ففي الغرب منذ ستينيات القرن الماضي كانوا قد بدأوا في تداول المفاهيمية، والوسائط الرقمية، ومع تسارع تطور العالم التكنولوجي اتسعت مساحة الخيارات المتاحة للفنان فظهرت فنون الفيديو ودمج التصوير الرقمي بتقنيات الرسم والتصوير التقليدية. وبالنسبة لي أحاول بين حين وآخر الدخول في مغامرات بصرية قد تمنح التجربة ملامح جديدة، ولكن ضمن شروط التجربة حتى لايبدو توظيف هذه الوسائل كأنما تم إقحامه في العمل. فقد قدمت في معرض "حصارات" عمل فيديو وتراكيب فراغية وتصوير رقمي، وقد كان المعرض مفاجئاً نوعاً ما للجمهور الذي لم يألف هذا الشكل من التعبير، وهذه مسألة كما أعتقد مهمة أن يحمل الفنان اللا متوقع في التجربة والمفاجئ وربما الصادم، بحسب ماتستدعيه حالة الفنان ومخيلته الإبداعيتين. وأعتقد أيضا بأنه من المفيد أن تتعدد الأدوات بشرط إخراج نص تشكيلي في النتيجة أصيل. كما أن ذلك لا يشكل خطراً على اللوحة المسندية التقليدية، أو كما تسمى لوحة الجدار، فهي باقية مهما تعددت الوسائل.

هل يمكن أن تحدثينا عن معارضك، "حصارات"، و"الرؤية من الداخل" و"أبيض"، وما هي الرسالة التي أرادت آمنة النصيري توصيلها؟

في تجربة "حصارات" كنت أتحدث عن المخاوف التي تحاصر الكائن في مجتمعات قمعية، ولأن التجربة اندرجت ضمن السياقات التشكيلية المفاهيمية، فقد وضعت بعض الإشارات المكتوبة للعرض في نص احتوته المطوية الخاصة بالمعرض، وذلك لإطلاع المتلقي على فكرة العرض ككل، وذكرت فيها إن الخوف مفهوم شامل لكل مايشكل حصارات بعضها نفرضها نحن على أنفسنا، وأخرى مصدرها الخارج والمحيط بنا، بمنظومته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... إلخ.

وفي معرض "الرؤية من الداخل" فعودة من جديد إلى مفاهيم القمع والحصار والإنسحاب، وكل التحولات في حياة المرأة، التي أعادتها إلى حيز ضيق مغلق ومعتم، والنساء المقموعات في هذا الحيز بعضهن يصارع بحثاً عن حياة عادلة، وأخريات ينزوين أو ينسحبن إلى وجود مجازي، يكرس تغييبهن وإقصاءهن. كنت أود في تجربة "الرؤية من الداخل" أن يرى المتلقي ما هو أبعد من المعاناة المجتمعية الخارجية، أن يستشف أدوات وآليات القهر، كيف تحول الحياة الإنسانية من صورتها الجميلة إلى عالم بائس مخفي بفعل الخوف والعنف والمقولات والأفعال القسرية تجاه الأنثى.

أما في معرض "أبيض" فكنت مشغولة بفكرة استعادة الثقة بالعالم والحياة، والمقاومة المشفوعة بالتفاؤل، كانت نظرة أكثر تفاؤلاً بالقادم، أيا كان هذا القادم، والتأكيد على طاقة التغيير الإيجابية عند الإنسان.

هل اللون في اللوحة له الأهمية مثل الفكرة أو الموضوع، وما اللون الذي تعملين على أن يكون دائما في لوحاتك والقريب إليك؟

اللون له الأولوية، فكما قلت لك إن الشكل في اللوحة بعلاقاته المختلفة له الأولوية على المضمون. فاللوحة ليست قصة أو بحث علمي، إنما هي منجز بصري، وأحياناً يولد الشكل في ذهن الفنان قبل الفكرة، فيقوم ببلورة ذلك الشكل ثم يمنحه المعنى.

أحب الأزرق والأحمر، ولكني أستخدم الألوان بحسب المزاج الإبداعي الذي أكون فيه، فاللون بحد ذاته تعبير عن كل حالات الفنان.

في سياق الحديث عن الحرب الدائرة في اليمن اليوم، ما من شك بأن الفنان يحمل قضايا وهموم يعيشها المواطن اليمني عامة، والمرأة اليمنية خاصة باستمرار داخله، كيف هو تفاعل آمنة النصيري مع الشأن العام مع ما هو سياسي؟ وهل الظروف لها تأثير في تكوين لوحاتك؟

بالنسبة لي النص التشكيلي هو موقف من كل شيء من الحياة بكل تمظهراتها، ولكن في لغة غير مباشرة. فالفن في جوهره يمثل موقفاً جمالياً وفلسفياً من الوجود ككل، ولهذا كان معرض "حصارات" الذي سبق ثورة فبراير 2011 بعام، كان يشير إلى حالات القمع وأدوات القهر التي تكبل البشر وتعيقهم عن الانعتاق. لكن الفنان ليس موثقاً ولا هو معني باستيعاب مواقف انفعالية مباشرة وتضمينها في أعماله. فهنا قد تتحول التجارب إلى ملصقات سياسية مباشرة في طرحها، والفنان يستلهم قضايا محيطه ولكن بعد زمن عندما تنضج الفكرة ويتمكن من توظيفها بعيداً عن الانفعالات السريعة والغضب. فالكثير من الغضب كما تقول (فرجينيا وولف) يفسد العمل الفني، ولذلك أحتاج إلى أن أخرج خارج الحدث لكي أتمثله وأعبر عنه.

أما في اللحظة الحالية فما زلت في قلب الحدث. وهنا لا يسعني التعبير بعد لأنني مملوءة بالمرارة والانفعالات، إنما هذا لا يلغي موقف آمنة النصيري كمواطنة ملتزمة بقضايا مجتمعي. هنا أعبر عن موقفي من كل مايحدث، من خلال الساحة الأكاديمية التي أتواجد فيها، أو في المجتمع الذي أعيش بداخله، ربما لم أشتغل بالعمل السياسي يوماً، ولم أكن في أي حزب، ولكن هذا ليس انسحابا من إبداء الموقف إزاء الأحداث. فأنا ومنذ العام 2011 وحتى الآن أشارك في مناشط تعبر عن موقفي، وتنتصر للإنسان، ضد كل أشكال القمع أو التطرف سواء كان صادر عن المؤسسات السلطوية، أو الجماعات خارجها.

هل قامت آمنة النصيري بعمل فني يجسد أحداث الثورات العربية عامة، واليمن خاصة؟

ليس بعد، رسمت لوحة واحدة وشعرت أن الثورات لم تكتمل، وأن سنوات قادمة من التعب والنضال تنتظر المجتمعات العربية حتى تلوح بوادر حقيقية للتغيير. المجتمعات العربية بحاجة لتغيير البنى الفكرية، وآليات علاقة الحاكم بالمحكوم، وتغيير الأنظمة وليس الشخوص فحسب، وهذا لم يحدث.

ما الأشياء التي تتشوق آمنة النصيري إلى إنجازها ولم تتح لها الفرصة بعد للقيام بها؟ أو ظروف معينة منعتها من إنجازها؟

مشاريع فنية كثيرة في صالات فنية جيدة، والعديد من الدراسات النظرية، كل الظروف المحيطة حالياً تحول دون إنجازها.

حاورتها: عميدة شعلان

حقوق النشر: قنطرة 2015

تٌعَدّ الفنانة التشكيلية والناقدة اليمنية الدكتورة آمنة النصيري علماً من الأعلام البارزة في مجال الفن التشكيلي، ولها مكانة رفيعة على مستوى الفن اليمني والعربي المعاصر. فإلى جانب كونها فنانة تشكيلية، فهي ناقدة وأستاذة علم الجمال في قسم الفلسفة بجامعة صنعاء.

حاصلة على درجة الماجستير من اكاديمية الدولة للفنون، (سوريكوف)، موسكـو 1994، ودرجة الدكتوراه في علم الجمال، موسكو 2002.

للنصيري 16 معرضاً شخصياً في اليمن، وألمانيا، وهولندا، وروسيا، وإيرلندا. ولها العديد من الكتابات النقدية حول الفن التشكيلي، في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، ولها أعمدة ثابتة في أكثر من صحيفة محلية. ولديها ثلاثة مؤلفات نقدية حول الفن التشكيلي، "مقامات اللون"، مقالات ورؤى في الفن البصري، وزارة الثقافة، صنعاء، 2004، "مواقيت لأحزان سبأ" بالاشتراك مع الشاعر أحمد العواضي، وزارة الثقافة، صنعاء، 2004، "متوالية القديم والجديد"، بالاشتراك مع الدكتور عمر عبد العزيز، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2003. ولها مشاركات في العديد من الندوات والمعارض وورش العمل المحلية، والعربية، والعالمية، وعضوة في العديد من لجان تحكيم في العديد من الجوائز المحلية والعربية.