1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هكذا تكلم الطير العراقي

عباس العزاوي١١ أبريل ٢٠١٣

يرى عباس العزاوي أن اخطر ما يصيبنا من إمراض هو مرض الخوف ، الخوف من الغد من التغيير ، من الفشل ، من الموت ، والخوف من الآخر ، لاسيما عندما يتحول خوفنا إلى هاجس يسيطر علينا ويشل حياتنا بل ويحولها إلى جحيم .

https://p.dw.com/p/18E2g
صورة من: AP

في الموروث العراقي مثلا تتردد كلمة الخوف في كثير من أحاديثنا حتى تلك التي لا دخل لها بالخوف! خاف ما شوفك بعد ، خاف ما انجح بالامتحان ! خاف اجذب عليه ، خاف ما نلحك ، وتستمر المخاوف التي تحيط بنا من كل جانب كأنها أشباح الموت والفناء ، وكما هي عجائزنا تخاف من حدوث المصائب بعد كل جلسة سمر وضحك بين الأهل ، فتقول ، ربي دخيلك ، ضحكة خير إن شاء الله.

في إحدى دوائر الدولة كنت انتظر دوري في طابور طويل جدا ومتورم قرب شباك الموظف كما هي حال اغلب دوائرنا ، التفت احدهم الي وهو يكشف عن أسنان صفراء ومائلة بعض الشيء بعد حديث قصير عن المستمسكات المطلوبة ، ماذا لو حصلنا على شهادة الجنسية وسقطت هذه الحكومة؟

تساءل وهو يبتسم ببلاهة واضحة! فسألته ، وما هي الحكومة المنتظرة في رأيك ؟ شمدريني .... قالها وهو يمط شفتيه ويدير ظهره لي تجنباً لإكمال الحوار!

هذا الرجل الذي سمعته قبل قليل يتفاخر بعراقة عائلته ومستواها الرفيع ، أبدى من الحماقة والاهتزاز والخوف من استمرار الحال الشيء الكثير ، مع أن الوثائق الشخصية لا دخل لها بنوع الحكومة لكنه بفكره البدوي رغم ارتداءه بدله لا يمكن تخمين لونها الحقيقي لقدمها، يفكر بان هذه التغيير لا يمكن بقاءه، ولكن لماذا يفكر هذا المتفاخر بان هذه الحكومة سوف تسقط يوما ما!

الخوف صناعة بعثية بامتياز

انه الخوف الذي نجح البعثيون في زرعه في قلوب الناس على مدى أربعة عقود ، وربما هذا الانتصار الوحيد الذي حققه البعث طوال فترة حكمه القمعي.

ربما يهون الأمر عندما يقتصر الخوف والتردد على الأفراد أو حتى الجماعات الصغيرة طالما الخط العام يتجه لترسيخ أسس الدولة وعبور مراحل متقدمة ، لكن الطامة الكبرى أن يتسرب هذا الخوف لقلوب ونفوس يفترض ان الحياة اعتركتها ومنحتها صلابة وقوة اكبر من الجميع ، فالكثير من ساسة اليوم هم من معارضي النظام في السابق ، ويفترض أنهم وقفوا ضد النظام القمعي لسنين طويلة ، لكن الكارثة أن نجد منهم من يتطير خوفاً ورعباً من اتخاذ موقف شجاع حيال القضايا المصيرية ، فقد حدثني احد الطيور الشابة عن كوارث تحدث في دوائر الدولة المهمة ، وخوف بعض المسؤولين من تقديم ملفات ساخنة وخطيرة تهم امن المواطن وحياته ضد شخصيات معروفة في الدولة ، والبقاء عليها في إدراج مكاتبهم مجمدة! ليس لغرض استخدامها كسلاح ابتزاز او إظهارها في الأوقات المناسبة ، وانما تركها خوفاً من الأسماء المذكورة فيها وما وراءهم من شخصيات سياسية وجهات طائفية متنفذة ، بحجة إمكانية خلق أزمة كما حدث في قضية الهاشمي والعيساوي من بعده والتي ما تزال دفوفها تضرب على أنغام العزف الطائفي المنفرد .

الأدهى من ذلك ان هذا المشلول او المسؤول لا فرق ، يقول دون أدنى حرج أو خجل من دماء الأبرياء التي تسفك وما زالت ، إذا سقطت الحكومة من سينفعني إن أنا أعلنتها حرباً ضد هؤلاء!؟

أتخاف يا سيدي على حياتك ؟ ولا تخاف على حياة المواطنين الأبرياء ولا يقض مضجعك أعداد الضحايا الذين يتناثرون يوميا بقنابل الحقد الطائفي الوهابي والبعثي. تباً لك من مسؤول يضطلع بمهام جسام لا يقوى على حملها ، وتباً لحضنا العاثر الذي أهدانا إياك في هذه الظروف التعيسة! فمن أجبرك على التصدي لهذه المهمة الخطيرة إن كنت خائفاً وجباناً لهذه الدرجة.

أنانية بلا حدود

اذن كلها ترجو النجاة وكلها لا تريد ان تغضب فلان وعلان، لان إغضابهم سيحرق البلاد، وهل بلادنا تنعم بالامن والسلام ؟ حتى تخافون من الأزمات والإرهاب ! وعلى ماذا تراهنون ؟ أن يمنحكم العدو مثلا فرصة للعيش! وربما يرق قلبه الرحيم لمواقفكم التخاذلية بذريعة إطفاء الحرائق أو لمنحه فرصة ذبح الأبرياء بحرية كاملة ، ألا بئس القوم انتم ، وبئس القادة المتخاذلين والخونة، هل حقاً إنكم قارعتم النظام البعثي؟ وانتم من حملتهم السلاح في وجهه! اشك في ذلك، فمواقفكم لا توحي بأي شجاعة تذكر ، فقد أخزيتمونا أخزاكم الله.

ان ما يدفع السياسي لجمع الأموال بنهم واضح وسرقة قوت الشعب بهذه الطريقة المخزية طوال فترة تسنمه لمناصب مهمة في الدولة وهو يرى بعينه حياة المواطن الشاقة والبائسة ، وما يجعل السياسي يحتفظ بجنسية الدولة التي كان يعيش فيها، حتى يفر اليها عند الضرورة ، وما يدفعه للتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان والعبث بمقدراته وحياته من قبل جهات إرهابية معينة، وما يجبره في أحيان كثيرة على دعم هذه الجهة أو تلك رغم وضوح مواقفها الخيانية والتآمرية، بحجة وحدة الوطن وسلامته! هو شيء واحد ، انه الخوف بكل أنواعه وأشكاله ومبرراته.