1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة

عبد الخالق حسين٧ مارس ٢٠١٣

يستعرض د.عبد الخالق حسين علاقة العراق بالغرب والولايات المتحدة الأمريكية مبينا أن تفشي الأيديولوجيات الثلاث: الشيوعية، والقومية والإسلامية جعل أمريكا في نظر كثيرين تمثل الشر المطلق.

https://p.dw.com/p/17sd3
صورة من: AP

علاقة العراق بالغرب معقدة جداً، بين مد وجزر، مرت بأزمات شديدة، شابتها مشاعر العداء في أكثر الأحيان، منذ الحرب العالمية الأولى وإلى الآن. وللعداء مع الغرب أسباب عديدة، منها التاريخ الاستعماري، وتحيز الغرب لإسرائيل في الصراع العربي- الإسرائيلي، وتفشي الأيديولوجيات الثلاث: الشيوعية، والقومية والإسلامية. فرغم العداء المستفحل بين هذه الأيديولوجيات التي ساهمت في تمزيق الولاء الوطني، إلا إنها متحدة في عدائها للغرب الرأسمالي الديمقراطي، وبالأخص ضد أمريكا التي في نظرهم تمثل الشر المطلق، وحتى صار العداء لأمريكا وحليفتها بريطانيا شرطاً للوطنية، والمطالبة بعلاقة جيدة معهما مرادفة للعمالة والخيانة الوطنية!.

ولكن، في السياسة لا توجد عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة. فبعد المظالم التي لحقت بالشعب العراقي على يد نظام البعث الفاشي الجائر، وحروبه العبثية، الداخلية والخارجية، تأكد لنا، ولو بعد فوات الأوان والخراب الشامل والتشرد، أن الدول الغربية هي التي مدت يد العون للعراقيين المشردين، وآوتهم، ووفرت لهم الأمان والعيش بكرامة، وكانت أمريكا هي التي قادت التحالف الدولي لتحرير الشعب العراقي وخلاصه من ذلك النظام الفاشي.

"أمريكا أوصلت البعث إلى السلطة في زمن الحرب الباردة"

مازال البعض يبرر العداء لأمريكا بأن أمريكا هي التي أسست حزب البعث، وهي التي جاءت به إلى السلطة، وعملت كذا وكذا. وهذا صحيح، ولكن كان ذلك في زمن الحرب الباردة، والصراع العنيف بين المعسكرين، الشرقي، الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي، الرأسمالي الديمقراطي بقيادة أمريكا. وصار العراق ضحية في هذا الصراع، ولكن تبدلت الأحوال، وانقلب السحر على الساحر، فوجدت أمريكا أن من مصلحتها التخلص من حكم البعث بعد أن بات يشكل خطراً على مصالحها في المنطقة.

لذا فمن الحكمة أن نستفيد من أمريكا في حالة توافق مصالحها مع مصالح شعبنا، وهي القضاء على نظام البعث الفاشي الجائر حتى ولو بمساعدة أمريكا التي جاءت به من قبل، وإلا نبقى نعاني من الجور والجوع والضياع في الشتات إلى أجل غير معلوم، بذريعة أننا لا نريد الخلاص بدعم أمريكا. فالحكمة تفيد: إذا كان بيتي يحترق، لا تهمني هوية فريق الإطفاء، بل ومن الجنون أن أرفض هذا الفريق لأنه من أمريكا.

هل أمريكا تريد النفط بلا مقابل؟

قالوا أن أمريكا عملتْ ذلك للهيمنة على نفط العراق، وليس لسواد عيون العراقيين! وجوابنا هو: هل أمريكا تريد النفط بلا مقابل، أم تشتريه بسعر السوق الذي قفز عدة أضعاف بعد تحرير العراق، وليس لأمريكا أي دور في تحديده، بل يتحدد سعر برميل النفط وفق مبدأ السوق: (العرض والطلب"؟

ثم ماذا يفعل العراق بنفطه إن لم يبعه على أمريكا وغيرها؟ فخلال 13 سنة من الحصار، عم العراق الخراب الشامل، وألوف العراقيين صاروا طعاماً للأسماك لأنهم فضلوا الفرار، ومخاطر البحار على البقاء ليموتوا جوعاً وذلاً وقهراً في عراق البعث.

أمريكا ساهمت مع الحلفاء في تحرير أوربا من النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية التي كلفت الشعوب الأوربية نحو 55 مليون ضحية، وعشرات المدن سويت بالأرض. فالحرية ليست بلا ثمن. وكذلك حررت أمريكا اليابان من الفاشية العسكرتارية، وقصفت أمريكا اليابان بالقنابل النووية، ومازالت قواعدها العسكرية متواجدة فيها، ومع ذلك هناك علاقة حميمة بين اليابان وأمريكا. ومن ثمار هذه العلاقة أن صارت اليابان من أغنى الدول في جميع المجالات. وكذلك حررت أمريكا كوريا الجنوبية، ولنقارن بين كوريا الجنوبية والشمالية، فأيهما أفضل؟

"الخطأ في الشعب نفسه الذي تمسك بالصراعات الطائفية"

قد يعترض البعض أنه لا توجد في هذه الدول صراعات سنة وشيعة، ولا كرد وعرب..الخ. فإذاً، في هذه الحالة، الخطأ مما يجري في العراق سببه ليس أمريكا، بل الخطأ في الشعب نفسه الذي تمسك بالصراعات الطائفية والعرقية على حساب المصلحة الوطنية. فأمريكا حررت الشعب العراقي من جور البعث الفاشي وتركت له المجال ليختار حكامه بإرادته الحرة في نظام ديمقراطي حر. وهذا موضوع طويل تطرقنا إليه عشرات المرات. وإننا نعتقد أن هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العراق من صراعات هي حتمية لا مناص منها، ولكن في نهاية المطاف لا بد وأن يعود السياسيون إلى وعيهم ورشدهم، وسيدركون أنه لا بد من التعايش معاً بسلام بعد أن يتمرنوا على الديمقراطية ويتعلموا قواعدها. فبعد عشرات السنين من دكتاتورية البعث، من المستحيل القفز إلى ديمقراطية ناضجة بين عشية وضحاها.

ولم تكتفِ أمريكا بتحرير العراق من الفاشية، بل وعملت على تخفيف ديونه البالغة نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب العبثية، والتي كبله بها نظام البعث والعبث. فشكل الرئيس جورج دبليو بوش وفداً برئاسة جيمس بيكر، وزير الخارجة الأسبق، الذي قام بجولة في عواصم البلدان الدائنة، ونجح في تخفيض الديون بنحو 90%، وهذا نصر عظيم للعراق بجهود أمريكا.

وعليه، أعتقد أن العراق بحاجة ماسة ومصيرية إلى علاقة متكافئة بعيدة المدى في إطار الاتفاقية الإستراتيجية الموقعة بين البلدين عام 2011، وتفعيلها والاستفادة منها إلى أقصى حد على أسس المصالح المشتركة بين دولتين ذات سيادة كاملة. فالعراق غارق بمشاكل متراكمة عبر قرون، وبالأخص ما ورثه من مخلفات البعث، وليس بإمكان حكومته حلها دون دعم خارجي ومهما بلغ المسؤولون من دهاء وخبرة وإخلاص.