1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لماذا الخوف من تسلح العراق الديمقراطي؟؟

١٩ فبراير ٢٠٠٩

د. عبدالخالق حسين

https://p.dw.com/p/GxG2

رأيي عن الأستاذ عبد الرحمن الراشد أنه من الكتاب المؤمنين بالعلمانية والديمقراطية الليبرالية، و المدافعين عن العراق الجديد، والناصح لقادته السياسيين الجدد لما فيه الخير للعراق منذ حصول التغيير الجذري فيه عام 2003. لذلك استغربت من مقاله الأخير الموسوم (خيار العراقيين: نموذج إيران أم الخليج) في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية في عددها الصادر يوم 18/2/2009، (وأعادت إيلاف نشره) وكأن لا خيار للعراق إلا أحد هذين النموذجين، إما النموذج الإيراني أو الخليجي. لذا أؤكد هنا وكما جاء في تعليق عدد من القراء في إيلاف والشرق الأوسط على المقال المذكور، أن العراق بتبنيه النظام الديمقراطي يرفض تقليد إيران والدول الخليجية على حد سواء، لأنه هو النموذج الديمقراطي الأفضل الذي يجب على شعوب المنطقة تبنيه، وليس العكس.

وقد عبر الكاتب عن قلقه من "... إذاعة نبأ مشروع تسلح كبير يهدف إلى إعادة بناء القوة العسكرية العراقية، بقيمة خمسة مليارات دولار." الأمر الذي دفعني لوضع تعليق قصير باسمي الكامل في ذيل مقال الراشد، مع الاحتفاظ بحقي في تخصيص مقال مستقل في الرد عليه بشكل مفصل.

أرجو الانتباه إلى عبارة "مشروع تسلح كبير" التي وردت في مقال السيد الكاتب، فهل حقاً صرف خمسة مليارات دولار في تسلح جيش تعداد عناصره أكثر من 300 ألف، لشعب تعداده 30 مليون نسمة محاط بست دول، هو مبلغ كبير وفق حسابات اليوم ليعتبر "مشروع تسلح كبير" يهدد شعوب المنطقة لكي يتخوف منه أحد؟ علماً بأن معظم دول المنطقة، ومهما كانت صغيرة، والتي يطالب الكاتب العراق باختيار نهجها، قد صرفت عشرات أضعاف هذا المبلغ على بناء جيوشها وتسليحها بأحدث الأسلحة، ناهيك عن برنامج إيران النووي وبرنامج اليمامة السعودي اللذين كلفا البلدين مئات المليارات من الدولار.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل المطلوب من العراق الديمقراطي أن يكون بلا جيش وبلا قوة دفاعية ولا حول له ولا قوة في هذا العالم المصاب بسعار سباق التسلح المحموم، والعراق هو المستهدف أكثر من غيره من قبل إيران وتركيا وسوريا كما اعترف بذلك السيد الكاتب؟

أود التأكيد هنا أني ضد سباق التسلح، وضد الحروب، وضد أي عدوان من أية جهة وعلى أية جهة. فقد شبع الشعب العراقي إلى حد التخمة من الحروب العبثية التي أشعلها النظام البعثي العبثي خلال أربعة عقود من حكمه الجائر وتبديد ثروات البلاد على سباق التسلح. ولكن هل وصلت البشرية مرحلة تاريخية متقدمة من الحضارة بحيث يستطيع الحمل الوديع أن يعيش مع الوحوش الضارية بسلام وأمان؟ وهل حقاً بلغ العالم مرحلة السلام الدائم بحيث والنضج العقلي والحضاري بحيث يجب حل الجيوش وتحويل جميع معامل صناعة الأسلحة إلى معامل لصناعة الآلات الزراعية ووسائل الترفيه كما تخبرنا الأدبيات المبشرة باليوتوبيا والمدينة الفاضلة السعيدة؟ فألمانيا واليابان لم تبلغا هذا المستوى الراقي في الاقتصاد إلا لأنهما غير مشاركتان في سباق التسلح. ولكن هل هذان البلدان لا جيوش لهما مجهزة بالحد الأدنى من التسلح؟ الجواب، كلا، فلكل من هاتين الدولتان جيوشهما الحديثة المجهزة بأحدث الأسلحة المتطورة.

المفارقة الكبرى هنا، أنه عندما كان العراق يحكمه نظام دكتاتوري فاشستي يضطهد شعبه ويعتدي على دول الجوار، شجعت الدول العربية وبالأخص الخليجية، هكذا نظام على المزيد من التسلح العسكري وعسكرة المجتمع العراقي بحجة حماية البوابة الشرقية للأمة العربية!!!، ومدته بعشرات المليارات الدولارات لهذا الغرض كدعم للمجهود الحربي ضد "الفرس المجوس" وبدماء العراقيين، ولكن عندما يكون في العراق نظام ديمقراطي مسالم، ومستهدف من قبل دول الجوار المؤدلجة، يطالبه الأخوة العرب بعدم التسلح ولو بالحد الأدنى لحماية حدوده من العدوان الخارجي. والجدير بالذكر أن الدول الخليجية التي دعمت النظام الجائر في التسلح ومدته بعشرات المليارات الدولارات، اعتبرت هذا الدعم بعد سقوط النظام الفاشي ديوناً باهظة على كاهل العراق الديمقراطي كعقاب لشعبه وأجياله القادمة التي لا ذنب لها في تلك الحروب، وترفض هذه الدول التخلي عنها كما تخلت الدول غير العربية عن ديونها على العراق.

والسيد الكاتب يعترف أن العراق مستهدف من بعض دول الجوار مثل إيران التي تتدخل في شؤونه الصغيرة والكبيرة، وتركيا التي تتوغل قواتها في الشمال بين حين وآخر، وسوريا التي تبعث بالإرهابيين لقتل العراقيين وتدمير منشآته الاقتصادية. إذن لماذا يجوز للعراق البعثي العدواني أن يتسلح إلى أقصى حد مع الدعم العربي، ولا يجوز للعراق الديمقراطي أن يكون له جيش بالحد الأدنى من التسلح ليدافع عن سيادته الوطنية؟ علماً بأننا لم نقرأ يوماً في التاريخ الحديث أن الدولة الديمقراطية بدأت العدوان على أحد، إنما الدولة المستبدة هي العدوانية وتبدأ العدوان، لذا يجب الخوف والحذر منها.

والمفارقة الأخرى أن الأخوة العرب عارضوا الاتفاقية العراقية- الأمريكية بحجة أنها تسيء إلى السيادة الوطنية، والتي من بنودها ضمنت أمريكا فيها الدفاع عن العراق وسيادته من أي عدوان خارجي، ولكنهم في نفس الوقت يطالبون العراق الديمقراطي بعدم التسلح ولو بالحد الأدنى. فهل هذا هو الحق والإنصاف؟ وكيف يمكن لهذه الدولة أن تعيش بسلام؟

خلاصة القول، الدولة العراقية الحديثة، لها كل الحق، كأية دولة أخرى في العالم، أن يكون لها جيش مسلح بالسلاح الحديث لحماية شعبه ونظامه الديمقراطي وسيادته الوطنية من العدوان الداخلي والخارجي، لأن الدولة بلا قوة دفاعية، تكون معرضة للعدوان الخارجي، مثلها كمثل الإنسان المصاب بمرض الإيدز (مرض فقدان المناعة)، يكون معرضاً للأمراض المهلكة.