1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هكذا كان الأسد يلعب في العراق

كاميران قره داغي١٣ سبتمبر ٢٠١٣

يعتقد الكاتب العراقي ومستشار الرئيس العراقي، جلال طالباني، كاميران قره داغي أن ما يحدث في سوريا هو أمتداد لما فعله نظام الأسد في العراق منذ عام 2003. مشيرا إلى انقلاب السحر على الساحر، حسب تعبيره.

https://p.dw.com/p/19gA8
صورة من: Reuters/Ammar Abdullah

قبل أن ينقلب السحر على الساحر وتغرق سورية في حرب أهلية، لا مناص من اقرار أن عراقيين كثيرين يتشفون بها، كان نظامها البعثي سعى قبل ذلك الى اشعالها في العراق «الشقيق»، كان وزير خارجيتها وليد المعلم حين يأتي الى بغداد مُرسـلاً من مـعلمه ويلتقي كبار المسـؤولـيـن فيها وينظر اليهم وابتسـامة شريرة تـرتـسم على وجهه فيقول لهم بغطرسة إن كل مزاعـمـهم بأن الارهابيين يتسللون الى العراق من سورية لا اسـاس لها، وأن دمـشــق لا تـؤوي أي قياديين من حزب البعث العراقي، واذا وجد بعثيون هناك فهم افراد مسالمـون لا حول لهم ولا قوة. وإذ كان العراقـيون يواجهونه بأنهم يملكون ادلة ملموسـة عـبارة عـن صور وفـيديوات تـظهر الارهابيين وهم يعبرون الحدود الى العراق تحت أنظار حرس الحدود السوريين، كانت ابتسامة خبيثة ترتسم على وجهه ويقول لهم انها أدلة مطعون في صدقيتها، لأن الصور مصدرها المحتلون الاميركيون اعداء النظام السوري والأمر لا يتعدى كونه «مشاكل على الحدود» تحصل في أحسن العائلات.

ماذا كـان البعث الـسوري يـريد من العـراق ويأمل بتـحقـيـق هــدفـه فـيـه بـدعـمـه الارهاب وتـسهيل تـدريـب الارهابيين، تـحديداً المنـتمين الى «القـاعـدة» بتــنسيـق مع البعثيين العراقيـين وتـسـللهم الى العراق كي يفجروا ويقتلوا ويخـربوا الوضع الأمني والسياسي؟ في خاتمة المطاف كانوا يسـعون الى هدف محدد بعينه أوضحه الرئيس بـشار الأسد نفسه لوفد عراقي رسمي زار دمــشق في مــسـعى الى المصالحة. الوفد نقل عن الاسـد قوله إن على الحكم العراقي أن يفهم أن البعث السـوري لا يمكن أن يتخلى عن البعث العراقي، فهما في النهاية بعث واحد ونظـامه لـن يـهدأ حتى يعود الى السلطة في بغداد. كلام صريح وواضـح. ومهما جهد أهل الحكم العراقي لمنع التدخل الســوري آنذاك كانت جهودهم تذهب سـدى على رغم الوجود العسكري الأميـركي الداعم والمسيطر، وحضور الـلاعب الايـراني الداعم بـقوة أكبر لحلفائه الشيعة المهيـمنـين علـى الـحكم في بـغداد ونفوذه في دمـشق. بل يــجـوز القـول إن هذا اللاعب الخطير كان يشارك عملياً في اللعبة السورية لكن لمصلحته الخاصة.

في ضوء هذه الحالة، كان أهل الحكم في العراق يشعرون بالعجز والإحباط، خصوصاً أن الصراع الفئوي الطائفي كان في أوجه ما جعل العراق اشبه بسفينة تتقاذفها أمواج عاصفة لم يكن أحد يعرف الى أين سينتهي المطاف بها. من جهة كان هناك تضامن شيعي كردي، فيما كان الطرف السنّي، الاسلامي والمدني، يشارك في اللعبة السورية بحماسة عبر تمتين العلاقات مع دمشق وزياراته لها لم تكن تنقطع من قبل زعمائهم حيث السلطة تستقبلهم بالأحضان والدعم إمعاناً في النكاية ببغداد ومثيرة مزيداً من الإحباط والسخط فيها (المفارقة هنا أن هذا الطرف اصبح اليوم في المعسكر المعادي للنظام السوري)!.

لكن أكثر المحبطين كان رئيس الوزراء آنذاك وحالياً نوري المالكي الذي كان يشكو للجميع من أميركيين وإيرانيين وبريطانيين والزعماء السياسيين في العراق معاناته من التدخل السوري الذي يعرقل جهوده بصفته القائد العام للقوات المسلحة المسؤول عن الأمن الداخلي. في اجتماع للمجلس السياسي (31/7/2006) الذي كان يتألف من الرؤساء الثلاثة (الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء) وزعماء كل الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية أعلن المالكي أنه شخصياً قال للمعلم: «يجب حل المشاكل والتدخلات وما دامت موجودة يجب ان يبرهنوا عكس ذلك أو يتخذوا إجراءات بحقها». نائبه يومها سلام الزوبعي تساءل: ما الفائدة؟ «المسؤولون السوريون يسمعون فقط من البعثيين الكبار (العراقيين)!

كاتب هذه السطور كان يحضر بحكم عمله اجتماعات المجلس السياسي ويعلم أن موضوع الإرهاب القادم من سورية المدعوم من نظامه كان يُثار في كل اجتماع للمجلس السياسي في تلك الفترة. في اجتماع للمجلس في 27/1/2007 تحدث الرئيس جلال طالباني عن زيارته ونتائجها الى دمشق. يشار الى أن طالباني كان يردد دائماً أنه لا يرغب في انتقاد السوريين علناً أمام وسائل الاعلام، مفضلاً أن يثير معهم شكاوى العراق وجهاً لوجه. وهذا ما حدث بالفعل في لقائه مع الأسد وما قاله مدون وموثق. قال: قلوبنا مجروحة بسبب الأعمال الارهابية ونعتقد أن الإرهابيين قدموا من سورية وعندنا أدلة وبراهين». طالباني سلم الأسد قائمة بأسماء القياديين المعروفين في البعث العراقي ومن القادة العسكريين الفارين الى سورية مع عناوينهم، اضافة الى مراكز تدريب الارهابيين فيها. ماذا كان رد الأسد؟ «والله لا علم لي بذلك»، ثم اضاف، مبتسماً طبعاً، أن التسلل يمكن ان يجري بسبب الفساد «يكفي أن تدفع 500 دولار»! ومع انه لم يكن على علم بوجود القياديين البعثيين العراقيين في سورية، لكنه بعد قليل قال لطالباني إنهم على وشـك الانـشقـاق «بين (عزة) الدوري و(محمد يونس) الأحمد»، مضيفاً: «وفي هذا فائدة لنا ولكم». في تلك اللحظة كانت قيادة البعث العراقي تعقد مؤتمراً في حمص أسفر لاحقاً عن حدوث الانشقاق بالفعل. ولم يوضح الأسد كيف عرف بذلك قبل ان يختتم المؤتمر أعماله.

طالباني استقبل بحفاوة رسمية في دمشق وفـرش لـه البـسـاط الاحـمر في الـمـطار حيث استقبله الأسد شخصياً. وبعدما قدم له طالباني خلال اجتماعهما قائمة بأسماء القياديين البعثيين، الذين أقسم الاسد أن لا علم له بذلك وسأل ما هو المطلوب. طلب طالباني ثلاثة أمور: ايقاف الدعم للإرهاب المتسلل الى العراق ومنع الخطاب العدائي لإعلامكم ضد الحكم في بغداد والتواصل مع الزعماء العراقيين بدعوتهم رسمياً الى دمشق لتحسين العلاقات «بدلاً من دعوة حارث الضاري» الذي كان يقود جزءاً من الجماعات الارهابية ويصف الاعلام السوري الرسمي عملياته الإجرامية بـ «المقاومة».

الأسد وعد بأنه سيفعل ذلك «على العين والراس». لكن ما إن غادر طالباني دمشق عائداً الى بلاده صباحاً، حتى استقبل الأسد مساءَ حارث الضاري نفسه في القصر الرئاسي ثم خرج ليعلن أمام الإعلام انه (الأسد) «يقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل العراقية

كاميران قره داغي